ثم لا يخفى أن العمل بالراجح وترك المرجوح محل إجماع بين أهل العلم، يقول الشوكاني في ذلك: إنه متفق عليه ولم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد به، ومن نظر في أحوال الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم، وجدهم متفقين على العمل بالراجح وترك المرجوح(١).
المثال على مسلك الترجيح:
قوله تعالى: ﴿ î‰إfَ،yJ©٩ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ '،xmr& أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ ڑْïحچخdg©ـكJّ٩$# ﴾ (٢).
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله - ﷺ - : في بيت بعض نسائه فقلت: يا رسول الله أي المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض ثم قال: (هو مسجدكم هذا) لمسجد المدينة(٣).
وعن أبي سعيد الخدري قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال: أحدهما: هو مسجد قباء، وقال الآخر هو مسجد النبي - ﷺ -، فقال النبي - ﷺ - :(هو مسجدي هذا)(٤).

(١) إرشاد الفحول (٢/٣٨١).
(٢) سورة التوبة: الآية (١٠٨).
(٣) سبق تخريجه ص (٣٢).
(٤) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم (٣٠٩٩)، والنسائي في المجتبى، كتاب المساجد، باب ذكر المسجد الذي أسس على التقوى (٢/٣٦)، وفي الكبرى (١/٢٥٧)، والإمام أحمد في مسنده
(٣ /٨٩)، والمفضل الجندي في فضائل المدينة رقم (٤٥)، والطبري في تفسيره (١١/٣٨)، وابن حبان في صحيحه (٤/٤٨٢)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من حديث عمران بن أبي أنس، وقد روي هذا عن أبي سعيد من غير هذا الوجه، ورواه أنيس بن أبي يحيى عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله عنه.
وجاء الحديث من رواية سهل بن سعد رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفة (٢/٣٧٢)، والإمام أحمد في مسنده (٥/٣٣١)، وعبد بن حميد (٤٦٧)، والطبري في تفسيره (١١/٣٨)، والطبراني في الكبير (٦/٢١٤)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٤/١٠) (٧/٣٤): رواه كله أحمد والطبراني باختصار ورجالهما رجال الصحيح. =
= وفيه ربيعة بن عثمان تكلم فيه بعض النقاد وهو لا بأس به، انظر تهذيب التهذيب (٣/٢٥٨-٢٥٩)، والثقات لابن شاهين رقم (٣٤٧)، وكتاب من تكلم فيه وهو موثق، للذهبي رقم (١١٣).
وجاء كذلك من رواية أبي بن كعب رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٢/٣٧٣)، (١٢/٢١٠)، والإمام أحمد في مسنده (٥/١١٦)، والمفضل الجندي في فضائل المدينة رقم (٤٦)، والطبري في تفسيره(١١/ ٣٨)، والحاكم في المستدرك (٢/٣٦٤) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وشاهده حديث أبي سعيد الخدري الصحيح ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في مجمع الزائد (٤/١٠): رواه أحمد وفيه عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف.
وجاء كذلك من رواية زيد بن ثابت رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في الكبير (٥/١٤٥) من طريق عبد الله بن عامر الأسلمي عن أبي الزناد عن خارجه بن زيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه مرفوعا، وعبد الله بن عامر ضعيف، انظر التقريب لابن حجر رقم (٣٤٠٦)، وقد خالف عبد الله بن عامر، سفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن أبي الزناد فروياه عن أبي الزناد عن خارجه بن زيد عن أبيه زيد بن ثابت موقوفاً كما عند المفضل الجندي في فضائل المدينة رقم (٤٣)، والطبري في تفسيره (١١/٣٦-٣٧)، والطبراني في الكبير (٥/١٤٥)، والنسائي في الكبرى (٦/٣٥٩).

عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله - ﷺ - فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام، إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - ﷺ -، وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ئdl!$utù:$# وَعِمَارَةَ د‰إfَ،yJّ٩$# دQ#uچutù:$# كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ حچ½zFy$# وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا "د‰÷ku‰ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ (١).
وجه موهم التعارض بين الآية والحديث:
يظهر في سبب نزول الآية إشكال وتعارض بينه وبين الآية، فكيف يختم الله عز وجل الآية بقوله: ﴿ وَاللَّهُ لَا "د‰÷ku‰ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ والآية تحكي حال المؤمنين في اختلافهم على أي الأعمال أفضل، فكأن هذا الوصف لا يناسب أن يكون حكاية عن المؤمنين.
مسالك العلماء تجاه موهم التعارض
(١) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، رقم (١٨٧٩).

سة_tFّ‹n="tƒ مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا } (١) لِمَا تعلم من أن الناس يقذفونها بالفاحشة، لأنها لم تكن ذات زوج وقد حملت وولدت، فيقول القائل أنى لها هذا؟ ولهذا واجهوها أولاً بأن قالوا: ﴿ يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ $Z"ّ‹x© $wƒحچsù (٢٧) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ r&uچّB$# سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ إ٧-Bé& $w‹ةَt/ ﴾ (٢)، فجعل الله لها من ذلك الحال فرجاً ومخرجاً، وأنطق الصبي في المهد بأنه عبد الله ورسوله وكان آية عظيمة ومعجزة باهرة صلوات الله وسلامه عليه، وفي حديث معاذ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي، في قصة المنام والدعاء الذي فيه (وإذا أردت بقوم فتنة، فتوفني إليك غير مفتون)(٣) (٤).
ومن هذا الباب يكون دعاء يوسف عليه السلام في خوفه من فتنة الملك والمال ولا يكون هناك إيهام تعارض مع أحاديث النهي.
القول الرابع :
(١) سورة مريم: آية (٢٣).
(٢) سورة مريم: آية (٢٧-٢٨).
(٣) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة ص، رقم (٣٢٣٥) وقال: هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (٥/٢٤٣).
(٤) تفسير ابن كثير (٤/٤١٥)، وانظر كتاب الميسر للتوربشتي (٢/٣٨١)، وشرح صحيح مسلم للنووي (١٦/١٧٩)، وشرح حديث لبيك لابن رجب الحنبلي (٥٣)، واختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى(١٢٠)، وعمدة القاري (٢٢/٣٠٦).

٣٤٥- محدث العصر محمد ناصر الدين الألباني، سمير أمين الزهيري، دار المغني، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٢٠ه‍.
٣٤٦- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، عبد الحق بن عطية الأندلسي، تحقيق: الرحالي الفاروق وآخرون، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة قطر، الطبعة الأولى، ١٣٩٨ه‍.
٣٤٧- المحلى، علي بن حزم، مكتبة الجمهورية العربية، القاهرة، ١٣٨٧ه‍.
٣٤٨- مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي، عناية: يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤١٨ه‍.
٣٤٩- مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، أحمد البوصيري، تحقيق: سيد كسروي حسن، مكتبة عباس الباز، مكة، الطبعة الأولى، ١٤١٧ه‍.
٣٥٠- مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، محمد ابن قيم الجوزية، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض.
٣٥١- مختصر العلو للعلي الغفار، محمد الذهبي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤١٣ه‍.
٣٥٢- مختصر المقاصد الحسنة، في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، محمد الزرقاني، تحقيق: محمد الصباغ، مكتبة التربية العربي لدول الخليج، الرياض، ١٤١٦ه‍.
٣٥٣- مختصر سنن أبي داود، عبد العظيم المنذري، تحقيق: أحمد شاكر وآخرون، المكتبة الأثرية، باكستان، الطبعة الثانية، ١٣٩٩ه‍.
٣٥٤- مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين، نافذ حسين حمادة، دار الوفاء، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤١٤ه‍.
٣٥٥- مختلف الحديث بين المحدثين والأصوليين الفقهاء، أسامة خياط، دار الفضيلة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٢١ه‍.
٣٥٦- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، محمد ابن قيم الجوزية، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء.
٣٥٧- مدارك التنزيل وحقائق التأويل، عبد الله النسفي، تحقيق: مروان محمد الشعار، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٦ه‍.


الصفحة التالية
Icon