فسقط أبي عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم فكسر ضلعًا من أضلاعه فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا له: ما أعجزك إنما هو خدش فذكر لهم قول رسول الله - ﷺ - :(بل أنا أقتل أبيًا) ثم قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين فمات أبي إلى النار فسحقًا لأصحاب السعير قبل أن يقدم مكة فأنزل الله: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ (١).
فهذه الآية في سورة الأنفال كانت في الحديث عن غزوة بدر وكذلك ظاهر الآية وسياقها السابق واللاحق، فكيف يكون سبب نزولها ما حدث في غزوة أحد ؟
ولكن عند النظر في الحديث يَعلم الباحث أن المبالغة في القول بسبب النزول هو منهج بعض السلف في تفسير الآية، وهو ما يكون سبباً في نشوء موهم التعارض(٢).
٥- تغاير الأحوال:
أكثر الأسباب لوقوع موهم التعارض، وهو كأن يأت دليل من القرآن، ودليل من السنة يُظن ويتوهم أن بينهما تعارضاً، ولكن في الحقيقة أنه لا تعارض بينهما لاختصاص كل منهما بحال معينة.

(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٥/١٦٧٣)، والحاكم في المستدرك (٢/٣٥٧) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وعزاه ابن كثير في تفسيره (٤/٣٢) والسيوطي في الدر المنثور (٣/ ٣١٧) إلى عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، ولم أجده في تفسير ابن جرير، ينظر تفسير الطبري (١٣/٤٤٦-٤٤٨) تحقيق محمود شاكر، وصححه السيوطي في لباب النقول (١٣٨).
(٢) انظر ص (١٩٧).

إن المنفي هو إزهاق الروح وإثباته لله عز وجل، والمثبت من الرمي أثره وهو الجرح من الرسول - ﷺ - (١).
القول السابع :
إن المنفي إصابة الرمي للجميع، والمثبت هو إصابة البعض، فيكون معنى الآية: أن الله تعالى عم جميعهم، ولم يكن في قبضتك إلا ما يبلغ بعضهم، فالله هو الذي رمى سائرهم إذ رميت أنت القليل منهم.
قاله السهيلي(٢).
الدّراسة والتّرجيح
الذي يظهر - والله تعالى أعلم - أنّ الرّاجح هو ما ذهب إليه ابن جرير في القول الثّالث وهو أن المراد بالرّمي المنفي عن الرّسول - ﷺ - والمثبت لله عزّ وجلّ هو تسديد الرّمي أي التّأثير في هذا الرّمي وتأييده، وكذلك إيجاد الأسباب وتقديرها، والمثبت من الرّمي للرّسول - ﷺ - هو العمل الذي اكتسبه وقام به على الصّورة البشريّة ثم أثر فيه الله عزّ وجلّ حتى أوصله إلى وجوه المشركين فانهزموا.
ولما كان المنفي في الآية غير المثبت بالحديث اندفع موهم التعارض وزال الإشكال.
وأمّا القول الأول والثاني والخامس والسابع فإنّها تدخل في معنى هذا القول، وليس هناك دليل على تخصيص الآية أو حصرها على وجه دون وجه مع إمكانيّة حمل معنى الآية على جميع الوجوه، إلا أن القول الرابع والسادس فيه بعد وخروج عن ظاهر النص الذي فيه الرمي، وإعمال للمجاز مما يؤيد ضعفه، والله تعالى أعلم.
الحيلولة بين المرء وقلبه
الآية:
قوله تعالى: ﴿ (#ûqكJn=ôم$#ur أَن اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ (٣).
الحديث:
(١) انظر البحر المحيط (٤/٤٧٧).
(٢) انظر الروض الأنف (٣/٨١).
(٣) سورة الأنفال: آية (٢٤).

الأحاديث:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ - :(يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي منادٍٍ: يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه. ثم ينادي: يا أهل النار فيشرئبون، وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا ؟ فيقولون: نعم هذا الموت. وكلهم قد رآه، فيذبح. ثم يقول يا أهل الجنة، خلود فلا موت. ويا أهل النار خلود فلا موت)(١).
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي - ﷺ - قال: (ينادي منادٍ: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، فذلك قوله عز وجل:
﴿ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (٢) (٣).
وجه موهم التعارض بين الآية والأحاديث:
لقد أجمع علماء هذه الأمة على خلود الجنة والنار وعدم فنائهما، وهذا هو ما دل عليه ظاهر الأحاديث في هذه المسألة.
قال ابن حزم: اتفقت فرق الأمة كلها على أن لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها، إلا جهم بن صفوان(٤).
قال ابن تيمية: وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة والنار، والعرش، وغير ذلك(٥).
ولكن في ظاهر الآية يظهر أن خلود الجنة ليس ثابتاً بل هو معلق بدوام السماوات والأرض، ومن المعلوم أن السماوات والأرض يوم القيامة تذهب وتزول كما قال تعالى:
(١) سبق تخريجه ص (٣٥).
(٢) سورة الأعراف: (٤٣).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم (٢٨٣٧).
(٤) الملل والنحل (٤/١٤٥).
(٥) مجموع فتاوى ابن تيمية (١٨/٣٠٧).

أبو حامد الغزالي = محمد بن محمد بن محمد
أم حبيبة... ٨٨
حجاج بن محمد... ١٠٥
ابن حجر = أحمد بن علي
ابن حزم = علي بن أحمد
أبو الحسن الأشعري = علي بن إسماعيل
الحسن بن أبي الحسن يسار، البصري... *٥٣، ٦٠، ٧٠، ٨٧، ١٨٥...
الحسن بن علي بن أبي طالب... ٢٧١
الحسين بن سليمان بن أبي الحسن، ابن ريان... ٤٣، *٩٩، ١٩٦، ٢٠٤
الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي... ٤٦، *٨٤، ٢٢٨، ٢٣٢، ٢٣٣...
الحسين بن مسعود بن محمد البغوي... *١٢٤، ١٩٣، ٢١٥، ٢٥٩، ٢٦٤...
حفص بن عمر بن عبد العزيز الدوري... *٢٥٦
حكيم بن حزام بن خويلد... *١٩٨، ٢٠٠، ٢٠٢، ٢٦٦، ٢٦٨...
حماد بن أسامة، أبي أسامة... ٢٩٢
حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي... *٧٥، ٧٨، ٨٢، ٢٦٠، ٢٨٦...
أبو حنيفة = النعمان بن ثابت
أبو الحوراء... ٢٧٢
أبو حيان = محمد بن يوسف
الخازن = علي بن محمد
خالد بن أسلم... ٢٥٦
خالد بن معدان بن أبي كريب... *٣٤٢
خباب... ٣٦٧
ابن خزيمة = محمد بن إسحاق
الخطابي = حمد بن محمد
الخفاجي = أحمد بن محمد
الداودي = محمد بن داود
أبو الدرداء... ٨٥
أبو دلف... ٨٥
أبو ذر = جندب بن جناده
الذهبي = محمد بن أحمد
ذو البجادين... ١١٧، ١١٨
الرازي = محمد بن أبي بكر
الرازي = محمد بن عمر
راشد عبد الله الفرحان... ٤٣
أبو رافع... ٢٧٢
الربيع بن أنس بن زياد... *٣٨٥
ربيعة بن شرحبيل بن حسنة... ١٦٩
ابن رجب = عبد الرحمن بن أحمد
ابن رشد... ٢٦٤
ابن ريان = الحسين بن سليمان
الزجاج = إبراهيم بن محمد
الزركشي = محمد بن بهادر
زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري... ٤٣، *١٤٢، ١٤٣، ١٩٢، ٢٠٥...
زكريا علي يوسف... ٤٣
الزمخشري = محمود بن عمر
ابن أبي زمنين = محمد بن عبد الله
الزهري = محمد بن مسلم
ابن زيد = جابر بن زيد
زيد بن ثابت بن الضحاك... *١٨٧
زيد بن يثيع... ٣١، ٢٣٨
سالم بن أبي الجعد... ٢٥٢
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب... *١٨٢
السبكي = عبد الوهاب بن علي
السدي = إسماعيل بن عبد الرحمن
سريج بن يونس... ١٠٥
سعد بن مالك بن وهيب، سعد بن أبي وقاص... *١٨٧، ١٩١، ٢٢٤، ٣٢٦، ٣٢٧


الصفحة التالية
Icon