وقال ابن الهمام: التعارض في الاصطلاح: اقتضاء كل من الدليلين عدم مقتضى الآخر(١) (٢).
ومن خلال ما تقدم لتعريف موهم التعارض في اللغة والاصطلاح يمكن تعريف (موهم التعارض بين القرآن والسنة) الذي هو عنوان هذه الرسالة بما يلي:
تمانع وتضاد بين دليل من القرآن ودليل من السنة على وجه التخيل والسهو والغلط.
شرح التعريف:
(تمانع وتضاد) وهذا وصف يدل على الاختلاف والتعارض وعدم الاتفاق.
(بين دليل من القرآن ودليل من السنة) يخرج من ذلك التمانع والتعارض بين دليلين من القرآن أو بين دليلين من السنة.
(على وجه التخيل والسهو الغلط) وهذه الجملة تدل على أن هذا التمانع والتضاد لا يعدو سوى وهم وتخيل خاطئ في ذهن الناظر بعيد عن اليقين والحقيقة.
...... المبحث الثاني
أسباب نشوء موهم التعارض بين القرآن والسنة
المتأمل في مسائل موهم التعارض بين القرآن والسنة يجد أنها لا تخلو مسألة من مسائله إلا وفيها سبب أو أكثر من سبب لنشوء موهم التعارض.
ومن أهم الأمور المساعدة على دفع موهم التعارض معرفة سبب نشوئه، لأنه إذا عرف السبب كان ذلك بمثابة معرفة السبيل والطر يق لدفع موهم التعارض.
وبعد النظر في مسائل موهم التعارض بالقسم التطبيقي، ظهر لي مجموعة من الأسباب، وفيما يلي بيانها مع التمثيل لكل سبب :
١- اعتقاد صحة الدليل:

(١) التقرير والتحبير شرح ابن أمير الحاج على تحرير ابن الهمام (٣/٢)، وتيسير التحرير شرح أمير بادشاه على تحرير ابن الهمام (٣/١٣٦).
(٢) للتوسع في تعريف التعارض اصطلاحاً انظر التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية لعبد اللطيف البزرنجي (١/١٨ - ٧٥)، أدلة التشريع المتعارضة لبدران أبو العينين (٢٠ -٢٣)، التيسير في قواعد التفسير (٢٢٨)، اختلاف المفسرين لسعود الفنيسان (١٩٥)، منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث لعبد المجيد السوسوة (٤٨ - ٥٣)، ومختلف الحديث لنافذ حماد (١٩ - ٢٤).

قال الرازي: والأصح أن هذه الآية نزلت في يوم بدر، وإلا لدخل في أثناء القصة كلام أجنبي عنها، وذلك لا يليق(١).
٣- أن هذا القول هو ما سار عليه جمهور المفسرين في تفسيرهم للآية، وأنها حديث عن غزوة بدر وتفسير لها.
٤- أن سبب النزول الذي يحكيه الصحابي ممن حضر القصة مقدّم على غيره من الأسباب، فهذا السبب عمَّا حدث في غزوة بدر يرويه حكيم بن حزام رضي الله عنه وهو من حضر القصة وعاش أحداثها.
٥_ أن صيغة سبب النزول في رواية غزوة بدر صريحة في السببية ويمكن أن يجاب عن القول الثاني بأن هذه الرواية التي جاءت بالصيغة الصريحة في السببية، أنها جاءت أيضاً بالصيغة غير الصريحة في السببية وهي ما جاءت عند ابن أبي حاتم في تفسيره، قال ابن المسيب بعد ذكر قصة الرمي: وفي ذلك أنزل الله عز وجل ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ﴾ (٢) الآية(٣).
أي في معنى هذا الرمي أنزل الله تعالى هذه الآية وليس سبباً لهذا الرمي.
وأخيرًا لما تبين عدم صحة كون الخبر سبباً لنزول الآية اندفع موهم التعارض وأنه لا تعارض ولا تناقض فيما تقدم.
قال ابن كثير تعليقا على الأقوال المرجوحة في سبب النزول: ولعله اشتبه عليه، أو أنه أراد أن الآية تعمّ هذا كله، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدر لا محالة، وهذا مما لا يخفى على أئمة العلم، والله أعلم (٤).
رمي الرّسول - ﷺ - المشركين يوم بدر
الآية:
(١) مفاتيح الغيب (١٥/١١٣)، وانظر المحرر الوجيز (٦/٢٥١)، و الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٧/٣٦٧)، والبحر المحيط (٤/٤٧٧)، وفتح القدير (٢/٢٩٤)، و تفسير المنار (٩/٥١٦).
(٢) سورة الأنفال: الآية (١٧).
(٣) تفسير ابن أبي حاتم (٥/١٦٧٣).
(٤) تفسير ابن كثير (٤/٣١)، وانظر مفاتيح الغيب (١٥/١١٣)، وغرائب القرآن للنيسابوري (٩/١٣٥).

٥ - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كان رسول الله - ﷺ - يُشغل فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله - ﷺ - دفعه إلى رجل يعلمه القرآن، فدفع إليَّ رسول الله - ﷺ - رجلاً وكان معي في البيت أُعشيه عشاء أهل البيت فكنت أقرئه القرآن، فانصرف انصرافة إلى أهله فرأى أن عليه حقاً فأهدى إليَّ قوساً لم أر أجود منها عوداً ولا أحسن منها عطفاً(١)، فأتيت رسول الله - ﷺ - فقلت: ما ترى يا رسول الله فيها، قال: (جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها)(٢).
وجه دلالة الأحاديث :
جميع ما تقدم من الأحاديث فيها الدلالة الواضحة على النهي من أخذ الأجرة على الأذان أو قراءة القرآن أو تعليمه ونحوها.
الدراسة والترجيح
هذه المسألة من أشكل المسائل الخلافية بين العلماء لقوة الأدلة فيها.
لذلك الذي يظهر والله تعالى أعلم رجحان القول بتحريم أخذ الأجرة على عمل القربات إلا ما جاء الدليل بتخصيصه كالرقية وذلك لِمَا يلي:
١ - صحة الأحاديث في النهي، وإن ادعى بعض العلماء أن فيها ضعفاً، فقد حسن وصحح بعضها غيرهم كما سبق(٣).
٢ - صراحة الأدلة في المنع من أخذ الأجرة على التعليم والتوعد بالعذاب الشديد لمن أخذ شيئاً من ذلك.
٣ - أن الأخذ بهذا القول هو الأحوط والأبرأ للذمة، والدافع إلى الإخلاص في العمل والبعد عن الرياء ومحبطات الأعمال.
(١) العِطَافُ: الرداء وكل ثوب تَعْطِفُه وترَدَّى به، فهو عِطَاف، انظر مختار الصحاح (٢١٢)، ولسان العرب
(٩/٢٧٠).
(٢) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب في كسب المعلم، رقم (٣٤١٧)، والإمام أحمد في مسنده
(٥/٣٢٤)، والحاكم في المستدرك (٣/٤١٠)، وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في الكبرى (٦/١٢٥).
(٣) انظر ص (٣٣١).

أي عم قل لا إله إلا الله... سعيد بن المسيب عن أبيه... ، ٣٠٩، ٣١٠
أين قال... ابن عباس... ٢٩٨
بعثت أنا والساعة كهاتين... أنس بن مالك... ١٦٧
بل أنا أقتل أبياً... سعيد بن المسيب عن أبيه... ، ١٩٧
تباً للذهب والفضة... سالم بن أبي الجعد... ٢٥٢
تقتلك الفئة الباغية... أم سلمة... ١٦٩
جمرة بين كتفيك... عبادة بن الصامت... ٣٣٢
الحج عرفة... عبد الرحمن بن يعمر... ٢٢٩
خلق الله الأرض يوم الأحد... ابن عباس... ١١١
خلق الله عزَّ وجلَّ التربة... أبو هريرة... ، ١٠٥
دعوا الحبشة ما ودعوكم... أبو سكينة عن رجل... ٢٦٠
الدنيا سجن المؤمن... أبو هريرة... ٣٢٦
اذهب فقد زوجتكها... سهل بن سعد... ٣٣٠
رأيت ربي عزَّ وجلَّ... ابن عباس... ١٢٩
اربعوا على أنفسكم... أبو موسى الأشعري... ، ١٠٢، ١١٩
الريح من روح الله... أبو هر يرة... ٣٢٤
سبحان الله بئس ما جزتها... عمران بن حصين... ٢٧٧
استأخروا... سعيد بن المسيب... ٢٠٠
سددوا وقاربوا وأبشروا... عائشة... ، ٩٦، ١٠١
سنوا بهم سنة أهل الكتاب... عمر بن الخطاب... ٢٦١
شاهت الوجوه... حكيم بن حزام... ، ٢٠٠، ٢٠٥
شاهت الوجوه... محمد بن كعب... ٢٠١
الصلاة على وقتها... ابن مسعود... ٢٦٣
صلة الرحم وحسن الخلق... عائشة... ، ٩٢
عسى أن يكون هذا مرائياً... ابن الأدرع... ١١٧
على المرء المسلم السمع والطاعة... ابن عمر... ٢٦٥
على مصافكم كما أنتم... معاذ بن جبل... ١٣٠
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم... علي بن أبي طالب... ٢٨١
فإن أحد ترخص بقتال... أبو هريرة... ٢٢٣
فإنه أواه... جابر بن عبد الله... ١١٨
اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين... سعد بن أبي وقاص... ٢٢٤
قد أجرنا من أجرت... أم هانئ... ٢٢٣
قد سألت الله لآجال مضروبة... أم حبيبة... ٨٨
اقرأوا القرآن... عبد الرحمن بن شبل... ٣٣١
كخ، كخ... أبو هريرة... ٢٧١
كية... أبو أمامة... ٢٥٣
كيف لا أوهم... ابن مسعود... ١٧
لأزيدن على السبعين... عروة بن الزبير... ، ٢٩٢
لا أحل المسجد لحائض... عائشة... ٢٤٤
لا تؤخر نفس إذا جاء أجلها... أبو الدرداء... ٨٥
لا تبرح... ابن مسعود... ٦٠
لا تحل الصدقة لغني... ابن عمرو... ، ٢٧٤
لا تدعون على أنفسكم... جابر بن عبد الله... ٣٢٢
لا تسجد لي يا سلمان... شهر بن حوشب... ٣٦٠


الصفحة التالية
Icon