قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ ِNخkژدù ﴾ (١).
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: بينا النبي - ﷺ - ساجد وحوله ناس من قريش، جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور، فقذفه على ظهر النبي - ﷺ -، فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة عليها السلام فأخذته من ظهره، ودعت على من صنع، فقال النبي - ﷺ - :(اللهم عليك الملأ من قريش: أبا جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف أو أبي بن خلف)- شعبة الشاك - فرأيتهم قتلوا يوم بدر، فأُلقوا في بئر غير أمية أو أبي تقطعت أوصاله، فلم يُلقَ في البئر(٢).
وجه موهم التعارض بين الآية والحديث:
هذه الآية في سورة الأنفال في سياق الحديث عن المشركين يوم بدر وتنص على انتفاء وقوع العذاب عليهم والنبي - ﷺ - فيهم، بينما ظاهر الحديث وما تدل عليه السيرة أن الله عز وجل عذبهم يوم بدر بالقتل والهزيمة على أيدي المؤمنين، فكيف يمكن الجمع بين الآية والحديث؟
أجاب العلماء عن موهم التعارض بين الآية والحديث فقالوا: إن هذه الآية منسوخة بالآية التي بعدها وهي قوله تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ د‰إfَ،yJّ٩$# دQ#uچysّ٩$#... ﴾ (٣) الآية، فهذه الآية أثبتت استحقاقهم للعذاب بسبب صدّهم الناس عن المسجد الحرام، وبذلك لا يكون هناك تعارض بين وقوع العذاب لهم يوم بدر كما في الحديث، وبين نفيه كما في الآية الأولى المنسوخة.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب ما لقي النبي - ﷺ - وأصحابه من المشركين بمكة، رقم
(٣٨٥٤)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، رقم (١٧٩٤).
(٣) سورة الأنفال: آية (٣٤).
أجاب العلماء - رحمهم الله تعالى - عن هذه المسألة من خلال بيانهم المراد بالمعاهدين الذين تبرأ الله منهم ورسوله، وأمهلهم أربعة أشهر قبل قتالهم، فقالوا: هم الذين كان عهدهم مع المسلمين بلا مدة محددة أو بمدة محددة ولكنها أقل من أربعة أشهر فهؤلاء أمهلوا أربعة أشهر، وأما من كان مدة عهدهم محددة وهي أكثر من أربعة أشهر فهؤلاء مدتهم إلى نهاية العهد الذي بينهم وبين المسلمين بشرط أن لا يكونوا قد نقضوا العهد، ولم يظاهروا أحدًا على المسلمين، واستدلوا بحديث المسألة، وبقوله تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ $Z"ّ‹x© وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا (#ûq'Jد؟r'sù إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى ِNخkجE£‰مB ﴾ (١).
وهذا القول روي عن علي(٢) وأبي هريرة(٣)، وابن عباس(٤)، والكلبي(٥) (٦)، ومحمد بن كعب القرظي(٧)، والسدي(٨)، وهو اختيار ابن جرير(٩)، وابن كثير(١٠).
(٢) انظر تفسير الطبري (١٠/٨٢-٨٤)، وانظر ص (٢٣٨).
(٣) انظر تفسير الطبري (١٠/٨١-٨٢).
(٤) انظر تفسير الطبري (١٠/٨٣)، وتفسير ابن أبي حاتم (٦/١٧٥٠).
(٥) محمد بن السائب بن بشر الكلبي الشيعي الكوفي، المفسر توفي سنة ست وأربعين ومائة بعد الهجرة، انظر سير أعلام النبلاء (٦/٢٤٨)، شذرات الذهب (٢/٢١١).
(٦) انظر تفسير الطبري (١٠/٨٠)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٨/٦٥)، وتفسير ابن كثير (٤/١٠٢).
(٧) انظر تفسير ابن كثير (٤/١٠٢).
(٨) انظر تفسير الطبري (١٠/٨٤).
(٩) انظر تفسير الطبري (١٠/٨٠-٨١، ٨٤).
(١٠) انظر تفسير ابن كثير (٤/١٠٢).
روي هذا القول عن الضحاك بن مزاحم(١) واختار هذا القول ابن التين(٢) وابن حزم(٣)، والمهدوي(٤) ورجحه ابن عطية(٥) وأبو حيان(٦) والألوسي(٧) والقاسمي(٨)، وجوزه الرازي(٩) وابن كثير(١٠) وبه فسر الزمخشري(١١) الآية، وقال القرطبي: وهذا هو قول الجمهور(١٢)، والمختار في تأويل الآية عند أهل التأويل والله أعلم(١٣).
قال أبو حيان: والذي يظهر أنه ليس في الآية تمني الموت وإنما عدد نعمه عليه ثم دعا أن يتم عليه النعم في باقي أمره، أي توفني إذا حان أجلي على الإسلام واجعل لحاقي بالصالحين، وإنما تمنى الوفاة على الإسلام لا الموت(١٤).
القول الثاني:
إن هذا الطلب والتمني من يوسف عليه السلام هو جائز في شرع من قبلنا، وعلى هذا لا يكون هناك تعارض بين الآية والحديث.
جوز هذا القول الزمخشري(١٥) وانتصر له الرازي بعدة وجوه من باب الكرامات والزهد وغيرها(١٦)، وجوزه أيضاً ابن كثير على أن يكون في شرع من قبلنا(١٧)، واستبعد القرطبي جواز تمني الموت إلا أن يكون في شرع من قبلنا(١٨).
(٢) انظر فتح الباري (١٠/١٦١).
(٣) انظر المحلى (٥/٢٤٦).
(٤) انظر المحرر الوجيز (٨/٨٦).
(٥) انظر المحرر الوجيز (٨/٨٦).
(٦) انظر البحر المحيط (٥/٣٤٩).
(٧) انظر روح المعاني (١٣/٦٣).
(٨) انظر تفسير القاسمي (٤/٣٩٩).
(٩) انظر مفاتيح الغيب للرازي (١٨/١٧٤).
(١٠) انظر تفسير ابن كثير (٤/٤١٤).
(١١) انظر الكشاف (٢/٢٧٦).
(١٢) الجامع لأحكام القرآن (٩/٢٧٥).
(١٣) التذكرة في أحوال الموتى في أمور الآخرة (١/٢٢).
(١٤) البحر المحيط (٥/٣٤٩).
(١٥) انظر الكشاف (٢/٢٧٦).
(١٦) انظر مفاتيح الغيب (١٨/١٧٥).
(١٧) انظر تفسير ابن كثير (٤/٤١٤).
(١٨) انظر الجامع لأحكام القرآن (٩/٢٧٥)، والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (١/٢١-٢٢).
٣١٧- كشاف القناع على متن الإقناع، منصور البهوتي، المملكة العربية السعودية، ١٣٩٤ه.
٣١٨- كشف الأستار عن أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١١ه.
٣١٩- كشف الخفاء ومزيل الإلباس، إسماعيل العجلوني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٣٥١ه.
٣٢٠- كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون، مصطفى القسطنطيني (حاجي خليفة)، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١٣ه.
٣٢١- كشف المشكل من حديث الصحيحين، عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق: علي البواب، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨ه.
٣٢٢- الكواكب السائدة بأعيان المائة العاشرة، محمد الغربي، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٨ه.
٣٢٣- لباب التأويل في معاني التنزيل، علي بن محمد الخازن، ضبط وتصحيح: عبد السلام محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٥ه.
٣٢٤- لباب النقول في أسباب النزول، عبد الرحمن السيوطي، عناية: عبد المجيد طعمة حلبي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٨ه.
٣٢٥- اللباب في علوم الكتاب، عمر بن عادل الحنبلي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، مكتبة عباس الباز مكة، الطبعة الأولى، ١٤١٩ه.
٣٢٦- لسان العرب، ابن منظور، عناية: أمين محمد عبد الوهاب وآخرون، دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٦ه.
٣٢٧- لسان الميزان، أحمد ابن حجر العسقلاني، مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٣٩٠ه.
٣٢٨- اللمع في أصول الفقه، إبراهيم بن علي الشيرازي، تحقيق: محي الدين ديب مستو وآخرون، دار الكلم الطيب، دار ابن كثير، دمشق - بيروت، الطبعة الثانية، ١٤١٨ه.
٣٢٩- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، محمد السفاريني، المكتب الإسلامي، بيروت، دار الخاني، الرياض، الطبعة الثالثة، ١٤١١ه.