(١)، وبعض الأحناف(٢) (٣)، والمالكية(٤) (٥) على الترتيب الآتي :
١- الجمع.
٢- النسخ.
٣- الترجيح.
٤- التوقف.
وفيما يلي بيان تلك المسالك مع التمثيل من القسم التطبيقي على كل مسلك:
أولاً: مسلك الجمع:
متى ما ظهر إيهام تعارض بين دليل من القرآن ودليل من السنة فإنه يؤخذ بمسلك الجمع بينهما أولاً، فيحمل كل منهما على وجه يختلف عن الوجه الذي حمل عليه الدليل الآخر، لأن إعمال الدليلين كليهما أولى من إعمال أحدهما وطرح الآخر.
قال ابن حزم(٦) عن مسلك الجمع: وإذا تعارض الحديثان، أو الآيتان، أو آية وحديث - فيما يظن من لا يعلم - ففرض على كل مسلم استعمال كل ذلك، لأنه ليس بعض ذلك أولى من بعض ولا حديث بأوجب من حديث آخر، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى، وكل من عند الله عز وجل، وكل سواء في باب وجوب الطاعة(٧).

(١) انظر روضة الناظر (٣/١٠٢٩)، شرح الكوكب المنير (٤/٦٠٩ - ٦١٠).
(٢) أصحاب المذهب الفقهي الحنفي وينسب للإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي، توفي سنة خمسين ومائة بعد الهجرة، انظر تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (١٩٤)، وتاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينيين (١١٨-١٢٩).
(٣) انظر كشف الأسرار للبخاري (٣/١٦٢).
(٤) أصحاب المذهب الفقهي المالكي وينسب للإمام مالك بن أنس، توفي سنة تسع وسبعين ومائة بعد الهجرة، انظر تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (٢٠٣)، وتاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينيين (١٢٩-١٣٧).
(٥) انظر الموافقات للشاطبي (٣/٣٤٦)، (٥/٣٤٠ - ٣٤٤).
(٦) علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب الأندلسي القرطبي، أبو محمد، صاحب التصانيف، توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة بعد الهجرة، انظر سير أعلام النبلاء (١٨/١٨٤)، وفيات الأعيان (٣/٣٢٥).
(٧) الإحكام في أصول الأحكام (٢/١٥٨).

١- صحة الحديث وثبوته بالسند الصحيح كما نص على ذلك العلماء، مما يمنع رده أو عدم قبوله أو تعليله ببعض العلل(١).
٢- دلالة الآية على تخصيص العتاب بمن أراد عرض الدنيا في قوله تعالى: ﴿ ڑcrك‰ƒحچè؟ uعuچtم الدُّنْيَا ﴾ (٢) مما يدل على خروج من أراد من أخذ الفداء تقوية المسلمين على الكفار.
مناقشة الأقوال
أولاً: مسلك الجمع:
القول الثاني: قول الطيبي في أن التخيير للاختبار والامتحان، وأن العتاب للجميع لأنهم آثروا العاجلة على الآجلة.
الجواب: إن هذا القول لا يسلم به لأن هدف الصحابة الأساسي في ذلك هو تقوية المسلمين على الكفار كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما من قول أبي بكر رضي الله عنه : أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار(٣).
فكيف يكون هذا العتاب مع هذا الهدف النبيل في نصرة الدين؟
ثم كيف يكون عتاب على امتحان لم يسبقه تعليم أو إرشاد؟ فالصحيح أنه لم يكن ذلك إلا لمّا كان هدف البعض إيثار العاجلة على الآجلة كما دل عليه قوله تعالى:
﴿ ڑcrك‰ƒحچè؟ uعuچtم الدُّنْيَا ﴾ (٤).
القول الثالث:
وهو ما نقله ملا علي قارئ في الجمع بين الآية والحديث، لكن هذا الجمع احتمال ليس عليه دليل يثبت تقدم الآية على الحديث فيترجح القول الأول الذي عليه الدليل.
ثانيًا : مسلك الترجيح:
وهو قول التوربشتي واختيار وملا علي قارئ في القول بظاهر الآية وعدم قبول الحديث وتعليله بالاضطراب في نقله.
فالجواب على ذلك كما تقدم في إثبات صحة الحديث(٥) وإمكانية الجمع بينه وبين الآية، ولا شك أن الجمع مقدّم على الترجيح لِمَا فيه من إعمال كِلا الدليلين وقبولهما جميعاً دون أحدهما، والله تعالى أعلم.
الخلاف في إثبات أخذ المسلمين من الغنيمة يوم بدر
الآية:
(١) انظر ص (٢٣١)، وانظر شرح الطيببي (٩/٢٧٤٨-٢٧٤٩).
(٢) سورة الأنفال: آية (٦٧).
(٣) سبق تخريجه ص (٢٣٣).
(٤) سورة الأنفال: آية (٦٧).
(٥) انظر ص (٢٣١، ٢٣٤).

إن السجود ليس على حقيقته ولكن كان إيماء بالرأس فقط، وعلى هذا لا يتعارض مع النهي في الحديث الذي يراد به السجود على هيئة وضع الجبهة على الأرض.
عن ابن جريج قال: بلغنا أن أبويه وإخوته سجدوا ليوسف عليه السلام إيماء برؤوسهم، كهيئة الأعاجم، وكانت تلك تحيتهم(١).
رجح هذا القول البغوي(٢)، والخازن(٣)، والألوسي(٤).
قال البغوي: وكانت تحية الناس يومئذ السجود، ولم يُرَدْ بالسجود وضع الجباه على الأرض، وإنما هو الانحناء والتواضع(٥).
الجواب الثالث:
يراد بالسجود معناه وليس صورته أي أن هذا السجود الذي حصل منه ليس بوضع الجباه على الأرض إنما التواضع ليوسف عليه السلام(٦).
الجواب الرابع:
قالوا: الضمير وإن عاد على يوسف عليه السلام، فالسجود كان لله تعالى وجعلوا يوسف قبلة كما تقول صليت للكعبة وصليت إلى الكعبة(٧).
الدراسة والترجيح
الذي يظهر والله - تعالى - أعلم أن الراجح في المسألة هو عود الضمير في (له) إلى يوسف عليه السلام، وأنهم سجدوا له بالسجود المعروف وهو وضع الجبهة على الأرض وهو جائز في شرع من قبلنا، ويؤيد هذا ما يلي:
١- أن الأولى في عود الضمير إلى أقرب مذكور وهو يوسف عليه السلام.
(١) عزاه السيوطي إلى ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ ولم أجده في تفسير الطبري، انظر الدر المنثور (٤/٧١).
(٢) انظر معالم التنزيل (٤/٢٨٠).
(٣) انظر تفسير الخازن (٢/٥٥٦).
(٤) انظر روح المعاني (١٣/٥٩).
(٥) معالم التنزيل (٤/٢٨٠).
(٦) انظر مفاتيح الغيب (١٨/١٦٩)، والبحر المحيط (٥/٣٤٨)، وروح المعاني (١٣/٥٨).
(٧) انظر مفاتيح الغيب (١٨/١٦٩)، وتفسير الخازن (٢/٥٥٦)، والبحر المحيط (٥/٣٤٨).

٢٦٠- العقائد والأديان، عبد القادر صالح، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٤ه‍.
٢٦١- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق: إرشاد الحق الآثري، المكتبة الإمدادية، مكة.
٢٦٢- العلل، علي بن المديني، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٩٨٠ه‍.
٢٦٣- علماء آل سليم وتلامذتهم، صالح العمري، الطبعة الأولى، ١٤٠٥ه‍.
٢٦٤- علماء العرب في شبه القارة الهندية، يونس السامرائي، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، العراق.
٢٦٥- علماء نجد خلال ثمانية قرون، عبد الله البسام، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤١٩ه‍.
٢٦٦- علماء ومفكرون عرفتهم، محمد المجذوب، دار الشواف، الرياض، الطبعة الرابعة.
٢٦٧- العلو للعلي العظيم، محمد الذهبي، تحقيق: عبد الله البراك، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٢٠ه‍.
٢٦٨- عمدة القارئ شرح صحيح البخاري، محمود العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
٢٦٩- عمل اليوم والليلة، أحمد النسائي، تحقيق: فاروق حمادة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠٦ه‍.
٢٧٠- عناية القاضي وكفاية الراضي، أحمد الخفاجي، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٧ه‍.
٢٧١- العهد والميثاق في القرآن الكريم، ناصر العمر، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٣ه‍.
٢٧٢- عون المعبود شرح سنن أبي داود، محمد أشرف بن أمير العظيم آبادي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٣٩٩ه‍.
٢٧٣- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ابن سيد الناس، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية، ١٩٧٤م.
٢٧٤- غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٠ه‍.


الصفحة التالية
Icon