١٨- بشرية الرسول - ﷺ - :
عندما يحدث عن الرسول - ﷺ - أمر عائد لبشريته وخارج عن إرادته يخالف في ظاهره ما جاء في القران يكون سبباً لنشوء موهم التعارض.
مثاله: قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ ِNخkژدù ﴾ (١).
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عرف في وجهه، قالت: يا رسول الله، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية، فقال: (يا عائشة، ما يُؤمنّي أن يكون فيه عذاب، عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض(٢) ممطرنا)(٣).
في الآية الوعد من الله تعالى بحفظ النبي - ﷺ - من وقوع العذاب، بينما في الحديث يظهر منه خوف النبي - ﷺ - من وقوع العذاب، فموهم التعارض سببه ناشئ عن بشرية الرسول - ﷺ - (٤).
١٩- شرع من قبلنا:
قد يكون في شرع من قبلنا حكم يخالف حكماً ما في شريعتنا، فالذي ينظر إلى اختلاف الحكمين مع عدم التفريق بين شريعة من قبلنا وشريعتنا، يكون ذلك سبباً لنشوء موهم التعارض.

(١) سورة الأنفال: آية (٣٣).
(٢) العَارِض: السحاب الذي يعترض في أفق السماء، انظر الغريبين في القرآن والحديث (٤/١٢٥٢)، والنهاية في غريب الحديث (٣/٢١٣).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا ں@خ٦ّ)tGَ،-B ِNخkةJtƒدٹ÷rr& ﴾، رقم
(٤٨٢٩)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة الاستسقاء، رقم (٨٩٩).
(٤) انظر ص (٢١١).

قال ابن جرير: وكذلك أيضًا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ د‰إfَ،yJّ٩$# دQ#uچysّ٩$#... ﴾ (١) الآية، لأن قوله جل ثناؤه: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ (٢) خبر، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي(٣).
اشتراط حسن الإسلام في مغفرة الذنوب
الآية:
قوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ (٤).
الحديث:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله - ﷺ - يقول: (إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها، وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها)(٥).
وجه موهم التعارض بين الآية والحديث:
أنه في الحديث الشريف اشترط لتكفير السيئات بعد الدخول في الإسلام، الإحسان في الإسلام، وفي الآية اكتفى بالانتهاء عن الكفر والدخول في الإسلام دون اشتراط الإحسان، فكيف يمكن دفع موهم التعارض بين الآية والحديث ؟
مسالك العلماء تجاه موهم التعارض
(١) سورة الأنفال: آية (٣٤).
(٢) سورة الأنفال: آية (٣٣).
(٣) تفسير الطبري (٩/٢٩٨)، وانظر المحرر الوجيز (٦/٢٨٦)، وروح المعاني (٩/٢٠١).
(٤) سورة الأنفال: آية (٣٨).
(٥) سبق تخريجه ص (٢٧).

ويجاب عن هذا القول بأنه لا نسخ في الأخبار وإنما يقع النسخ في الأحكام.
ولعل قول السدي بالنسخ يحمل على البيان والتفسير للمجمل، وهذا راجع إلى مفهوم النسخ الواسع عند السلف.
ثالثاً: مسلك الترجيح:
يحمل ما ورد عن بعض الصحابة في الحديث على الطبقة التي فيها العصاة من أهل الكبائر من أهل التوحيد، حين يخرجون منها إلى الجنة فلا يبقى فيها أحد(١).
قال البغوي في الإجابة عن ما ورد عن بعض الصحابة في ذلك: ومعناه عند أهل السنة إن ثبت: أن لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان، وأما موضع الكفار فممتلئة أبداً(٢).
وقال الشنقيطي أيضاً: لأنه يحصل به الجمع بين الأدلة وإعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما وقد أطبق العلماء على وجوب الجمع إذا أمكن(٣).
رابعاً: مسلك التوقف:
من لم يظهر له القول الراجح من المرجوح، ولا وجه من وجوه الجمع، توقف في الجواب عن المسألة وفوض العلم إلى الله تعالى لئلا يخوض في المسألة بلا علم ولا دليل، والله تعالى أعلم.
تسمية العبد سيده بالرب
الآية:
قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: ﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ (٤).
وقوله تعالى: ﴿ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ﴾ (٥).
وقوله سبحانه: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ﴾ (٦).
وقوله تعالى: ﴿ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ﴾ (٧).
الحديث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - ﷺ - قال: (لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، اسق ربك، وليقل: سيدي مولاي)(٨).
وجه موهم التعارض بين الآيات والحديث:
(١) انظر المحرر الوجيز (٧/٤٠٢).
(٢) معالم التنزيل (٤/٢٠٢).
(٣) دفع إيهام الاضطراب (١٠٨)، وانظر روح المعاني (١٢/١٤٦).
(٤) سورة يوسف: آية (٢٣).
(٥) سورة يوسف: آية (٤١).
(٦) سورة يوسف: آية (٤٢).
(٧) سورة يوسف: آية (٥٠).
(٨) سبق تخريجه ص (٣٨).

٤١- أعلام المكيين من القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر، عبد الله المعلمي، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مكة، الطبعة الأولى، ١٤٢١ه‍.
٤٢- إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن قيم الجوزية، تحقيق: مشهور آل سلمان، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، ١٤٢٣ه‍.
٤٣- الإعلام بوفيات الأعلام، محمد الذهبي، تحقيق: رياض عبد الحميد وآخرون، دار الفكر، بيروت - دمشق، الطبعة الثانية، ١٤١٣ه‍.
٤٤- الأعلام قاموس تراجم، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية عشرة، ١٩٩٧م.
٤٥- الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، تعليق: عبد أ. علي مهنا وآخرون، دار الفكر بيروت.
٤٦- إفادة الخبر بنصه في زيادة العمر ونقصه، عبد الرحمن السيد رضي، تحقيق: عبد الحميد منير، دار الوفاء، جدة، الطبعة الأولى.
٤٧- الإفصاح عن معاني الصحاح، يحيى بن هبيرة، تحقيق: محمد يعقوب، مركز فجر، القاهرة.
٤٨- الإكليل في استنباط التنزيل، عبد الرحمن السيوطي، تحقيق: عامر العرابي، دار الأندلس الخضراء، جدة، الطبعة الأولى، ١٤٢٢ه‍.
٤٩- إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض، تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء، القاهرة، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٩ه‍.
٥٠- الأم، محمد بن إدريس الشافعي، دار المعرفة، بيروت.
٥١- الأمالي الشجرية، هبة الله ابن الشجري العلوي.
٥٢- الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٦ه‍.
٥٣- إنباء الغمر بأنباء العمر في التاريخ، أحمد ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠٦ه‍.
٥٤- الإنجاز في ترجمة الإمام عبد العزيز بن باز، عبد الرحمن الرحمة، دار الهجرة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٩ه‍.
٥٥- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، علي المرداوي، تحقيق: محمد حامد الفقي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، ١٣٧٤ه‍.


الصفحة التالية
Icon