ثم انصاع(١) في أجبال الجن، فرأيت الرّجال ينحدرون عليه من رؤوس الجبال حتى حالوا بيني وبينه، فاخترطت(٢) السّيف وقلت: لأضربنّ حتى أستنقذ رسول الله - ﷺ -، ثم ذكرت قوله: (لا تبرح حتى آتيك)، فلم أزل كذلك حتى أضاء الفجر(٣).
عن الحسن قال: كان عمار بن ياسر يقول: قد قاتلت مع رسول الله - ﷺ - الجنّ والإنس. فقيل: هذا الإنس قد قاتلت. فكيف قاتلت الجنّ قال: بعثني رسول الله - ﷺ - إلى بئر أستقي منها، فلقيت الشّيطان في صورته حتى قاتلني فصرعته، ثم جعلت أدمي أنفه بفهر(٤) معي، أو حجر. فقال رسول الله - ﷺ - :(إن عمّارًا لقي الشّيطان عند بئر فقاتله)، فلمّا رجعت سألني، فأخبرته بالأمر. فقال: (ذاك شيطان)(٥).

(١) انْصَاعَ بفتح الصاد: أي انفتل راجعًا ومرّ مسرعًا، انظر الصحاح (٣/١٠٣٥)، ولسان العرب (٧/٤٤١).
(٢) اخْتَرَطَ السيف: أي سله من غمده، انظر الصحاح (٣/٩٤٢)، ولسان العرب (٤/٦٥).
(٣) أخرجه الطبراني في الكبير (١٠/٦٧)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٨/٣١٥): وفيه يحيى بن يعلى الأسلمي وهو ضعيف، وقد أخرج الطبراني في الكبير عن الزبير بن العوام حديثًا قريبًا من حديث ابن مسعود في خروج النبي - ﷺ - إلى وفد الجن، وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (١/٢١٠): وإسناده حسن، ليس بقية، وقد صرح بالتحديث.
(٤) الفِهْرُ: الحجر ملء الكف، انظر الصحاح (٢/٦٧١)، ولسان العرب(١٠/٣٤١).
(٥) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (٧/١٢٤)، لكن هذا الإسناد الذي ذكره البيهقي منقطع لأن الحسن روى عن عمار ولم يسمع منه، يقول المزي في تهذيب الكمال (٦/٩٨) عن الحسن: روى عن عمار بن ياسر ولم يسمع منه.
وأخرجه الطبراني في الكبير مرسلا (١/٨٥)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٩/٢٩٣) : عن الحسن قال: كان عمار يقول: قاتلت مع رسول الله - ﷺ - الجن والإنس، أرسلني إلى بئر بدر فلقيت الشيطان في صورة الإنس، فصارعني فصرعته، فجعلت أدقه بفهر معي أو حجر، فقال رسول الله - ﷺ - :(عمار لقي الشيطان عند البئر فقاتله)، فما عدا أن رجعت فأخبرته فقال: (ذاك شيطان). قال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه يعقوب بن إسحاق المحرمي لم أعرفه، والحكم بن عطية مختلف فيه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

١ - استدلوا بالآية في تخصيص المسجد الحرام في منع دخول الكفار، ويجاب عليهم بأنهم كما قاسوا نجاسة سائر الكفار على نجاسة المشركين، فكذلك الأمر بتطهير سائر المساجد يقاس على الأمر بتطهير المسجد الحرام.
٢ - الاستدلال بالأحاديث على جواز دخول الكفار المساجد، لا يسلم به على الإطلاق إلا أن يكون هناك مصلحة راجحة كما فعل النبي - ﷺ -.
ثانياً: مسلك النسخ:
وهذا المسلك يفتقر إلى وجود شرط النسخ، وهو معرفة المتقدم من المتأخر بدليل صحيح صريح على النسخ، وإلا يبقى هذا المسلك مجرد دعوى بلا دليل.
ثالثاً: مسلك الترجيح:
١ - استدلوا بسبب النزول والصحيح أنه لا يصح(١)، وعلى فرض التسليم به فإنه خاص بنزول الجزء الأخير من الآية وليس بأولها وهو قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ َOçFّے½z Z's#ّٹtم فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ ے¾د&ح#ôزsù إِنْ شَاءَ إِن اللَّهَ يOٹد=tو زOٹإ٦xm ﴾ (٢).
٢ - استدلوا بالأحاديث في جواز دخول الكفار المساجد، وقد بينا أنه خاص بما إذا كان هناك مصلحة راجحة، وكذلك لا يخفى معارضة هذا القول لظاهر الآية والأدلة الأخرى في المسألة، والله تعالى أعلم.
أخذ الجزية من أهل الكتاب
الآية:
(١) أخرجه الطبري في تفسيره (١٠/١٣٤)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٦/١٧٧٧) عن أبي الأحوص عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس، ورواية سماك عن عكرمة مضطربة، لأنه تغير آخر عمره، انظر تهذيب الكمال (١٢/١١٥-١٢١)، والتقريب، رقم (٢٦٢٤)، وأخرجه الطبري في تفسيره (١٠/١٣٤) من طريق علي عن ابن عباس، وعلي هو علي بن أبي طلحة متكلم فيه قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب رقم (٤٧٥٤): صدوق قد يخطئ.
وقيل: إنه لم يسمع من ابن عباس، وروايته عنه مرسلة، انظر تهذيب الكمال (٢٠/٤٩٠-٤٩٤).
(٢) سورة التوبة: آية (٢٨).

وكل هذه الأقوال دعاوى مجردة، ولا شك أن آية المحو والإثبات عامة لكل ما يشاؤه الله سبحانه، فلا يجوز تخصيصها إلا لمخصص، وإلا كان من التقول على الله بما لم يقل، وقد توعد الله سبحانه على ذلك وقرنه بالشرك فقال: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣) ﴾ (١) (٢).
وبذلك يتبين ألا تعارض بين الآية والأحاديث، فالمحو والتبديل في صحف الملائكة وهو القدر المعلق، والقدر المثبت الذي لا يتغير هو في أم الكتاب وهو القدر المبرم، والله أعلم.
رسالة النبي - ﷺ - للناس جميعاً مع اختلاف لغاتهم
الآية:
قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بb$|، د=خ/ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (٣).
الحديث:
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي - ﷺ - قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي) وذكر منها (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة)(٤).
وجه موهم التعارض بين الآية والحديث:
ظاهر الحديث أن النبي - ﷺ - أرسل إلى الناس جميعاً كما قال تعالى: ﴿ وَمَا y٧"sYù=y™ِ'r& إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ﴾ (٥)، بينما في الآية تخصيص رسالة النبي عليه الصلاة والسلام إلى قومه الذين يتكلمون بلسانه فقط، فكيف يمكن دفع إيهام التعارض بين الآية والحديث؟
مسالك العلماء تجاه موهم التعارض
(١) سورة الأعراف: آية (٣٣).
(٢) تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصانه من الدلائل (١٦).
(٣) سورة إبراهيم: آية (٤).
(٤) سبق تخريجه ص (٢٦).
(٥) سورة سبأ: آية (٢٨).

٤٤١- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، يوسف بن تغري بردي الأتابكي، تعليق: محمد حسن شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى ١٤١٣ه‍.
٤٤٢- النحو الوافي، عباس حسن، دار المعارف، مصر، الطبعة الخامسة.
٤٤٣- نزهة النظر شرح نخبة الفكر، أحمد ابن حجر العسقلاني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ١٤١١ه‍.
٤٤٤- النسخ في القرآن الكريم دراسة تشريعية تاريخية نقدية، مصطفى زيد، دار الوفاء، القاهرة، الطبعة الثالثة، ١٤٠٨ه‍.
٤٤٥- نسيم الرياض في شرح الشفا، أحمد الخفاجي، دار الفكرن بيروت.
٤٤٦- نصب الراية لأحاديث الهداية، عبد الله الزيلعي، تحقيق: محمد عوامه، مؤسسة الريان، بيروت، دار القبلة، جدة، المكتبة المكية، الطبعة الأولى، ١٤١٨ه‍.
٤٤٧- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، إبراهيم البقاعي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، الطبعة الثانية، ١٤١٣ه‍.
٤٤٨- نقض الإمام أبي سعيد الدارمي على المريسي، عثمان المريسي، تحقيق: رشيد الألمعي، مكتبة الرشد، شركة الرياض، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨ه‍.
٤٤٩- النكت والعيون، علي الماوردي، مراجعة وتعليق: السيد بن عبد المقصود، دار الكتب العلمية، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت.
٤٥٠- نهاية السؤل في شرح منهاج الأصول، عبد الرحيم الآسنوي، عالم الكتب، بيروت.
٤٥١- النهاية في غريب الحديث، المبارك بن الأثير الجزري، تحقيق: طاهر الزاوي وآخرون، المكتبة العلمية، بيروت.
٤٥٢- نواسخ القرآن، عبد الرحمن ابن الجوزي، تحقيق ودراسة: محمد أشرف المليباري، الجامعة الإسلامية، المدينة، الطبعة الأولى، ١٤٠٤ه‍.
٤٥٣- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، محمد الشوكاني، تحقيق: عصام الدين الصباطي، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤١٣ه‍.
٤٥٤- الهداية شرح بداية المبتدئ، علي المرغيناني، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، باكستان، الطبعة الأولى، ١٤١٧ه‍.


الصفحة التالية
Icon