ففي الآية الدلالة على أن شعيب عليه السلام كان على ملة قومه قبل البعثة، بينما ظاهر الحديث يخالف ذلك، ولكن إذا علم أن الفعل (عاد) له أكثر من معنى وجهل الناظر هذا الأمر نشأ موهم التعارض بين الآية والحديث(١).
مثال الحرف: قوله تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي tAح"Ré& مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ ڑcqكsد=ّےكJّ٩$# ﴾ (٢).
وحديث أنس رضي الله عنه قال: بينا رسول الله - ﷺ - ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: (أنزلت عليّ آنفًا(٣) سورة)، فقرأ: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ ةOٹدm

چ٩$#، إِنَّا y٧"sYّ‹sـôمr& uچrOِqs٣ّ٩$# (١) فَصَلِّ y٧خn/uچد٩ ِچutùU$#ur (٢) إِن y٧y¥دR$x© هُوَ مژyIِ/F{$# ﴾ (٤)- الحديث)(٥).

فظاهر الآية أن القرآن أنزل مع الرسول - ﷺ - في زمن واحد، بينما الحديث يدل على نزوله إلى الرسول ﷺ وليس معه، فالذي يجهل معاني الحروف وأن من معاني (مع) :(إلى) و(على) ينشأ عنده موهم التعارض(٦).
٢٥- الجهل بمعاد الضمير:
إذا لم يعلم الباحث الصحيح فيما يعود إليه الضمير، ثم جعله يعود على غير المراد كان سبباً في نشوء موهم التعارض.
مثاله: قوله تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي tAح"Ré& مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ ڑcqكsد=ّےكJّ٩$# ﴾ (٧).

(١) انظر ص (١٢١).
(٢) سورة الأعراف: الآية (١٥٧).
(٣) أي: مستأنفاً والاستئناف في اللغة معناه الابتداء، انظر الغريبين في القرآن والحديث (١/١١٤)، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني (٩٥).
(٤) سورة الكوثر: آية (١_٣).
(٥) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الصلاة، رقم (٤٠٠).
(٦) انظر ص (١٤٠).
(٧) سورة الأعراف: الآية (١٥٧).

٣ - عن أسامة بن زيد بن حارثة أنه قال: يا رسول الله أننزل في دارك بمكة؟ فقال: (وهل ترك لنا عقيل من رباع(١) أو دور؟)(٢).
وجه دلالة الحديثين:
ففي الحديثين دلالة واضحة على أن مكة فتحت صلحاً، وإلا لما أبقى رسول الله - ﷺ - أموال قريش ودورهم في أيديهم ولم يقسمها على المسلمين(٣).
الدراسة والترجيح
قبل اختيار الراجح من أقوال العلماء في دفع موهم التعارض، ينبغي تحديد القول الراجح في فتح مكة هل كان عنوة أو صلحاً؟ وعلى ضوءه يظهر القول المختار في دفع موهم التعارض بين الآية والحديث.
فالذي يظهر مما تقدم قوة أدلة القول الأول وصراحتها وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء في أن مكة فتحت عنوة، وأن من أقوى ما تمسك به أصحاب القول الثاني هو الأمان الذي نظروا إليه أنه صلح، وفي الحقيقة أنه ليس صلحا.
فلم ينقل أحد - على حسب علمي واطلاعي - أن النبي - ﷺ - صالح أهلها زمن الفتح ولا جاءه أحد منهم فصالحه، وإنما جاءه أبو سفيان فأعطاه الأمان له، ولمن أغلق بابه، أو دخل المسجد أو ألقى السلاح، ولو كانت فتحت صلحاً لم يقل عليه الصلاة والسلام: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن)(٤) فإن الصلح يقتضي الأمن العام.
(١) الرِباع بكسر الراء: جمع رِبع وهو المنزل، انظر مشارق الأنوار(١/٣٤٩)، و النهاية في غريب الحديث
(٢/١٨٩).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب أين ركز النبي - ﷺ - الفتح، رقم (٤٢٨٢)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، رقم (١٣٥١).
(٣) انظر شرح صحيح مسلم للنووي (٩/٤٨٠).
(٤) سبق تخريجه ص (٢٢٥).

واختار هذا القول ابن عطية(١)، والرازي(٢)، والقرطبي(٣)، والخازن(٤)، والألوسي(٥)، وابن عاشور(٦)، وبه فسر الآية الزمخشري(٧)وأبو حيان(٨) وأبو السعود(٩).
قال الرازي: فهذه أسئلة سبعة لابد من جوابها، فنقول: الأصل في جواب هذه المسائل أن التصرف في أمور الخلق كان واجباً عليه، فجاز له أن يتوصل إليه بأي طريق كان، إنما قلنا: إن ذلك التصرف كان واجباً عليه لوجوه: الأول: أنه كان رسولاً حقاً من الله تعالى إلى الخلق، والرسول يجب عليه رعاية مصالح الأمة بقدر الإمكان، والثاني: وهو أنه عليه السلام علم بالوحي أنه سيحصل القحط والضيق الشديد الذي ربما أفضى إلى هلاك الخلق العظيم، فلعله تعالى أمره بأن يدبر في ذلك ويأتي بطريق لأجله يقل ضرر ذلك القحط في حق الخلق، والثالث: أن السعي في إيصال النفع إلى المستحقين ودفع الضرر عنهم أمر مستحسن في العقول. وإذا ثبت هذا فنقول إنه عليه السلام كان مكلفاً برعاية مصالح الخلق من هذه الوجوه، وما كان يمكنه رعايتها إلا بهذا الطريق، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، فكان هذا الطريق واجباً عليه ولما كان واجباً سقطت الأسئلة بالكلية(١٠).
ثم إنه لَمّا سألها لم يسألها بالمال والجاه وإنما قال: ﴿ 'دoTخ) îلٹدےxm زOٹد=tو ﴾ فوصف نفسه بالصفات التي ينبغي لمن عمل في هذا المنصب أن تتصف فيه، وليس من باب تزكية النفس ولكن من باب تعريف نفسه عند من لا يعرفه لحاجة الأمة ونصرة الدين(١١).
(١) انظر المحرر الوجيز (٨/٦).
(٢) انظر مفاتيح الغيب (١٨/١٢٨-١٢٩).
(٣) انظر الجامع لأحكام القرآن (٩/٢٢١-٢٢٢).
(٤) انظر تفسير الخازن (٢/٥٣٦).
(٥) انظر روح المعاني (١٣/٥).
(٦) انظر التحرير والتنوير (١٣/١٠).
(٧) انظر الكشاف (٢/٢٦٣).
(٨) انظر البحر المحيط (٥/٣١٩-٣٢٠).
(٩) انظر تفسير أبي السعود (٣/٢٨٦).
(١٠) مفاتيح الغيب (١٨/١٢٨-١٢٩).
(١١) انظر الجامع لأحكام القرآن (٩/٢٢٢).

١٢٧- التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية، عبد العزيز الرشيد، دار الرشيد، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤١٦ه‍.
١٢٨- تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، محمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق: عامر حسن صبري، المكتبة الحديثة، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، ١٤٠٩ه‍.
١٢٩- التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، عبد الرحمن المعلمي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤٠٦ه‍.
١٣٠- تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، عبد الرحمن السيوطي، المكتبة الثقافية، بيروت.
١٣١- تهذيب التهذيب، أحمد بن حجر العسقلاني، دار صادر بيروت، الطبعة الأولى، ١٣٢٥ه‍.
١٣٢- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف المزي، تحقيق: بشار عواد، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة السادسة، ١٤١٥ه‍.
١٣٣- تهذيب اللغة، محمد الأزهري، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، المؤسسة المصرية، مصر.
١٣٤- التوحيد وإثبات صفات الرب عزَّ وجلَّ، محمد بن خزيمة، تحقيق: عبد العزيز الشهوان، مكتبة الرشد، شركة الرياض، الرياض، الطبعة السادسة، ١٤١٨ه‍.
١٣٥- التوشيح شرح الجامع الصحيح، عبد الرحمن السيوطي، تحقيق: رضوان جامع رضوان، مكتبة الرشد، الرياض، وشركة الرياض، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٩ه‍.
١٣٦- تيسير التحرير، محمد أمين (أمير باد شاه الحسيني)، دار الكتب العلمية، بيروت.
١٣٧- تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الخامسة، ١٤٠٢ه‍.
١٣٨- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن مهدي، عناية: سعد الصميل، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، ١٤٢٢ه‍.
١٣٩- التيسير في قواعد علم التفسير، محمد الكافيجي، تحقيق: ناصر المطرودي، دار القلم، دمشق، دار الرفاعي، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٠ه‍.


الصفحة التالية
Icon