كما أنّ هذا القول فيه إثبات للمواثيق الثّلاثة، الميثاق المقالي الأزلي عندما استخرجهم ونثرهم كالذّرّ بين يدي آدم عليه السّلام، والميثاق الثّاني الحالي وهو الفطرة التي فطر الله النّاس عليها، والميثاق الثّالث الذي بعثت به الرّسل، وليس هناك تعارض بينها(١)، لِمَا سيأتي في الجواب عن أدلّة مسلك الترجيح واعتراضاته.
وبهذا يتبيّن رجحان القول بالجمع بين الآية والحديث، وتقديم المعنى الحقيقي على المجازي التمثيلي، وفي ذلك يقول الشّوكاني: وهذا هو الحقّ الذي لا ينبغي العدول عنه ولا المصير إلى غيره لثبوته مرفوعًا إلى النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وموقوفًا على غيره من الصّحابة، ولا ملجئ للمصير إلى المجاز، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقلا(٢).
مناقشة الأقوال
وأمّا عن مناقشة الأقوال السّابقة فسوف نكتفي بمناقشة الأدلّة التي استدلّ بها أصحاب هذه الأقوال والجواب عنها لأنها تشتمل على دلالة ما ذهبوا إليه، والاعتراض على ما ذهب إليه أصحاب مسلك الجمع.
أوّلاً : ما استدلّ به أصحاب القول الأوّل في مسلك التّرجيح:
١ - قالوا إنّ الإخراج في الآية من ظهور بني آدم وليس من ظهر آدم بخلاف الحديث كذلك الخطاب في الآية كان لبني آدم وليس في الآية ذكر لآدم بخلاف الحديث.
يجاب على هذا بما يلي:
أنّ آدم عليه السّلام هو الأصل وأبناءه هم الفرع عنه فاكتفى في الآية بذكر الفرع الذي هو في الحقيقة مأخوذ من الأصل، وفي الحديث اكتفى بالأصل نيابة عن ذكر الفرع، وإلا فإن الإخراج كان أولاً لأبنائه من صلب آدم، ثم استخرج أبناء الأبناء من الأبناء إلى نهاية الخلق وهكذا فالآية والحديث مكملان لبعضهما البعض.
(٢) فتح القدير (٢/٢٦٣).