مثاله: قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ (١).
وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ -، وهو على المنبر، يقول: ( ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)(٢).
ظاهر الآية في أن القوة المراد بإعدادها عند قتال العدو جميع أنواع القوى، بينما في الحديث حصرها النبي - ﷺ - في الرمي، وذلك راجع إلى حمل معنى القوة في الآية على المشهور والغالب وعنده نشأ موهم التعارض بين الآية والحديث(٣).
١١- اختلاف الزمان:
عند الجهل بزمن حدوث فعل من الأفعال أو أمر من الأمور وعدم معرفة المتقدم من المتأخر بين الأدلة قد يكون سبباً لنشوء موهم التعارض.
مثاله: قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِن السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) ﴾ (٤).
وقوله تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) ﴾ (٥).
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول - ﷺ - قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله) (٦).

(١) سورة الأنفال: آية (٦٠).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، رقم (١٩١٧).
(٣) انظر ص (٢٢٨).
(٤) سورة الحجر آية (٨٥).
(٥) سورة الحجر: آية (٩٤).
(٦) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الحياء من الإيمان، رقم (٢٥)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، رقم (٢٢).

نزلت هذه الآية في المشركين يوم بدر وهي تنص على انتفاء وقوع العذاب على المشركين والنبي - ﷺ - فيهم، بينما ظاهر الحديث وما تدل عليه السيرة أن الله عز وجل عذبهم يوم بدر بالقتل والهزيمة على أيدي المؤمنين، فكيف يمكن دفع موهم التعارض والجمع بين الآية والحديث؟
مسالك العلماء تجاه موهم التعارض
لدفع موهم التعارض بين الآية والحديث سلك العلماء في ذلك مسلكين وهما كما يلي:
أولاً: مسلك الجمع:
وتعددت أقوال العلماء في ذلك إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول:
إن المراد بالعذاب المنفي في الآية هو عذاب المشركين في مكة والرسول - ﷺ - مقيم فيهم، فلما خرج من مكة عذبوا، ومن ذلك العذاب ما لقوه من القتل والأسر يوم بدر وغيره.
وإلى هذا القول ذهب ابن جرير(١)، والسمرقندي(٢)، والماوردي(٣)، والبغوي(٤)، وابن عطية(٥)، والرازي(٦)، وابن كثير(٧)، وزكريا الأنصاري(٨)، والجمل(٩)، والقاسمي(١٠)، وابن سعدي(١١).
قال ابن جرير: وأولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب، قول من قال تأويله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يا محمد وبين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم، لأني لا أهلك قرية وفيها نبيه.
ثم قال بعد ذلك في جواز تعذيبهم بعد خروجه - ﷺ - من مكة: بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر، الدليل الواضح على أن القول في ذلك ما قلنا(١٢).
(١) انظر تفسير الطبري (٩/٢٩٧).
(٢) انظر تفسير السمرقندي (٢/١٩).
(٣) انظر تفسير الماوردي (٢/٣١٣).
(٤) انظر تفسير البغوي (٣/٣٥٤).
(٥) انظر المحرر الوجيز (٦/٢٨١).
(٦) انظر أنموذج الجليل (١٧٨).
(٧) انظر تفسير ابن كثير (٤/٥٠).
(٨) انظر فتح الرحمن (١٥٧).
(٩) انظر الفتوحات الإلهية (٢/٢٤٢).
(١٠) انظر محاسن التأويل (٤/٣٣).
(١١) انظر تفسر ابن سعدي (٢/٦١٦).
(١٢) تفسير الطبري (٩/٢٩٨).

أو يكون المعنى سوى ما شاء ربك من الزيادة في العذاب أو النعيم على حمل المراد بالسماوات والأرض في الآخرة(١).
رجح هذا القول الفراء(٢) (٣)، ونسبه الزجاج لأهل اللغة من الكوفيين والبصريين(٤).
القول السابع:
إن (إلا) بمعنى (الكاف) أي خالدين فيها كما شاء ربك(٥).
القول الثامن:
إن المستثنى في الآية ليس الخلود وإنما هو التنويع في العذاب لأهل النار، وفي النعيم لأهل الجنة(٦).
قال بهذا القول الزمخشري(٧).
القول التاسع:
إن هذا الاستثناء هو الذي ندب إليه الشرع في كل كلام، كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ (٨)، وقوله تعالى: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ ﴾ (٩) (١٠).
القول العاشر:
(١) انظر معاني القرآن للفراء (٢/٢٨)، وتأويل مشكل القرآن (٧٧)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٣/٧٩)، ومعاني القرآن للنحاس (٣/٣٨٣)، والاستغناء في أحكام الاستثناء (٤١٩).
(٢) يحيى بن زكريا بن زياد بن عبد الله بن منظور الكوفي النحوي، أبو زكريا المعروف بالفراء، توفي سنة سبع ومائتين بعد الهجرة، انظر سير أعلام النبلاء (١٠/١١٨)، شذرات الذهب (٣/٣٩).
(٣) انظر معاني القرآن للفراء (٢/٢٨).
(٤) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٣/٧٩).
(٥) انظر زاد المسير (٤/١٦١)، وفتح القدير (٢/٥٢٥).
(٦) انظر مفاتيح الغيب (١٨/٥٣)، وتفسير الخازن (٢/٥٠٤).
(٧) انظر الكشاف (٢/٢٣٥).
(٨) سورة الكهف: آية (٢٣ - ٢٤).
(٩) سورة الفتح: آية (٢٧).
(١٠) انظر زاد المسير (٤/١٦١)، والجامع لأحكام القرآن (٩/١٠٤).

محمد بن مسلم بن عبيد الله، ابن شهاب الزهري... ٨٣، *١٨١، ١٩٩، ٣٣٠...
محمد بن مفلح بن محمد المقدسي، ابن مفلح... *٣٥١
محمد بن مكرم بن علي، ابن منظور... *٧٥
محمد بن ناصر الدين بن نوح الألباني... *١٠٦، ١٠٧، ١١٤
محمد بن يوسف بن علي، أبو حيان... ٤٤، *٦٣، ١٠٧، ١٢٣، ١٢٤...
محمد رشيد بن علي رضا... *١٩٣، ١٩٩، ٢٠١، ٢٠٤، ٢٢٩
محمد صديق خان بن حسن القنوجي... *٦٤، ١٤١، ١٥١، ١٧٧، ١٩٣...
محمود بن أبي الحسن بن الحسين الغزنوي... *٣٤٢
محمود بن أحمد بن موسى العيني... ٤٦، *٦٣، ٦٤، ٧٩، ١٨٩...
محمود بن شكري الألوسي... ٤٤، *٦٣، ٦٤، ٧٦، ٧٨...
محمود بن عمر بن محمد الزمخشري... ٤٤، *١٢٣، ١٤١، ١٤٣، ١٥٤...
ابن المديني = علي بن عبد الله
ابن مردويه... ٢٩٧
مرعي بن يوسف بن أبي بكر الكرمي... *٩٠، ٩٣
مسروق... ١٣١
مسلم بن حجاج... ٧٤، ١٠٥، ١١٥، ١١٩، ١٥٢...
مسلم بن يسار الجهني... ١٤٩
المسيب بن حزم... ٢٤، ١٩٧، ٣٠٩، ٣١٠
مصعب بن سعد... ٣٢٦، ٣٢٧
مصعب بن عمير... ٢٤، ١٩٧
المطلب بن ربيعة... ٢٧١
معاذ بن جبل بن عمرو... *١٨٥، ٣٧٠
معاوية بن أبي سفيان... ٣٣، ٣٤، ٨٣، ٩٤، ١٣١...
معتب بن قشير... ٢٨٣
معمر بن المثنى التيمي، أبو عبيدة... *٢٠٧
المغيرة بن شعبة... ١٧٣، ١٧٥
ابن مفلح = محمد بن مفلح
مقيس بن صبابة... ٢٢٤
مكحول مولى بني هذيل... *١٨٥
مكي بن أبي طالب حموش بن محمد القيسي... *٢٨٦، ٢٩٤
ملا علي قارئ = علي بن سلطان
ابن الملقن = علي بن عمر
المناوي = محمد بن عبد الله
منتجب الدين بن أبي العز بن رشيد الهمذاني... *١٤١، ١٤٣
منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني... *١٩٣، ٢٠٤
ابن منظور = محمد بن مكرم
ابن المنير = أحمد بن محمد
ابن المنير = علي بن محمد
المهدوي = أحمد بن عمر
أبو موسى الأشعري... ٣٣، ١٠٢، ١١٣، ١١٩، ١٨٤...
موسى عليه السلام... ٨٧، ١٣٣
النابغة الذبياني... ٣٨٣
نافع مولى ابن عمر... ٢٩٢
النسفي = عبد الله بن أحمد
نصر بن محمد بن أحمد السمرقندي... *١٩٥، ٢٠٤، ٢١٥
النعمان بن بشير... ٢٤٠، ٢٤١


الصفحة التالية
Icon