٢ - قالوا عن الأحاديث التي استدل بها أصحاب مسلك الجمع إن ما صحّ منها ليس فيها ذكر للعهد والميثاق، وما ذكر فيها العهد والميثاق فهو في أحاديث ضعيفة أو موقوفة.
الجواب على ذلك بما يلي:
أنّ هذا القول لا يسلم به بل إن ذلك قد ثبت في أحاديث صحيحة مرفوعة إلى النبي - ﷺ -، فمنها ما هو صحيح كحديث أنس رضي الله عنه المتّفق عليه، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما ومنها الحسن بتعدد طرقها وشواهدها كحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحديث هشام بن حكيم وغيرها من الأحاديث السابقة(١).
٣ - قولهم: إنّ الفطرة هي الميثاق المذكور في الآية ودلّت على الفطرة أدلة أخرى.
الجواب على ذلك:
نسلم لكم في دلالة هذه الآيات على الفطرة، لكن ليس في هذه الآية ما يخصص المراد منها بالفطرة، وما ذكرتموه من الأدلّة في إثبات الفطرة هو امتداد للتّذكير بالميثاق الأوّل ولا تعارض هنا بينه وبين مسلك الجمع.
٤ ـ قولهم : إنّ الآية يلزم أن لا تتخلّف عن مدلولها.
الجواب على ذلك بأن يقال:
إنّ الأولى في كونها آية وتحتاج إلى بيان وتفصيل أن تحمل على الميثاق الأوّل الذي أخذه الله تعالى على العباد عندما أخرجهم من أصلاب أبائهم مثل الذر، فهو أخفى في التّذكّر من ميثاق الفطرة.
٥ ـ قولهم: كيف يكون هذا الميثاق حجة وهو لا يذكره أحد؟
الجواب على ذلك :
يمكن التسليم لكم بأنّ الحجة لا تقوم بهذا، ولكن بعد أن أخذ الله تعالى منهم الميثاق الأوّل أرسل إليهم الرّسل منذرين ومبشّرين ومذكّرين بالعهد الأوّل فعند ذلك تكون الحجّة قد قامت عليهم ولزمتهم، ثم كيف يعدل عن القول بالميثاق الأوّل إلى الفطرة ويحتج به والفطرة أيضًا لا تكفي لقيام الحجّة إلا بعد إرسال الرّسل.
وأيضاً لا يخفى ما في نسيان الخلق لهذا العهد من حكمة الابتلاء والامتحان.

(١) انظر الكلام على الأحاديث ص (١٤٨-١٥١).


الصفحة التالية
Icon