الدّراسة والتّرجيح
الحقيقة المتأمّل في حديث عائشة رضي الله عنها لا يجد بينه وبين الآية أيّة تعارض، لأنّ الذي يدلّ عليه الحديث هو الدّوام على العمل الصالح وليس الإكثار منه كما هو مراد الآية، ولا شكّ أنّ هناك فرقاً بين الدّوام والإكثار(١)، فمن الأعمال ما تداوم عليها ولكنك لست بمكثر منها، كأن تحافظ على عمل من الأعمال في السّنّة مرّة أو في الشّهر مرّة ونحو ذلك، فأنت في الحقيقة مداوم عليه ولكن لا يعد ذلك منك من قبيل الإكثار في العمل، وعلى ذلك يندفع موهم التعارض بين الآية وحديث عائشة رضي الله عنها.
قال ابن الأثير في بيان كلام عائشة رضي الله عنها: شبهة عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر(٢).
أما القول إن آخر حديث عائشة رضي الله عنها: (وأيّكم يستطيع ما كان النّبيّ - ﷺ - يستطيع)(٣) يدل على إكثاره من العمل الصالح، فيجاب عنه بما يلي:
فإن قولها يحمل على المداومة على العمل الصالح، فالمداومة على أي عمل لا يستطيعه كل إنسان.
وليس معنى قولنا هذا إنّ النّبيّ - ﷺ - ليس بمكثر من الأعمال الصّالحة، بل إن حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيه الدلالة الواضحة والصريحة على إكثاره - ﷺ - من العبادة وحرصه عليها.
ولكن يجاب عليه: بأنه لا يمنع مع إكثاره - ﷺ - من العمل الصالح أن يكون هناك أعمال صالحة في علم الغيب لم يعلمها وكان يرجو أن يعلمها ليعمل بها، والله تعالى أعلم.

(١) انظر معجم مقاييس اللغة (٣٥٢)، لسان العرب (٤/٤٤٦).
(٢) النهاية في غريب الحديث (٢/١٤٨)، وانظر غريب الحديث لأبي عبيد (٤/٣١١).
(٣) سبق تخريجه ص (١٧٣).


الصفحة التالية
Icon