وحديث جابر بن عبد الله أنّ النّبيّ - ﷺ - قال: (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي) فذكر منها (وكان النّبيّ يُبعث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى النّاس عامّة)(١).
في ظاهرهما التعارض، فكيف تخصص الآية بعثة النبي - ﷺ - بالمؤمنين والحديث يأتي بعموم رسالته للناس أجمعين، فعندما تجهل دلالة العام والخاص ينشأ موهم التعارض بين الدليلين(٢).
٨- الإطلاق والتقييد:
أن يدل دليل على حكم من الأحكام بالإطلاق بدون تقييد ثم يأتي دليل آخر يدل على نفس الحكم ولكن بالتقييد، فبجهل دلالة المطلق والمقيد ينشأ موهم التعارض بين الآية والحديث.
مثاله: قوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ (٣).
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - ﷺ - يقول: (إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها(٤)، وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها)(٥).
ففي الآية بيان أن من أسلم يكفر له سيئاته دون قيد، بينما في الحديث اشترط حسن الإسلام - أي حسن النية والقصد-، فعندما تجهل دلالة المطلق والمقيد ينشأ موهم التعارض(٦).
٩- الإيجاز والإطناب:

(١) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التيمم، قوله تعالى: ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾ رقم (٣٣٥)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم (٥٢١).
(٢) انظر ص (١٧٧).
(٣) سورة الأنفال: آية (٣٨).
(٤) زَلَفَها: أي أسلفها وقدمها، والأصل فيه القرب والتقدم، انظر الغريبين في القرآن والحديث (٣/٨٢٧)، والنهاية في غريب الحديث (٢/٣٠٩).
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه معلقاً، كتاب الإيمان، باب حسن إسلام المرء، رقم (٤١)، انظرص (٢٦٦).
(٦) انظر ص (٢٢٠).

عن عائشة رضي الله عنها قالت: وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عرف في وجهه، قالت: يا رسول الله، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية، فقال: (يا عائشة، ما يُؤمنّي أن يكون فيه عذاب، عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا)(١).
وجه موهم التعارض بين الآية والحديث:
منطوق الآية الكريمة فيه تأمين من الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام ومن هو فيهم من وقوع العذاب، بينما في الحديث الشريف يظهر خوفه - ﷺ - من وقوع العذاب مع تأمين الله تعالى له في الآية، فكيف يكون هذا الخوف منه - ﷺ - مع هذا الوعد من الله تعالى؟
مسالك العلماء تجاه موهم التعارض
سلك العلماء تجاه موهم التعارض مسلكين:
أولاً: مسلك الجمع:
وهو مسلك القائلين بأنه ليس هناك تعارض بين الآية والحديث، فأما الآية فهي في حالة معينة بمكان أو بوقت من الأوقات أو بفئة من الناس وليست عامة في جميع الأمور أو أنه عليه الصلاة والسلام خشي على من ليس هو فيهم وقوع العذاب، وهذا ما ذهب إليه ابن حجر فقال: والأولى في الجواب أن يقال إن في آية الأنفال احتمال التخصيص بالمذكورين أو بوقت دون وقت، أو مقام الخوف يقتضي غلبة عدم الأمن من مكر الله، وأولى من الجميع أن يقال خشي على من ليس هو فيهم أن يقع بهم العذاب، أما المؤمن فشفقة عليه لإيمانه، وأما الكافر فلرجاء إسلامه، وهو بعث رحمة للعالمين (٢).
وأدلة هذا المسلك ما يلي:
١ - إن سورة الأنفال وسياق الآية في الحديث عن المشركين في غزوة بدر، فهذا يدل على تخصيصها بهم لأن النبي - ﷺ - لما كان فيهم بمكة لم يعذبوا، فلما خرج منهم عذبوا يوم بدر بالقتل.
(١) سبق تخريجه ص (٣٤).
(٢) فتح الباري (٦/٣٦٣).

قال الرازي: واعلم أن الجواب الحق عندي في هذا الباب شيء آخر، وهو أن المعهود من الآية متى كانت السماوات والأرض دائمتين كان كونهم في النار باقياً، فهذا يقتضي أن كلما حصل الشرط حصل المشروط ولا يقتضي أنه إذا عُدم الشرط يُعدم المشروط، ألا ترى أنا نقول: إن كان هذا إنسان فهو حيوان، فإن قلنا: لكنه إنساناً فإنه ينتج أنه حيوان، أما إذا قلنا لكنه ليس إنساناً لم ينتج أنه ليس حيواناً، لأنه ثبت في علم المنطق أن استثناء نقيض المقدم لا ينتج شيئاً، فكذا ههنا إذا قلنا متى دامت السماوات دام عقابهم، فإذا قلنا لكن السماوات والأرض دائمة لزم أن يكون عقابهم حاصلاً، أما إذا قلنا لكنه ما بقيت السماوات لم يلزم عدم دوام عقابهم(١).
ثانياً: تعليق خلود أهل الجنة والنار بقوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ﴾ وسلك العلماء تجاه هذا الإشكال أربعة مسالك.
أولاً: مسلك الجمع، وفيه أحد عشر قولاً:
القول الأول:
أن (ما) بمعنى (مَنْ) أي إلا مَنْ شاء الله عدم خلوده في النار فيخرج منها إلى الجنة، هذا في آية النار، وفي آية الجنة إلا من شاء الله أن لا يدخل الجنة ابتداء بل يدخل النار ثم يخرج منها إلى الجنة، وعلى هذا المعنى يكون الاستثناء خاصاً بأهل الكبائر والعصاة من أهل التوحيد، ونحو هذه الآية قوله تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ (٢).
(١) مفاتيح الغيب (١٨/٥٢).
(٢) سورة النساء: آية (٣).

عبيد الله بن عدي... ٢٧٣
عبيد الله بن عمر... ٢٩٧
عبيد بن عمير بن قتادة... *٣١٨
أبو عبيدة = معمر بن المثنى
عتبة بن ربيعة... ٥٢، ٢١٤
عثمان بن أبي العاص... ٣٣١
عثمان بن عفان بن أبي العاص... *١٨٢، ٢٥٦، ٢٨٠، ٢٨٢، ٢٨٤...
العثماني = شبير بن أحمد
ابن عثيمين = محمد بن صالح
عراك بن مالك الغفاري... ٢٠٧، *٢٥٦
ابن العربي = محمد بن عبد الله
عروة بن الزبير بن العوام... *١٨٥، ١٩٨، ٢٦٦، ٢٨٩، ٣٠٦
ابن أبي العز = علي بن محمد
العز بن عبد السلام = عبد العزيز بن عبد السلام
عطاء بن أبي رباح بن أسلم... ١٥٢، *٣١٥، ٣٣٠، ٣٦١
ابن عطية = عبد الحق بن غالب
عطية بن سعد بن جنادة العوفي... ٣٠٦، *٣٨٥
عقبة بن أبي معيط... ٥٢، ٢١٤
عقبة بن عامر... ٢٩، ١١٧، ٢٢٨، ٢٣٠
عكرمة بن أبي جهل... ٢٢٤
عكرمة مولى ابن عباس... *٥٣، ٢١٧، ٢٥٦، ٣٧٤
ابن علاّن = محمد بن علي
علقمة... ١٧٣
علي بن أبي طالب بن عبد مناف... ٣١، *١٨٢، ١٨٧، ٢٣٤، ٢٣٦...
علي بن أحمد بن سعيد، ابن حزم الظاهري... *٤٩، ٥١، ٢٧٧، ٢٧٨، ٣٣٨...
علي بن أحمد بن محمد الواحدي... *٢١٦
علي بن إسماعيل بن إسحاق، أبو الحسن الأشعري... *١٣٢
علي بن خلف بن بطال البكري القرطبي... *٩٧، ٩٩، ٢٥٧، ٢٦٧، ٢٧٠
علي بن سلطان بن محمد، ملا علي قارئ... *٨٩، ١٠٦، ١٦٦، ٢٠٩، ٢١٠...
علي بن عبد الله بن أحمد السمهودي... *٣٠٤
علي بن عبد الله بن جعفر، ابن المديني... *١٠٩، ١١٠، ١١٤، ١١٥
علي بن عمر بن علي، ابن الملقن... *٣٥٨
علي بن محمد بن إبراهيم، الخازن... ٤٤، *٩٧، ١٢٤، ١٤٧، ١٧١...
علي بن محمد بن حبيب الماوردي... *١٩٥، ١٩٦، ٢١٥
علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي... *٩٥، ١٥٢
علي بن محمد بن منصور، ابن المنير الإسكندراني... *٢٦٧، ٢٧٠، ٣٠٩، ٣١١
عمار بن ياسر... ٦٠، ٦١، ٦٥، ١٦٩
عمر بن الخطاب بن نفيل... ٤٠، ٧٣، ٨٣، ١٤٩، *١٨٢...
عمر بن عبد العزيز بن مروان القرشي... ٢٠٧، *٢٥٦
عمران بن حصين... ٢٧٧، ٣٤٧
عمرو بن العاص... ٢٥٥
عمرو بن دينار الجمحي... *٣١٨
عمير بن عامر بن عبد ذي الشري... *١٨٥


الصفحة التالية
Icon