مثاله: قوله تعالى: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠) ﴾ (١).
وحديث قيس بن سعد رضي الله عنه قال: أتيت الحيرة(٢) فرأيتهم يسجدون لمرزبان(٣) لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يُسجد له. قال: فأتيت النبي - ﷺ - فقلت: إني أتيت الحيرةفرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك. قال: (أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له) قال: قلت لا. قال: (فلا تفعلوا لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق)(٤).

(١) سورة يوسف: آية (١٠٠).
(٢) الحِيْرة بكسر الحاء وإسكان الياء، مدينة في العراق تبعد عن الكوفة ثلاثة أميال، تعرف بالنَّجف، انظر معجم البلدان (٢/٣٢٨)، ومعجم ما استعجم (٢/٤٧٨).
(٣) مُرْزُبَان بضم الزاي، لقب فارسي يطلق على الرجل الشجاع المقدم على القوم دون الملك، انظر المعرب للجواليقي (٥٨٨)، والنهاية في غريب الحديث (٤/٣١٨).
(٤) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في حق الزوج على المرأة، رقم (٢١٤٠)، قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (٣/٦٧): في إسناده شريك بن عبد الله القاضي وقد تكلم فيه غير واحد، وأخرج له مسلم في المتابعات. وانظر المحلى (١١/٧٦٠).
وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢/٢٠٤) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وروي نحو هذا الحديث عن عائشة وأبي هريرة، وعبد الله بن أبي أوفى وغيرهم رضي الله عنهم، انظر مسند الإمام أحمد
٤/٣٨١)، (٦/٧٦) وسنن الترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق الزوج على المرأة، رقم (١١٥٩)، وسنن ابن ماجه، كتاب النكاح، باب حق الزوج على المرأة، رقم (١٨٥٢، ١٨٥٣)، وسنن البيهقي الكبرى
(٧/٢٩١ - ٢٩٢).

لم أجد -حسب اطلاعي-من تناول هذه المسألة من أهل العلم سوى الشيخ ملا علي قارئ، وسلك مسلك الجمع بين الآية والحديث فقال في شرح الحديث: (فحسن إسلامه): أي بالإخلاص فيه بأن لا يكون منافقًا، وليس معناه استقام على الإسلام وأدى حقه، وأخلص في عمله لإيهامه أن مجرد الإسلام الصحيح لا يكفر، فإنه ينافيه قوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ (١).
فَيُفهم من كلام الشيخ أن المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: (فحسن إسلامه): أي صدق في إسلامه وأصبح ظاهره كباطنه، ولا يراد بذلك أنه أكمل جميع حقوق الإسلام وأداها على أحسن وجه مطلوب.
قال ابن حجر في معنى الحديث : أي صار إسلامه حسنًا باعتقاده وإخلاصه ودخوله فيه بالباطن والظاهر، وأن يستحضر عند عمله قرب ربه منه واطلاعه عليه كما دلّ عليه تفسير الإحسان في حديث سؤال جبريل (٢).
إن المتأمل في الآية والحديث يتبين أن كليهما مكمل للآخر فالآية جاءت بهذه البشارة بعد التوبة والدخول في الإسلام، والحديث جاء لبيان شرط صحة التوبة والإسلام وهو صدق النية في الدخول للإسلام واستواء ظاهر العبد وباطنه.
عند ذلك لا يكون هناك إيهام التعارض بين الآية والحديث بل إن كلاً منهما مكمل لمعنى الآخر، والله تعالى أعلم.
عدم قسمة غنيمة مكة
الآية:
قوله تعالى: ﴿ (#ûqكJn=÷و$#ur أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ "د%د!ur الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا $uZّ٩u"Rr& عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (٣).
الحديث:
(١) مرقاة المفاتيح (٥/٢٠٩).
(٢) فتح الباري (١/١٣٣).
(٣) سورة الأنفال: آية (٤١).

ظاهر الآيات يدل على جواز وصف المرء سيده ومولاه بالرب، وفي المقابل جاء الحديث بالنهي عن ذلك، فكيف يمكن الإجابة عن موهم التعارض بين ما جاء في الآيات وما جاء في الحديث ؟
مسالك العلماء تجاه موهم التعارض
سلك العلماء تجاه موهم التعارض بين الآيات والحديث مسلكين:
أولاً: مسلك الجمع وفيه قولان:
القول الأول:
إن ما جاء في الآيات يدل على الجواز وما جاء من النهي في الحديث ليس للتحريم وإنما للتنزيه، وبذلك ينتفي إيهام التعارض بين الآيات والحديث.
وهذا القول هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، بل نقل ابن حجر اتفاق العلماء على أن النهي للتنزيه، حتى أهل الظاهر(١)، ولم يستثن من هذا الاتفاق إلا ابن بطال في لفظة (رب)(٢).
قال القاضي عياض: ولم يُنْه نهي وجوب وحتم، بل نهي أدب وحظر(٣).
وقال القرطبي في المفهم: هذا كله من باب الإرشاد إلى إطلاق اسم الأولى، لا أن إطلاق ذلك الاسم محرم، فكان محل النهي في هذا الباب ألا تتخذ هذه الأسماء عادة فيترك الأولى والأحسن(٤).
وقال النووي: يكره أن يقول المملوك لمالكه يا رب(٥).
وهذا القول هو ظاهر تبويب البخاري لحديث المسألة(٦).
القول الثاني:
(١) أصحاب المذهب الفقهي الظاهري وينسب للإمام داود بن علي الظاهري توفي سنة سبعين ومائتين بعد الهجرة، انظر تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (٢٢٧)، وتاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينيين (١٦٦-١٦٩).
(٢) انظر فتح الباري (٥/٢٢٠)، وشرح صحيح البخاري لابن بطال (٧/٦٨).
(٣) إكمال المعلم (٧/١٨٨).
(٤) المفهم (٢/٥٥٢)، وانظر الجامع لأحكام القرآن (٩/٢٠٠ - ٢٠١).
(٥) الأذكار (٥١٩).
(٦) انظر صحيح البخاري، كتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق وقوله عبدي أو أمتي.

٥٦- أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة من غرائب آي التنزيل، محمد بن أبي بكر الرازي، تحقيق: محمد بن رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤١٦ه‍.
٥٧- أنوار التنزيل وأسرار التأويل، عبد الله البيضاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٨ه‍.
٥٨- الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة، عبد الرحمن المعلمي، عالم الكتب، بيروت، ١٤٠٢ه‍.
٥٩- أنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن الكريم، مساعد الطيار، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، ١٤٢٢ه‍.
٦٠- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، إسماعيل باشا، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١٣ه‍.
٦١- الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، مكي بن أبي طالب، تحقيق: أحمد حسن فرحات، دار المنارة، جدة، الطبعة الأولى، ١٤٠٦ه‍.
٦٢- البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن نجيم، الناشر: غيج - ايم - سعيد كمبني، باكستان.
٦٣- البحر المحيط، محمد ابن حيان الأندلسي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، ١٤١١ه‍.
٦٤- البحر المحيط، محمد الزركشي، تحقيق: لجنة من علماء الأزهر، دار الكتبي، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤١٤ه‍.
٦٥- بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية، جمع: يسري السيد محمد، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، ١٤١٤ه‍.
٦٦- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠٢ه‍.
٦٧- بدائع الفوائد، محمد ابن قيم الجوزية، تحقيق: معروف مصطفى زريق وآخرون، دار الخاني، الرياض، دار الخير، دمشق، الطبعة الأولى، ١٤١٤ه‍.
٦٨- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن رشد القرطبي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة السابعة، ١٤٠٥ه‍.
٦٩- البداية والنهاية، إسماعيل بن كثير الدمشقي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، ١٩٧٤م.


الصفحة التالية
Icon