وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّ النّبيّ - ﷺ - قال: (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي) ثم ذكر منها (وكان النّبيّ يُبعث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى النّاس عامّة)(١).
في ظاهر الآية تخصيص بعثة النبي - ﷺ - للمؤمنين، بينما في الحديث عموم رسالته لجميع الناس، فعند جهل أن الآية في سياق الحديث عن المؤمنين لأنهم المنتفعون بالإنذار والبشارة، والحديث عن عموم الناس نشأ موهم التعارض بين الدليلين(٢).
١٤- خفاء المعنى أو المراد من الدليل:
عند خفاء المعنى أو المراد من الدليل ينشأ موهم التعارض لأنه قد يُرَجْح معنى للدليل يخالف به دليلاً آخر فينشأ بسببه موهم التعارض.
مثاله: قوله تعالى: ﴿ ×ouن!#uچt/ مِنَ اللَّهِ ے¾د&د!qك™u'ur إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (#ûqكJn=÷و$#ur أَنَّكُمْ مژِچxî "ح"إf÷èمB اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ "ح"ّƒèC
z`ƒحچدے"s٣ّ٩$# ﴾
(٣).
وحديث زيد بن يثيع قال: سألنا عليًا بأي شيء بُعثت في الحَجة؟ قال: بُعثت بأربع: (أن لا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم عهد فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا)(٤).

(١) سبق تخريجه ص (٢٦).
(٢) انظر ص (١٧٧).
(٣) سورة التوبة: الآيتان (١-٢).
(٤) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الحج، باب ما جاء في كراهية الطواف عريانًا، رقم (٨٧١)، (٨٧٢)، وكتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم (٣٠٩٢)، وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد في مسنده (١/٧٩)، والدارمي في سننه (٢/١٢٢٢)، والبزار في مسنده (٣/٣٤)، وأبو يعلى في مسنده (١/٣٥١)، والحاكم في المستدرك (٣/٥٤) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والبيهقي في السنن الكبرى (٩/٢٠٧).

وإلى هذا القول ذهب الواحدي(١) (٢)، والزمخشري(٣)، والرازي(٤)، والبيضاوي(٥)، والنسفي(٦)، والخازن(٧)، وأبو حيان(٨)، وأبو السعود(٩)، والشوكاني(١٠)، والألوسي(١١)، ومحمد صديق خان(١٢).
قال الرازي في تفسيره: فإن قيل: لما كان حضوره فيهم مانعًا من نزول العذاب عليهم، فكيف قال: ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾ (١٣)، قلنا: المراد من الأول: عذاب استئصال، ومن الثاني: العذاب الحاصل بالمحاربة والمقاتلة (١٤).
القول الثالث:
إن المراد بالعذاب المنفي في الآية هو إمطارهم بالحجارة والرسول - ﷺ - فيهم، وهذا القول يربط هذه الآية بالآية التي قبلها وفيها طلب المشركين من الرسول - ﷺ - إمطارهم بالحجارة.
وهذا القول جوّزه زكريا الأنصاري(١٥).
ثانيًا: مسلك النسخ:
(١) علي بن أحمد بن محمد بن على الواحدي النيسابوري، أبو الحسن الشافعي، توفي سنة ثمان وتسعين وأربعمائة بعد الهجرة، انظر طبقات المفسرين للأدنَه وي (١٢٧)، وشذرات الذهب (٥/٢٩١).
(٢) انظر الوسيط (٢/٤٥٨).
(٣) انظر الكشاف (٥/١٢٤).
(٤) انظر مفاتيح الغيب (١٥/١٢٧).
(٥) انظر تفسير البيضاوي (٣/٥٨).
(٦) انظر تفسير النسفي (٢/١٤٧).
(٧) انظر لباب التأويل (٢/٣٠٩).
(٨) انظر البحر المحيط (٤/٤٨٩).
(٩) انظر تفسير أبي السعود (٤/١٩).
(١٠) انظر فتح القدير (٢/٣٠٤).
(١١) انظر روح المعاني (٩/٢٠٠).
(١٢) انظر فتح البيان (٥/١٦٧).
(١٣) سورة التوبة: آية (١٤).
(١٤) مفاتيح الغيب (١٥/١٢٧).
(١٥) انظر فتح الرحمن (١٥٧).

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها، ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقاباً(١) (٢).
رابعاً: مسلك التوقف:
إن هذا الاستثناء من الله تعالى ولا نعقله ولا نعلمه وهو من المتشابه الذي استأثر الله - تعالى - بعلمه.
قال قتادة في تفسير هذا الاستثناء: الله أعلم بثُنياه(٣).
الدراسة والترجيح
أولاً: قوله تعالى: ﴿ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ (٤).
سائر الأقوال في الجواب عن الآية محتملة ولكن الأظهر والأولى والأقرب للذهن حمله على القول الثاني وهو أن هذه الجملة تدل على التأبيد والخلود، وهو معروف من كلام العرب.
ثانياً: قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ﴾ (٥).
الظاهر أن الراجح في هذه المسألة أن الاستثناء المراد به هو الاستثناء من عموم الخلود سواء في الجنة أو في النار، وليس في الاستثناء من أنواع النعيم أو العذاب، وغيرها، وهو الأقرب لسياق الآية.
(١) أحقَابَا: جمع حُقُبُ بضم الحاء، وهو ثمانون سنة، وقيل أكثر من ذلك، انظر معجم مقاييس اللغة (٢٥٧)، ولسان العرب (٣/٢٥٣).
(٢) أخرجه البزار في مسنده (٦/٤٤٢)، وفي سنده أبو بلج، وهو يحيى بن أبي سليم، جاء في تهذيب التهذيب
(٦/ ٣١٧)، قال أحمد عنه: روى حديثاً منكراً، وفي الكامل لابن عدي (٧/٢٢٩) قال البخاري: فيه نظر، وقال السعدي: غير ثقة، وقال الفسوي في المعرفة والتاريخ ( ٢/١٠٣): قال أبو داود وحدثنا علي بن سلمة عن ثابت قال سألت الحسن عن هذا الحديث فأنكره.
(٣) تفسير الطبري (١٢/١٤٦)، تفسير ابن أبي حاتم (٦/٢٠٨٧)، وانظر تفسير ابن كثير (٤/٣٥٢).
(٤) سورة هود: آية (١٠٧).
(٥) سورة هود: آية (١٠٧).

والمرء... الأثر... كعب بن زهير... ٨٢
توفيت... السفر... أبو تمام... ٨٥
تناذرها... تراجع... النابغة الذبياني... ٣٨٣
إذا... المخنق... أبو النجم العجلي... ١٥٥
فهرس المصادر والمراجع
١- الآداب الشرعية والمنح المرعية، محمد بن مفلح المقدسي، مؤسسة قرطبة.
٢- أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم، صديق حسن خان القنوجي، دار الكتب العلمية، بيروت.
٣- إبطال التأويلات لأخبار الصفات، أبو يعلى الفراء البغدادي، تحقيق: محمد النجدي، دار إيلاف الدولية، الكويت، الطبعة الأولى، ١٤١٦ه‍.
٤- الإبهاج في شرح المنهاج، علي السبكي وآخرون، تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ١٤٠١ه‍.
٥- إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة، أحمد بن علي العسقلاني، تحقيق: زهير الناصر، وزارة الشؤون الإسلامية، السعودية، الطبعة الأولى، ١٤١٥ه‍.
٦- الإتقان في علوم القرآن، عبد الرحمن السيوطي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤١٦ه‍.
٧- الإجماع، يوسف ابن عبد البر النمري، جمع وترتيب: فؤاد الشلهوب وآخرون، دار القاسم، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨ه‍.
٨- الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة، محمد عبد الحي اللكنوي، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة الثالثة، ١٤١٤ه‍.
٩- الآحاد والمثاني، أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، تحقيق: باسم الجوابرة، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١١ه‍.
١٠- الأحاديث التي ذكر فيها الترمذي اختلافاً وليست في العلل الكبير، من أول كتاب الاستئذان إلى آخر الحديث رقم (٣١٧١) من أثناء كتاب التفسير، عبد العزيز الهليل، رسالة ماجستير، من قسم السنة وعلومها، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،.
١١- أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين، سليمان الدبيخي، دار البيان الحديثة، الطائف، الطبعة الأولى، ١٤٢٢ه‍.


الصفحة التالية
Icon