فعن عكرمة(١) والحسن(٢) قالا: قال في الأنفال: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ ِNخkژدù وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ فنسختها الآية التي تليها ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ھ!$#... ﴾... إلى قوله: ﴿ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ فقوتلوا بمكة، وأصابهم فيها الجوع والحصر(٣).
ثالثاً: مسلك الترجيح:
بعد تعذر مسلك الجمع والنسخ بين الأدلة في دفع موهم التعارض بين القرآن والسنة لجأ العلماء لمسلك الترجيح بينهما وتقديم الراجح على المرجوح في ضوء وجوه الترجيح وقواعده العديدة(٤).
قال السبكي: إنما يرجح أحد الدليلين على الآخر إذا لم يمكن العمل بكل واحد منهما(٥).
فيعمل حينئذ بالراجح ويترك المرجوح من الأدلة، وبذلك يندفع موهم التعارض بين الأدلة.

(١) عكرمة مولى ابن عباس، أحد فقهاء مكة من التابعين الأعلام، أصله من البربر، توفي سنة خمس ومائة بعد الهجرة، انظر سير أعلام النبلاء (٥/١٢)، شذرات الذهب (٢/٣٢).
(٢) الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد مولى زيد بن ثابت الأنصاري، المعروف بالحسن البصري، توفي سنة عشر ومائة بعد الهجرة، انظر سير أعلام النبلاء (٤/٥٦٣)، وشذرات الذهب (٢/٤٨).
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (٩/٢٩٧)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٥/١٦٩٣)، وانظر المحرر الوجيز (٦/٢٨٦)، وزاد المسير (٣/٣٥٢).
(٤) انظر التعارض والترجيح للبزرنجي (٢/١٥١ - ٣٣٠) أدلة التشريع المتعارضة (٧٤ - ١٥٨)، انظر البرهان في علوم القرآن (٢/٥٧ - ٥٩)، قواعد الترجيح عند المفسرين للحربي، ومنهج التوفيق والترجيح بين مختلف الأحاديث (٤٢٩ - ٥٦٤)، مختلف الحديث لنافذ حماد (٢٢٦ - ٢٨٦).
(٥) الإبهاج شرح المنهاج (٣/٢٢٥).

إذن يتضح مما سبق أنه لا يراد من انتهاء العهد في الآية عهود جميع المعاهدين، بل يستثنى منها ما جاء الدليل باستثنائه، ومن ذلك إخراج المعاهدين الذين لم ينقضوا عهدهم وكانت مدة عهدهم أكثر من أربعة أشهر فهؤلاء عهدهم ينتهي بانتهاء مدة أجلهم، وبهذا الجواب يجمع بين الآية والحديث ويدفع موهم التعارض.
وإلا إن قلنا إن الآية عامة في جميع المعاهدين كان هناك تعارض بين الآية والحديث، ونقض للعهد والأمانة التي أمر الله عز وجل بالوفاء بها وعدم نقضها في كثير من المواضع، والله تعالى أعلم.
يقول ابن جرير بعد ذكر جملة من الأخبار التي تدل على صحة هذا القول: فقد أنبأت هذه الأخبار ونظائرها عن صحة ما قلنا، وأن أجل الأشهر الأربعة إنما كان لمن وصفنا، فأما من كان عهده إلى مدة معلومة، فلم يجعل لرسول الله - ﷺ - وللمؤمنين لنقضه ومظاهرة أعدائهم عليهم سبيلاً، فإن رسول الله - ﷺ - قد وفَّى له عهده إلى مدته عن أمر الله إياه بذلك، وعلى ذلك دلّ ظاهر التنزيل، وتظاهرت به الأخبار عن الرسول - ﷺ - (١).
سبب نزول قوله تعالى: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ئdl!$utù:$#.... ﴾ (٢)
الآية:
قوله تعالى: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ئdl!$utù:$# وَعِمَارَةَ د‰إfَ،yJّ٩$# دQ#uچutù:$# كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ حچ½zFy$# وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا "د‰÷ku‰ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾.
الحديث:
(١) تفسر الطبري (١٠/٨٤).
(٢) سورة التوبة: آية (١٩).

قال الرازي: ولا يبعد في الرجل العاقل إذا كمل عقله أن يتمنى الموت(١).
وقال ابن كثير: ويحتمل أنه سأل ذلك منجزاً، وكان ذلك سائغاً في ملتهم(٢).
القول الثالث :
إن يوسف عليه السلام لما أتم الله عليه نعمه وآتاه الملك وجمع شمله وأقر عينه، خشي من فتن الدنيا فتمنى الموت على هدي الإسلام الذي أنعم الله به عليه.
قال ابن رجب : وأما من تمنى الموت خوف فتنة في الدين فإنه يجوز بغير خلاف(٣).
قال ابن كثير : أما إذا كان فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت، كما قال الله تعالى إخباراً عن السحرة لَمّا أرادهم فرعون عن دينهم وتهددهم بالقتل قالوا: ﴿ رَبَّنَا ùّحچّùr& $sYّ‹n=tم #[ژِ٩|¹ وَتَوَفَّنَا tûüدJد=َ، مB ﴾ (٤)، وقالت مريم لَمّا أجاءها المخاض، وهو الطلق، إلى جذع النخلة:
(١) مفاتيح الغيب (١٨/١٧٥).
(٢) تفسير ابن كثير (٤/٤١٤).
(٣) شرح حديث لبيك لابن رجب الحنبلي (٥٣).
(٤) سورة الأعراف: آية (١٢٦).

٣٣٠- مباحث في علم الكلام، علي الشامي، دار أبو سلامة، تونس، المنار، بيروت، الطبعة الأولى، ٢٠٠٢م.
٣٣١- مباحث في علوم القرآن، مناع القحطان، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة والعشرون، ١٤١٤ه‍.
٣٣٢- المبدع في شرح المقنع، إبراهيم بن مفلح الحنبلي، المكتب الإسلامي، بيروت، ١٩٨٠ه‍.
٣٣٣- المبسوط، محمد السرخسي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، ١٤١٤ه‍.
٣٣٤- المتواري على تراجم أبواب البخاري، أحمد بن المنير الأسكندراني، تحقيق: صلاح الدين مقبول، مكتبة المعلا، الكويت، الطبعة الأولى، ١٤٠٧ه‍.
٣٣٥- مجاز القرآن، أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي، تحقيق: محمد فؤاد سزكين، مكتبة الحلبي، القاهرة.
٣٣٦- مجلة الدعوة، العدد (٩٣٠)، تاريخ ١٩/٥/١٤٠٤ه‍.
٣٣٧- مجمع البيان في تفسير القرآن، الفضل بن الحسن الطبري، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى.
٣٣٨- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٠٨ه‍.
٣٣٩- المجموع شرح المهذب، يحيى النووي، تحقيق: محمد نجيب المطيعي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٤١٥ه‍.
٣٤٠- مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز، إعداد: عبد الله الطيار، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٦ه‍.
٣٤١- مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، جمع وترتيب، عبد الرحمن بن قاسم وآخرون، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، ١٤١٦ه‍.
٣٤٢- مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، جمع: فهد السليمان، دار الثريا، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤١٤ه‍.
٣٤٣- المجوسية وأثرها في العالم الإسلامي، عقل العقل، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية أصول الدين، قسم العقيدة.
٣٤٤- محاسن التأويل، محمد جمال الدين القاسمي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٥ه‍.


الصفحة التالية
Icon