١- أهمية البحث. ٢- أسباب اختياره.
٣- الدراسات السابقة. ٤- خطة البحث و منهجي فيه.
التمهيد : وفيه بيان السنة النبوية للقرآن الكريم.
القسم الأول : الدراسة النظرية وتشتمل على ثلاثة فصول :-
الفصل الأول : التعارض واهتمام العلماء به.
وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : تعريف التعارض لغة واصطلاحاً.
وفيه مطلبان :
المطلب الأول : تعريف التعارض لغة.
المطلب الثاني : تعريف التعارض اصطلاحاً.
المبحث الثاني : أهمية البحث في التعارض بين الأدلة والتوفيق بينها.
المبحث الثالث : اهتمام العلماء بدفع موهم التعارض بين القرآن والسنة.
الفصل الثاني : موهم التعارض بين القرآن والسنة وأسبابه.
وفيه مبحثان :
المبحث الأول :( التعارض ) بين الحقيقة والتوهم.
المبحث الثاني : أسباب التعارض الظاهري بين القرآن والسنة.
وفيه أربعة عشر مطلباً :
المطلب الأول: توهم ثبوت القراءة.
المطلب الثاني : توهم صحة الحديث.
المطلب الثالث : الإجمال والبيان.
المطلب الرابع : العموم والخصوص.
المطلب الخامس : الإطلاق والتقييد.
المطلب السادس : الإحكام والنسخ.
المطلب السابع : المنطوق والمفهوم.
المطلب الثامن : الاحتجاج بشرع من قبلنا.
المطلب التاسع : اختلاف الموضوع.
المطلب العاشر : اختلاف جهة الفعل.
المطلب الحادي عشر : اختلاف الحال.
المطلب الثاني عشر: حمل الآية أو الحديث على المعنى المتبادر إلى الذهن.
المطلب الثالث عشر : حمل الآية أو الحديث على معنى مرجوح.
المطلب الرابع عشر : الاعتقاد الفاسد.
الفصل الثالث : مسالك العلماء عند دفع التعارض.
وفيه أربعة مباحث :......
المبحث الأول : مسلك الجمع.
المبحث الثاني : مسلك النسخ.
المبحث الثالث : مسلك الترجيح.
المبحث الرابع : مسلك التوقف.
القسم الثاني : الدراسة التطبيقية :
وأتناول فيها دراسة الآيات و الأحاديث التي يوهم ظاهرها التعارض و دفع ذلك، من أول سورة الفاتحة حتى نهاية سورة الأنعام.
ومن ذلك أيضاً ما جاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢] استشكل الصحابة مدلول لفظ الظلم، وفهموا منه المعنى العام للظلم في اللغة، فأزال النبي - ﷺ - ذلك الإشكال ؛ ببيان المراد بالظلم في الآية بأنه :" الشرك "(١)(٢).
٣- تعيين المبهم، وهذا نادر، ومن أمثلته ما جاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن(٣) قال : مرَّ بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري(٤) قال : قلت له : كيف سمعت أباك يذكر المسجد الذي أسس على التقوى ؟ قال : قال أبي : دخلت على رسول الله - ﷺ - في بيت بعض نسائه، فقلت : يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى ؟ قال :" فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال : هو مسجدكم هذا ؛ لمسجد المدينة " قال : فقلت : أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره (٥)(٦).
(٢) انظر : الحديث والمحدثون لأبي زهو ص ٣٩، مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير ل. د. الطيار ص ١٤٦.
(٣) أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل : اسمه عبد الله، وقيل : اسمه إسماعيل، ثقة مكثر، مات سنة (٩٤هـ) وقيل سنة (١٠٤هـ). انظر : الكاشف للذهبي ٢/٤٣١، تقريب التهذيب لابن حجر ص٦٤٥.
(٤) عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي، ثقة، مات سنة (١١٢هـ)، وله سبع وسبعون سنة. انظر : التاريخ الكبير للبخاري ٥/١٧٠، تقريب التهذيب لابن حجر ص ٣٤١.
(٥) أخرجه مسلم في الحج، رقم ( ١٣٩٨) ٢/١٠١٥.
(٦) انظر : مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير ل. د. الطيار ص ١٤٧.
فالجهمية ردوا أحاديث الرؤية ـ مع كثرتها وصحتها ـ لمخالفتها على زعمهم لظاهر قوله تعالى :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ [ الأنعام : ١٠٣]، والخوارج ردوا الأحاديث الدالة على الشفاعة لمخالفتها الآيات التي فيها نفي للشفاعة، والرافضة لم يقبلوا قوله - ﷺ - :" لا نورث ما تركنا صدقة "(١)، ويقولون: إنه يخالف قوله تعالى :﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ... الآية ﴾ [ النساء : ١١]، وغير هؤلاء ممن ابتلي المسلمون فيهم من المستشرقين والمستغربين وأذنابهم الذين كان لهم دور خطير في تبني أفكار تلك الفرق وغيرها، ونشرها بين المسلمين حتى اغتر بهم بعض جهلة المسلمين الذين ليس لهم دراية واسعة بحقيقة هذه الطعون والشكوك(٢).
كما أن كثيراً من المسلمين يقفون أمام أمثال هذه القضية حائرين لا يملكون ردها ولا يعرفون لها دحضاً، بل ربما عرض لهم في أنفسهم بعض الشك والريب.
وما دام أن ما يتوهم من التعارض بين القرآن والسنة أضحى تكأة للطاعنين والملحدين في الماضي والحاضر كان من الأهمية بمكان أن يولى العناية، وتصرف فيه الجهود من أجل دفع ما قد يتبادر إلى الأذهان من تعارض القرآن مع السنة والتوفيق بين نصوصهما.
(٢) انظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ١٤٣ وما بعدها، مجموع فتاوى ابن تيمية ١٣/٢٠٨، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم ص٦٦، إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم ٢/ ٢٩٥- ٣٠٧، مختصر الصواعق المرسلة للموصلي ٤/١٦١٨-١٦٣٤، السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام لعماد الشربيني ١/١١٧.
فمن الآيات الدالة على الشفاعة قوله تعالى :﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة : ٢٥٥]، وقوله تعالى: ﴿ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾ [يونس : ٣]، وقوله تعالى :﴿ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ [ طه : ١٠٩]، وقوله تعالى :﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [ الأنبياء : ٢٨]، وقوله تعالى :
﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [ النجم : ٢٦] (١)وغيرها.
وأما السنة فقد جاءت أحاديث صحيحة و صريحة في إثبات الشفاعة يوم القيامة، بلغت حد التواتر، وقد سبق ذكر طرف منها.
قال ابن أبي عاصم(٢): " والأخبار التي روينا عن نبينا - ﷺ -، فيما فضله به من الشفاعة وتشفيعه إياه فيما يشفع فيه، أخبار ثابتة موجبة بعلم حقيقة ما حوت على ما اقتصصنا"(٣).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :" أحاديث الشفاعة كثيرة متواترة، منها في الصحيحين أحاديث متعددة، وفي السنن والمسانيد مما يكثر عدده "(٤).
١- إذن الله تعالى للشافع أن يشفع. ٢- رضاه تعالى عن المشفوع له. انظر في شروط الشفاعة : مدارج السالكين لابن القيم ١/٣٤١، معارج القبول للحكمي ٢/١٥٦، شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين ٢/١٦٨.
(٢) ابن أبي عاصم هو : أبو بكر، أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، حافظ كبير، تولى قضاء أصبهان، كان كثير الحديث والتصانيف، من مصنفاته : المسند، وكتاب السنة وغيرهما، توفي سنة (٢٨٧هـ). انظر : الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٢/٦٧، سير أعلام النبلاء للذهبي ١٣/٤٣٠.
(٣) كتاب السنة ١/٥٧٥.
(٤) الفتاوى ١/٣١٤.
ولذا سلك أهل العلم مسلك الجمع بين قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي 'n=÷Fs)ّ٩$#... ﴾ [البقرة : ١٧٨] وحديث :" لا يقتل مسلم بكافر " مسلك الجمع، ولكنهم اختلفوا في الجمع بينهما على وجهين هما :
الوجه الأول: أن الآية عامة في وجوب القصاص على كل قاتل، ما لم يعف ولي القتيل، والحديث مخصص لذلك العموم، فلا يقتل المسلم إذا قتل كافراً حربياً أو ذمياً، ولا تعارض بين عام وخاص، بل يحمل العام على الخاص.
قال القرطبي :" فلا يصح في الباب إلا حديث البخاري، وهو يخصص عموم قوله تعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [ البقرة : ١٧٨]، وعموم قوله :﴿ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ﴾ [ المائدة : ٤٥ ] "(١).
وقال الشنقيطي عن الحديث :" فهذا نص صحيح قاطع للنزاع مخصص لعموم النفس بالنفس، مبين عدم صحة الأخبار المروية بخلافه، ولم يصح في الباب شيء يخالفه "(٢).
وممن ذهب إلى هذا الوجه في الجمع الخطابي(٣)، وابن العربي(٤)، وأبوحيان(٥)، والشوكاني(٦)، والسعدي(٧).
الوجه الثاني : أن يحمل قول النبي - ﷺ - :" وأن لا يقتل مسلم بكافر "، على الكافر الحربي، وهو ما اتفق عليه أهل العلم كما تقدم، ويكون مفهوم الحديث دليلاً على أن المسلم يقتل بالذمي، ويوافق ذلك عموم الآية.
وممن ذهب إلى هذا الوجه أبو حنيفة(٨)، والنخعي(٩)،
(٢) أضواء البيان٢/٦٣.
(٣) انظر: إعلام الحديث ٤/٢٣٠٩.
(٤) انظر: أحكام القرآن ٢/١٢٩.
(٥) انظر: البحر المحيط ٣/٦٨١.
(٦) انظر: نيل الأوطار ٧/١٥٣.
(٧) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص٨٤.
(٨) انظر : شرح معاني الآثار ١/١٩٥.
(٩) انظر : فتح الباري لابن حجر ١٢/٢٦١.
والنخعي هو : الإمام الحافظ أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، فقيه العراق، توفي سنة (٩٦هـ) وقيل : آخر سنة (٩٥هـ).
انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي ٤/٥٢٠، تقريب التهذيب لابن حجر ص ٩٤.
متعلق بأستار الكعبة، فقال :" اقتلوه "(١).
وجه التعارض المتوهم :
ظاهر الآية الكريمة يدل على تحريم القتال في الحرم ابتداءً، وأنه لا يحل لأحدٍ أن يقاتل أحداً في الحرم إلا أن يقاتله، وذلك بناءً على القول بأن الآية محكمة(٢)،
(٢) والقول بإحكام الآية مروي عن مجاهد وطاوس، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واختاره طائفة من العلماء منهم الجصاص، وابن العربي، وابن الجوزي، والرازي، والقرطبي، والنسفي، وأبوحيان، وابن كثير، والشوكاني، والموزعي، والسعدي، وابن عاشور، ومصطفى زيد، وقال ابن الجوزي في نواسخ القرآن١/٢٥٢ :" وهو قول مجاهد والمحققين ". انظر : جامع البيان لابن جرير ٣/٢٩٦، الناسخ والمنسوخ للنحاس ١/٥١٩، أحكام القرآن للجصاص ١/٣٢٣، الناسخ والمنسوخ لابن العربي ٢/٥٨، نواسخ القرآن لابن الجوزي ١/٢٥٢-٢٥٣، التفسير الكبير للرازي٢/٢٨٩، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٢/٣٥١، مدارك التنزيل للنسفي ص١٠٣، البحر المحيط لأبي حيان ٢/١٠٩-١١٣، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/١١١، فتح القدير للشوكاني١/١٩١، تيسير البيان لأحكام القرآن للموزعي١/٣٤٧، تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص٨٩، التحرير والتنوير لابن عاشور٢/٢٠٤، النسخ في القرآن الكريم ل د. مصطفى زيد ٢/٥٩٧.
وهناك من يقول : إن الآية منسوخة بآية أخرى، واختلفوا في تحديد الآية الناسخة، وهذا القول مروي عن قتادة، والربيع بن أنس، وابن زيد، ومقاتل، كما أخرجه عنهم ابن جرير في جامع البيان٣/٢٩٥-٢٩٨، ونسبه إلى الجمهور ابن عطية في المحرر الوجيز ١/٢٦٣، وأبو حيان في البحر المحيط ٢/١١٣، واختاره ابن جرير = في جامع البيان ٣/٢٩٨، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص١٥٧، والكيا الهراسي في أحكام القرآن١/٨٣، وابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل١/١١٣، وغيرهم.
والقائلون بنسخ الآية لا يوجد عندهم تعارض بين الآية والحديث في هذه المسألة من الأصل ؛ لأنهم قد أبطلوا حجية الآية فيكون الحديث سالماً عن المعارضة.
وقد سلك أهل العلم في دفع ما يتوهم من التعارض بين الآية والحديث مسلك الجمع، وذكروا في الجمع بينهما وجوهاً منها ما يلي :
الوجه الأول : أن الآية تدل على جواز الخلع بأكثر من الصداق، وأما نهي النبي - ﷺ - عن الزيادة على المهر فيحمل على الكراهة.
وقالوا : إن ( ما ) في قوله سبحانه :﴿ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ موصولة، والأسماء الموصولة من صيغ العموم، فتشمل العوض في الخلع سواء أكان أقل من الصداق، أم مساوياً له، أو أكثر منه.
وإلى هذا القول ذهب الحنابلة، كما ذكر ذلك ابن قدامة قائلاً :" فنجمع بين الآية والخبر، فنقول : الآية دالة على الجواز، والنهي عن الزيادة للكراهية "(١).
الوجه الثاني : أن الآية عامة في جواز الخلع بالصداق أو أقل منه أو أكثر، والحديث وما في معناه من الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لهذا العموم، بما أصدق به الزوج المرأة المخالعة دون زيادة عليه.
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في صدر الآية :﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ٢٢٩]، وقالوا : ذكر في أول الآية ما آتاها من الصداق فكان المذكور في آخرها، وهو قوله: ﴿ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾
مردود إلى أولها، فكان المراد من قوله :﴿ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ مما آتاها من المهر فقط دون زيادة عليه.
كما استدلوا بما تقدم في قصة ثابت بن قيس - رضي الله عنه -، حيث أمره النبي - ﷺ - أن يأخذ من زوجته الحديقة ولا يزداد(٢).
(٢) انظر : أحكام القرآن الكريم للطحاوي ٢/١/٤٥٣، بدائع الصنائع للكاساني ٣/١٥٠، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٦٢٢.
وهذا الوجه من الجمع اختاره القاضي عياض(١)، والأبي(٢)، والطيبي(٣)، وابن كثير(٤)، والكرماني(٥)، وابن عاشور(٦).
الوجه الثالث : أن قول النسوة لعمر - رضي الله عنه - :" أنت أفظ وأغلظ من رسول الله - ﷺ - " من باب العسل أحلى من الخل، فيكون المعنى أن عمر - رضي الله عنه - في فظاظته، أشد وأقوى من رسول الله - ﷺ - في لينه ورحمته، فيرجع المعنى إلى أن كلاً منهما في تلك الصفة التي يتصف بها قد بلغ أعلى درجات الكمال فيها(٧).
ويدل لذلك نفي الفظاظة والغلظة عن رسول الله - ﷺ - في قوله تعالى :﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾.
وذلك أنه قد يُذكر أفعل التفضيل، ولا يكون بين المفضل والمفضل عليه اشتراك في الفعل أو الصفة مطلقاً، وهذا جائز إذا كان هناك قرينة تدل عليه، وذلك كقولهم : العسل أحلى من الخل، والصيف أحر من الشتاء، يريدون أن الصيف في حرارته، أشد من الشتاء في برده، والعسل في حلاوته، أشد من الخل في حموضته، وهكذا، فليس بين كل اثنين مما سبق اشتراك في المعنى إلا في مطلق الزيادة المجردة، ودرجتها الذاتية المقصورة على صاحبها(٨).
التوجيه والترجيح :
(٢) انظر : إكمال إكمال المعلم للأبي ٨/١٩٨.
(٣) انظر : الكاشف عن حقائق السنن للطيبي ١٢/٣٨٥٥، مرقاة المفاتيح لملا علي قاري ١١/١٨٢.
(٤) انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/٦٢.
(٥) شرحه لصحيح البخاري١٤/٢٢٣.
(٦) انظر : التحرير والتنوير ٤/١٤٦.
(٧) انظر : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للقاري ١١/١٨٢.
(٨) انظر : النحو الوافي لعباس حسن ٣/٤٠٦.
كأوابد الوحش، فما ندَّ عليكم فاصنعوا به هكذا "، قلت : إنا لنرجو أو نخاف أن نلقى العدو غداً، وليس معنا مدى، أفنذبح بالقصب(١)؟، فقال :" ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر، وسأخبركم عنه أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة "(٢).
٢- عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال : سألت رسول الله - ﷺ - عن المعراض، فقال :" إذا أصبت بحده فكل، فإذا أصاب بعرضه فقتل، فإنه وقيذ(٣) فلا تأكل "، وفي رواية :" كل ما خزق(٤)، وما أصاب بعرضه فلا تأكل "(٥).
وجه التعارض المتوهم :
(٢) أخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب التسمية على الذبيحة، رقم (٥٤٩٨) ٧/٩١، ومسلم في الأضاحي، رقم (١٩٦٨) ٣/١٥٥٨.
(٣) وقيذ : الوقذ في الأصل : الضرب المثخن والكسر، كما في النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة ( وقذ ).
(٤) خزق : يقال : خزق السهم وخسق إذا أصاب الرمية ونفذ فيها.
انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة ( خزق ).
(٥) أخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب ما أصاب المعراض بعرضه، رقم (٥٤٧٦، ٥٤٧٧) ٧/٨٦، ومسلم في الصيد والذبائح، رقم (١٩٢٩) ٣/١٥٢٩.
بل يمكن أن يقال : إن قوله تعالى :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾ يدل على إثبات الرؤية، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية(١)، ونقله عنه ابن القيم، فقال :" والاستدلال بهذا ـ أي بهذه الآية ـ أعجب، فإنه من أدلة النفاة، وقد قرر شيخنا وجه الاستدلال به أحسن تقرير وألطفه، وقال لي : أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله، إلا وفي الدليل ما يدل على نقيض قوله، فمنها هذه الآية وهي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها، فإن الله سبحانه وتعالى إنما ذكرها في سياق التمدح، ومعلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية، وأما العدم المحض فليس بكمال، ولا يمدح الرب تبارك وتعالى بالعدم، إذا لم يتضمن أمراً وجودياً كتمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية... فلو كان المراد بقوله :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ u ﴾ أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال ؛ لمشاركة المعدوم له في ذلك، فإن العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار، والرب جل جلاله يتعالى أن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض، فإذاً المعنى أنه يرى، ولا يدرك ولا يحاط به "(٢).
وعلى فرض أن الآية تدل على نفي رؤية الله مطلقاً، والتسليم بوجود تعارض بين قوله تعالى :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ u ﴾ والأحاديث التي تدل على إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، فإن أهل العلم سلكوا في دفع ذلك التعارض مسلك الجمع، وذكروا في ذلك وجوهاً منها ما يلي :
(٢) حادي الأرواح ص٢٧٣.
y٧¯Rخ)ur لَعَلَى خُلُقٍ ٥Oٹدàtم... ٤
÷ژة٩ô¹$$sù لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ دNqçtّ:$#... ٤٨
سورة المدثر
$yJsù تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ tûüدèدے"¤±٩$#... ٤٨
سورة القيامة
×nqم_مr يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا ×otچدك$tR... ٢٢-٢٣... -٥٢٢
سورة الإنسان
tbqكJدèôـمƒur الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا #·ژچإ™r&ur... ٨
سورة المطففين
Hxx. إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ tbqç/qàfَspR°Q... ١٥... -٥٢٥
سورة النصر
#sŒخ) جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ كx÷Gxےّ٩$#ur... ١
فهرس الأحاديث
الحديث... الصفحة
أبا ثعلبة ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر... ٥١١
أتدرون من المفلس... ٥٥٣-٥٧٢
أحلت لنا ميتتان ودمان... ١٤٣-١٤٦-١٤٧-١٥٥-١٥٩
احلق رأسك وصم ثلاثة أيام... ٢٧-٢١٢
إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله... ٤٢٣-٤٢٤
إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل... ٤٢٥-٥٣٤
إذا أصبت بحده فكل... ٤٣٢
إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فليجلدها الحد... ٤٤-٣٦٩
إذا نودي للصلاة، صلاة الصبح، وأحدكم جنب، فلا يصم يومئذ... ٤٨-٤٩-١٨٨-١٩٠
أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي ؟... ٢٢
أُرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه... ٨٤
أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش... ٢٢
استوصوا بالنساء خيراً... ١٩
أسجع كسجع الأعراب... ٥٥٢
أسر إليَّ النبي - ﷺ - أن جبريل يعارضني القرآن كل سنة... ٣٠
أسلم وإن كنت كارهاً... ٢٦٦
اسم الله على كل مسلم... ٥٢٧
اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه - ﷺ - ما شاء... ١٢١
اصنعوا كل شيء إلا النكاح... ٩١-٢٢٩-٢٣٠
أعتقوا عنه، يعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار... ٤٠٤
أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي... ١١٩-١٢٩
أعطيت ما لم يعط أحدٌ من الأنبياء... ١١٤
أكلناه مع رسول الله - ﷺ -... ٥٠٠
ألا أنبئكم بأكبر الكبائر... ١٨
" تفسير التحرير والتنوير، لمحمد الطاهر بن عاشور، دار سحنون، تونس.
" تفسير القرآن الحكيم، المعروف بتفسير المنار، لمحمد رشيد رضا، تحقيق : سمير رباب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٢هـ.
" تفسير القرآن العظيم، لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق : سامي بن محمد السلامة، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٢٢هـ.
" تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول الله - ﷺ - والصحابة والتابعين، لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، تحقيق : أسعد الطيب، مكتبة الباز، مكة المكرمة، ١٤١٧هـ.
" تفسير القرآن الكريم، لمحمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، ١٤٢٣هـ.
" التفسير الكبير، للفخر الرازي، تحقيق : مكتب تحقيق دار إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤٢٠هـ.
" تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، لمحمد أديب الصالح، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة، ١٤١٣هـ.
" تفسير آيات أشكلت، لشيخ الإسلام بن تيمية، تحقيق : عبد العزيز الخليفة، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ.
" تفسير آيات الأحكام، لمحمد بن علي السايس، تحقيق : عبد الحميد هنداوي، مؤسسة المختار، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤٢١هـ.
" تقريب الوصول إلى علم الأصول، لمحمد بن أحمد بن جزي الغرناطي، تحقيق محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٤هـ.
" التقريب والإرشاد ( الصغير )، لمحمد بن الطيب الباقلاني، تحقيق : عبد الحميد أبوزنيد، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤١٨٧هـ.
" التقريب والتيسير، ليحيى بن شرف النووي، مطبوع مع شرحه تدريب الراوي في شرح تقريب النوواي للسيوطي، تحقيق : أحمد هاشم، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٥هـ.