قال: (ما هي)؟ قلتُ: قال لي: إذا أويتَ إلى فراشِكَ فاقرأ آية الكُرسي من أوَّلها حتى تختم الآية ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ گ'ysّ٩$# الْقَيُّومُ ﴾ وقال لي: لن يزالَ عليكَ من الله حافِظٌ ولا يقرَبُكَ شيطانٌ حتى تُصبح. وكانوا أحرصَ شيءٍ على الخيرِ. فقال النّبيّ - ﷺ - :(أمَا إنَّه قد صدقَكَ وهو كَذُوبٌ، تعلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُذ ثلاثِ ليالٍ يا أبا هريرة)؟ قال: لا، قال: (ذاكَ شيطانٌ)(١).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله - ﷺ - :(إنّ عفريتًا من الجنّ جعل يفتك عليّ البارحة، ليقطع عليّ الصّلاة، وأنّ الله أمكنني منه فذعته، فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد، حتى تنظرون إليه أجمعون، ثم ذكرت قول أخي سليمان :﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي ٧‰tn{ مِنْ بَعْدِي ﴾ (٢)، فردّه الله خاسئًا)(٣).
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: استتبعني رسول الله - ﷺ - ليلة الجن، فانطلقت معه حتى بلغنا أعلى مكّة، فخطّ لي خطًّا وقال: (لا تبرح)(٤)

(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلاً فترك الوكيل شيئًا فأجازه الموكل فهو جائز، رقم (٢٣١١).
(٢) سورة ص: الآية (٣٥).
(٣) سبق تخريجه ص (٢٥).
(٤) أي: لا تفارق مكانك، انظر الغريبين في القرآن والحديث (١/١٦٢)، و الذيل على النهاية في غريب الحديث
لعبد السلام علوش (٣٨).

وعنه موقوفاً في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا (#qç/uچّ)tƒ y‰إfَ،yJّ٩$# tP#uچysّ٩$# بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾ إلا أن يكون عبداً، أو أحداً من أهل الذمة(١) (٢).
وفي هذا دليل على جواز دخول العبيد وأهل الذمة إلى المسجد وأن المنع خاص بعبدة الأوثان من العرب، لكونهم لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف.
الدراسة والترجيح
بعد النظر والدراسة في أقوال العلماء ومسالكهم يظهر -والله تعالى أعلم- رجحان منع الكفار جميعاً من دخول جميع المساجد سواءً المسجد الحرام أو غيره ولا يسمح لهم بدخول المساجد إلا أن يكون هناك مصلحة راجحة يظهر فيها النفع والفائدة للإسلام والمسلمين، ويدل على هذا ما يلي:
١ - نص الآية الكريمة في نهي المشركين من دخول المسجد الحرام ويقاس على المشركين غيرهم من الكفار لوجود علة النجاسة ويقاس على المسجد الحرام سائر المساجد للأمر بتطهيرها.
٢ - الأحاديث الموهمة للتعارض مع الآية في رأس المسألة تدل على جواز دخول غير المسلمين المساجد، وهذه تخصص بما إذا كان هناك مصلحة راجحة، كرجاء إسلام أو عقد صلح ونحوه.
وبذلك يزول ويندفع الإشكال بين الآية والأحاديث.
مناقشة أدلة الأقوال الأخرى:
أولاً: مسلك الجمع:
(١) أهل الذمة: هم من كان له عهد أمان مع المسلمين كاليهود والنصارى والمجوس في دار الإسلام، انظر المعجم الموسوعي للديانات والعقائد لسهيل زكار (١/١٣٧)، و أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام لعبد الكريم زيدان (٢٠).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٦/٥٣)، والطبري في تفسيره (١٠/١٣٧)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٦/ ١٧٧٥)، وعزاه السيوطي (٣/٤٠٨) في الدُّر إلى عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.

وقال القرطبي: مثل هذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد، وإنما يؤخذ توقيفاً، فإن صح فالقول به يجب ويوقف عنده، وإلا فتكون الآية عامة في جميع الأشياء وهو الأظهر والله أعلم(١).
القول الثامن:
يمحو ما يشاء ويثبت من الأرزاق والأقدار على الناس في كل رمضان روي هذا القول عن مجاهد(٢).
الدراسة والترجيح
الراجح مما تقدم من أقوال أهل العلم في المسألة - والله تعالى أعلم - هو القول السابع، أن الآية عامة في المحو والإثبات لكل شيء.
وسبب ترجيح هذا القول أن القول بتخصيص المحو والإثبات بشيء دون شيء لابد له من دليل ثابت، فهو مما لا يدرك بالرأي والاجتهاد.
ثم إن القول بالعموم مع الجواب على إيهام التعارض بين الآية والأحاديث أولى من تخصيصه بمعنى دون معنى مع ورود المعارض على التخصيص.
قال القارئ في شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما: والله تعالى أعلم لا يقال هذا ينافي قوله تعالى: ﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ﴾ (٣)، لأنا نقول المحو والإثبات أيضاً مما جفت به الصحف لأن القضاء قسمان: مبرم ومعلق، وهذا بالنسبة للوح المحفوظ، وأما بالإضافة إلى علم الله فلا تبديل ولا تغيير، ولهذا قال: ﴿ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ (٤).
وقال الشوكاني في الإجابة عن الأقوال الأخرى:
(١) الجامع لأحكام القرآن (٩/٣٤٠).
(٢) تفسير الطبري (١٣/٢١٣)، وانظر الدر المنثور (٤/١٢٢).
(٣) سورة الرعد: آية (٣٩).
(٤) مرقاة المفاتيح (٩/١٦٤).

٤٢٨- مواهب الجليل لشرح مختصر خليل محمد المغربي الخطاب، دار الفكر، الطبعة الثانية، ١٣٩٨ه‍.
٤٢٩- الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة، ناصر القفاري وآخرون، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٣ه‍.
٤٣٠- موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب الإسلامية، عبد المنعم الحفني، دار الرشاد، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤١٣ه‍.
٤٣١- الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، دار الصفوة، مصر، الطبعة الرابعة، ١٤١٤ه‍.
٤٣٢- الموطأ، مالك بن أنس، دار الريان للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤٠٨ه‍.
٤٣٣- ميزان الاعتدال في نقد الرجال، محمد الذهبي، تحقيق: علي البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، ١٣٨٢ه‍.
٤٣٤- الميسر في شرح مصابيح السنة، فضل الله التوربشتي، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، نزار الباز، مكة، الطبعة الأولى، ١٤٢٢ه‍.
٤٣٥- ناسخ القرآن ومنسوخه، عبد الرحمن ابن الجوزي، تحقيق: حسين الداراني، دار الثقافة العربية، دمشق، الطبعة الأولى، ١٤١١ه‍.
٤٣٦- الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، لأبي بكر بن العربي، دراسة: عبد الكبير العلوي المدَغري، وإدارة الأوقاف الإسلامية السعودية، ١٤٠٨ه‍.
٤٣٧- الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عزَّ وجلَّ واختلاف العلماء في ذلك، أحمد النحاس، دراسة وتحقيق: سليمان اللاحم، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٢ه‍.
٤٣٨- الناسخ والمنسوخ، هبة الله بن سلامة، تحقيق: موسى العليلي، الدار العربية للموسوعات، بيروت، الطبعة الأولى، ١٩٨٩م.
٤٣٩- انتصار للقرآن، محمد بن الطيب الباقلاني، تحقيق: محمد عصام القضاة، دار الفتح، الأردن، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٢ه‍.
٤٤٠- الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال، أحمد بن المنير الأسكندري، دار المعرفة، بيروت.


الصفحة التالية
Icon