في الحديث الدلالة على الخلود الأبدي لأهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار بينما قوله تعالى في الآية: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ يدل على خلاف ذلك، فقد علق الخلود بدوام السماوات والأرض ومعلوم أن السماوات والأرض يوم القيامة ستزول.
ولكن الحقيقة أن الجملة هذه مثال من أمثلة العرب يقال للدلالة على خلود الشيء ودوامه ولا يراد به ظاهره لأن السماوات والأرض في الدنيا لا بد من فنائهما، فمن لا يعلم كلام العرب وأمثلتهم ينشأ عنده موهم التعارض(١).
٢١- اختلاف الخطاب:
عندما يتوهم الناظر أن الخطاب في الأدلة واحد مع اختلافه يكون هذا سبباً لنشوء موهم التعارض.
مثاله: قوله تعالى: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ حچ½zFy$# وَلَا tbqمBحhچutن† مَا tPچxm اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ٤س®Lxm يُعْطُوا sptƒ÷"إfّ٩$# عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ (٢).
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول - ﷺ - قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله) (٣).
فالآية فيها أمر المسلمين بقتال الكفار إن لم يؤدوا الجزية، بينما في الحديث لم يأمر الكفار بدفع الجزية واقتصر على القتال أو إعلان الإسلام.

(١) انظر ص (٣٣٨).
(٢) سورة التوبة: آية (٢٩).
(٣) سبق تخريجه ص (٢٩).

وبهذه الخصوصية يندفع موهم التعارض بين الآية والحديث، وإلى هذا القول ذهب جمهور العلماء(١) ورجحه ابن تيمية(٢)، وابن القيم(٣)، وابن حجر(٤)، والشوكاني(٥)، والشنقيطي(٦).
واستدل أصحاب هذا القول على أن مكة فتحت عنوة بما يلي:
١ - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله - ﷺ - :(إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليهم رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ألا وإنها أحلت لي ساعة من نهار)(٧).
وجه دلالة الحديث:
وهذا الحديث صريح في وقوع القتال بالإذن الذي كان خاصاً بالنبي عليه الصلاة والسلام في ساعة من نهار مما يدل على أنها فتحت عنوة.
وفي لفظ عند مسلم قال: (فإن أحد ترخص بقتال رسول الله - ﷺ - فقولوا له: إن الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس)(٨).
٢ - حديث أم هانئ بنت أبي طالب أنها قالت يوم الفتح لرسول الله - ﷺ - : زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلاً قد أجرته، فلان بن هبيرة، فقال رسول الله - ﷺ - :(قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)(٩).
وجه دلالة الحديث:
(١) انظر الأموال لأبي عبيدة (٦٩-٧٣) شرح معاني الآثار (٣/٣١١، ٣٣٢)، أحكام القرآن لابن العربي (٣/٢٧٧)، التجريد لنفع العبيد (٤/٢٦٣)، الأحكام السلطانية للماوردي (٢٥٥).
(٢) انظر رسالتان في معنى القياس (٨١).
(٣) انظر زاد المعاد (٣/٣٧٧).
(٤) انظر فتح الباري (٨/١٧).
(٥) انظر نيل الأوطار (٨/٢٨).
(٦) انظر أضواء البيان (٢/٣٣٣).
(٧) صحيح البخاري، كتاب الديات، باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، رقم (٦٨٨٠).
(٨) صحيح مسلم، كتاب الحج، رقم (١٣٥٤).
(٩) صحيح البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب أمان النساء وجوارهن، رقم (٣١٧١)، صحيح مسلم، كتاب الحيض، رقم (٣٣٦).

أو أنه يحمل قول يوسف عليه السلام على أنه خاطبه على المتعارف عندهم وعلى ما كانوا يسمونهم به، ومثله قول موسى عليه السلام للسامري: ﴿ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ ﴾ (١) أي الذي اتخذته إلها(٢).
وهذا الجواب يدخل ضمناً في الجواب الأول أي على أنه في شرع من قبلنا، والله أعلم.
الدراسة والترجيح
الذي يظهر مما تقدم أن الراجح هو ما ذهب إليه أصحاب مسلك الترجيح من القول بالتحريم في إطلاق لفظ (الرب) سواء كان بإضافة أو بدون إضافة، إلا ما كان على سبيل الوصف أو الإضافة إلى ما لا يعقل كقولك: رب الدابة، ورب الدار، وما جاء عن يوسف عليه السلام يحمل على أنه في شرع من قبلنا.
ولكن اعترض على هذا القول بحديث النبي - ﷺ - في أشراط الساعة: (أن تلد الأمة ربها) وفي رواية (ربتها)(٣).
وأجيب على هذا الاعتراض بأن الحديث ليس فيه إلا وصفها بذلك لا دعاؤها وتسميتها به، وفرق بين الدعاء والتسمية والوصف، كما نقول: زيد فاضل وتصفه بذلك ولا تسميه به ولا تدعوه به(٤).
وكذلك اعترض بحديث ضالة الإبل قال فيه النبي - ﷺ - :(ما لك ولها ؟ معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)(٥).
(١) سورة طه: آية (٩٧).
(٢) انظر النهاية لابن الأثير (٢/١٧٩)، وشرح مشكل الآثار (٤/٢٣٣).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل عليه السلام النبي - ﷺ - عن الإسلام والإيمان والإحسان وعلم الساعة، رقم (٥٠)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، رقم (١٠)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) انظر تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد (٦٥٤).
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المساقاة، باب شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار، رقم (٢٣٧٢)، ومسلم في صحيحه، كتاب اللقطة، رقم (١٧٢٢) من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه.

٨٤- تاريخ أصبهان، أحمد بن عبد الله الأصبهاني، تحقيق: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٠ه‍.
٨٥- تاريخ الأمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، دار سويدان، بيروت، الطبعة الثانية، ١٣٨٧ه‍.
٨٦- تاريخ التشريع الإسلامي، محمد الخضري، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الثامنة، ١٣٨٧ه‍.
٨٧- تاريخ الفقه الإسلامي، بدران أبو العينين، دار النهضة العربية، بيروت.
٨٨- التاريخ الكبير، إسماعيل البخاري، دار الباز، مكة.
٨٩- تاريخ مدينة دمشق، علي بن عساكر الشافعي، تحقيق: عمر العمروي، دار الفكر، بيروت، ١٤١٥ه‍.
٩٠- التبيان في أقسام القرآن، محمد ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد زهري النجار، المؤسسة السعيدية، الرياض.
٩١- التبيان في البيان، الحسين الطيبي، تحقيق: توفيق الفيل وآخرون، جامعة الكويت، الكويت، الطبعة الأولى، ١٩٨٦ه‍.
٩٢- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، عثمان الزيلعي، مكتبة إمدادية ملتان، باكستان.
٩٣- تجريد أسماء الصحابة، محمد الذهبي، دار المعرفة، بيروت.
٩٤- التجريد لنفع العبيد (حاشية البجيري على المنهج)، سليمان البجيري، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، الطبعة الأخيرة، ١٣٦٩ه‍.
٩٥- التحبير في علم التفسير، عبد الرحمن السيوطي، تحقيق: فتحي عبد القادر فريد، دار العلوم، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٠٢ه‍.
٩٦- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، بدون اسم ناشر.
٩٧- تحفة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، محمد عبد الرحمن المباركفوري، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، الطبعة الثانية، ١٣٨٣ه‍.
٩٨- تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، أحمد القرافي وآخرون، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٠٨ه‍.
٩٩- تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري، عبد الله الزيلعي، عناية: سلطان الطبيشي، دار ابن خزيمة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٤ه‍.


الصفحة التالية
Icon