وتتناول دراسة كل موضع يوهم التعارض العناصر التالية :
١- الآية و الحديث محل التعارض.
٢- وجه التعارض المتوهم.
٣- ذكر من أشار إلى هذا التعارض.
٤- دفع موهم التعارض.
٥- التوجيه والترجيح.
الخاتمة : و فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج في هذا البحث.
الفهارس : تذييل الرسالة بفهارس علمية لما يلي :
١- الآيات القرآنية. ٢- الأحاديث النبوية.
٣- الآثار. ٤- الأعلام المترجم لهم.
٥- الفرق. ٥ - الأماكن والبلدان.
٧- الأبيات الشعرية. ٨- الكلمات الغريبة.
٩- المصادر والمراجع. ١٠- الموضوعات.
هذا وقد اجتهدت في هذا البحث، وبذلت فيه وسعي حتى لازمني ليلاً ونهاراً، وحضراً وسفراً، ولم أضن عليه بجهد أو وقت أو مال، ولا أدعي أني بلغت ما كنت أتمنى تحقيقه، فضلاً عن دعوى الكمال أو مقاربته، وهاهو الإمام الشافعي يقول :" لقد ألفت هذه الكتب ولم آل فيها، ولا بد أن يوجد منها الخطأ ؛ لأن الله يقول :﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [سورة النساء : ٨٢ ]، فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه "(١).
وفي الختام أحمد الله تعالى وأشكره على أن من َّ علي بإتمام هذا البحث، وأثني بالشكر الجزيل لوالدي الكريمين، امتثالاً لأمر الله ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾ [ لقمان : ١٤]، فأسأل الله أن يغفر لهما ويرحمهما كما ربياني صغيراً.
كما أتوجه بالشكر والتقدير لفضيلة شيخي الأستاذ الدكتور / سليمان بن إبراهيم اللاحم، الأستاذ بقسم القرآن وعلومه بكلية الشريعة وأصول الدين في جامعة القصيم، والذي تفضل بالإشراف على هذا البحث، فتجشم عناء قراءته، وتصحيح أخطائه، ومتابعة خطواته، فله مني عاطر الثناء وصادق الدعاء بأن يمتعه الله بالصحة والعافية، ويبارك في علمه ووقته وولده، ويجزيه عني خير الجزاء.
٤- بسط ما جاء مختصراً في القرآن، ومن أبرز أمثلته قصة الثلاثة الذين خلفوا، فقد ذكرت مختصرة في القرآن الكريم في آية واحدة في قوله تعالى :﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [ التوبة : ١١٨]، وجاءت السنة ببسط القصة كاملة، وذكر تفاصيل جميع الأحداث التي جرت في ثنايا القصة.
٥- بيان المجمل، وهذا الوجه من أبرز وجوه بيان السنة للقرآن الكريم ؛ حيث ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات المجملة المحتاجة إلى البيان، وقد بينها الرسول - ﷺ - للناس ؛ وفصّلها لهم بقوله أو فعله عليه الصلاة والسلام، ومن أوضح الأمثلة على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة : ٤٣]، فهذه الآية الكريمة تدل على وجوب الصلاة والزكاة ؛ لأن الله سبحانه أمر بهما، والأمر يقتضي الوجوب، لكن الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة جاء مجملاً، فلم يبين الله كيفية الصلاة وعددها وأوقاتها وأركانها وشروطها ومبطلاتها، وغير ذلك من الأحكام المختصة بها، كما أنه لم يبين ما تجب فيه الزكاة من الأموال، ومقدار الواجب في كل صنف ونصابه، وما يشترط في الزكاة من شروط.
وجاءت السنة مبينة لهذا الإجمال بقول النبي - ﷺ - وفعله في أحاديث كثيرة معلومة يصعب حصرها وذكرها في مثل هذا التمهيد.
٤- إن التوفيق بين ما يتوهم من التعارض بين القرآن والسنة يبعث في النفس الطمأنينة، ويزيد الإيمان بأن كلاً من القرآن والسنة وحي محفوظ، وحق لا اختلاف فيهما، ولا تعارض فيما بينهما، ويكفي من يقوم بالبحث بين الأدلة المتوهم تعارضها من القرآن والسنة والتوفيق بينها أن يزداد إيماناً.
٥- إن نصوص القرآن والسنة هي محل استنباط أحكام الشريعة التي يكلف بها الإنسان، فيلزم لذلك فهم تلك النصوص فهماً صحيحاً، وإدراك فحواها ومقتضاها، وهذا يفتقر إلى دفع ما قد يتوهم من التعارض بينهما ؛ من أجل أن يبنى على ضوء ذلك استنباط سليم للأحكام الشرعية.
٦- إن الله سبحانه وتعالى أمر بتدبر كتابه في غير ما آية، فقال سبحانه :﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء : ٨٢ ]، وقال تعالى :﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ ص : ٢٩]، ووجود بعض الإشكالات لدى قارىء القرآن أثناء القراءة كتوهم تعارض آية مع حديث نبوي ؛ قد يعيق القارىء ويحول بينه وبين التدبر للآيات، والبحث في ما يتوهم من التعارض بين القرآن والسنة والتوفيق بينهما يزيل ذلك، ويساعد على تدبر القرآن وفهم معانيه.
٧- لقد نزل القرآن الكريم بلغة العرب، موافقاً لأساليبهم في الخطاب، ومناهجهم في التعبير عن المراد، من إيجاز وإطناب ؛ وتصريح وتلميح ؛ واستعارة وتشبيه ؛ وتقديم وتأخير ؛ ونحو ذلك، فجاءت لغة القرآن رحبة، وتَنَوَّع الخطاب فيه مما قد ينشأ عن عدم فهمه فهماً صحيحاً إيهام تعارض بين آية وحديث نبوي، وهذا يُتيح للباحث ـ في ما يتوهم من التعارض بين القرآن والسنة ويحاول التوفيق بينهما ـ فرصة الوقوف على بلاغة القرآن وفصاحته ودقة تعبيره وغير ذلك من أوجه الإعجاز البياني.
وقال السفاريني(١): " شفاعة النبي - ﷺ - نوع من السمعيات، وردت بها الآثار حتى بلغت مبلغ التواتر المعنوي "(٢).
وقال عن ثبوت الشفاعة لغير النبي - ﷺ - :" يجب أن يعتقد أن غير النبي - ﷺ - من الرسل والأنبياء، والملائكة والصحابة والشهداء، والصديقين والأولياء... يشفعون ؛ لثبوت الأخبار بذلك، وترادف الآثار على ذلك "(٣).
وقد أجمع السلف الصالح من أهل السنة والجماعة على إثبات الشفاعة يوم القيامة على وفق ما ورد في النصوص الشرعية من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.
وقد حكى الإجماع على ذلك جملة من الأئمة والمصنفين(٤)، منهم القاضي عياض(٥)
(٢) لوامع الأنوار البهية ٢/٢٠٨
(٣) المرجع السابق ٢/٢٠٩.
(٤) انظر : رسالة أصول أهل السنة والجماعة لأبي الحسن الأشعري ص٩٠، البحر المحيط لأبي حيان ١/٢٨٠، لوامع الأنوار البهية للسفاريني ٢/٢٠٨، معارج القبول لحافظ حكمي ٢/١٦٠، التحرير والتنوير لابن عاشور ١/٤٨٨، عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة لمحمود الحداد ص١٩٩.
(٥) القاضي عياض هو : الإمام العلامة الحافظ القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي، أبو الفضل، كان من أهل العلم والذكاء والفهم، تولى القضاء فترة طويلة، له من المصنفات : إكمال المعلم بفوائد مسلم، والشفا بتعريف حقوق المصطفى وغيرهما، توفي سنة (٥٤٤هـ).
انظر: طبقات المفسرين للدوادي ص ٣١٤، شذرات الذهب لابن العماد ٢/١٣٨.
والشعبي(١)، والجصاص(٢).
واستدلوا على ذلك بقول النبي - ﷺ - :" لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده "(٣).
وقالوا : إن قوله في الحديث :" ولا ذو عهد في عهده " معطوف على قوله :" مؤمن " فيكون التقدير : ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر، كما في المعطوف عليه، والمراد بالكافر المذكور في المعطوف هو الحربي، بدليل جعله مقابلاً للمعاهد ؛ لأن المعاهد يقتل بالمعاهد إجماعاً، فيلزم أن يقيد الكافر في المعطوف عليه بالحربي كما قيد في المعطوف ؛ لأن الصفة بعد المتعدد ترجع إلى الجميع، فيكون التقدير : لا يقتل مؤمن بكافر حربي ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي.
قالوا : وهذا الحديث وحديث أبي جحيفة أصلهما واحد، لكن حذف بعض الرواة ذكر العهد، وإن لم يكن أصلهما واحد، فيجب حملهما على ذلك ؛ لورودهما في وقت واحد(٤).
التوجيه والترجيح
الذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن الوجه الأول من أوجه الجمع، وهو أن الآية عامة، والسنة مخصصة لذلك العموم، فلا يقتل المسلم إذا قتل كافراً، هو الراجح.
(٢) انظر : أحكام القرآن ١/١٧٦.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده رقم (٩٩٣) ٢/٢٨٦، وأبو داود في الديات، باب أيقاد المسلم بالكافر، رقم
(٤٥٣٠) ٤/١٨٠، والنسائي في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، رقم (٤٧٣٤) ٨/١٩ من طريق قيس بن عُبّاد.
والحديث صححه الحاكم في المستدرك رقم (٢٦٢٣) ٢ / ١٥٣، وقال :" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، وقال ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية ٢/٢٦٢ :" إسناده صحيح "، = =وكذا قال ابن عبد الهادي في التنقيح ـ ولم أعثر عليه في المطبوع ـ كما في نصب الراية ٤/٣٣٥، وقال الألباني في إرواء الغليل ٧/٢٦٧ :" ورجاله ثقات رجال الشيخين ".
(٤) انظر : شرح معاني الآثار للطحاوي ١/١٩٥، أحكام القرآن للجصاص ١/١٧٦.
والحديث يتوهم منه
جواز القتال في الحرم ابتداءً(١).
دفع موهم التعارض :
أمر الله سبحانه في بداية الآية المذكورة آنفاً بتتبع المقاتلين بالتقتيل والإخراج، فقال :﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩١]، ثم خص الله سبحانه الحرم من عموم الأمكنة التي شملها قوله :﴿ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾، ومنع المسلمين من القتال فيه فقال :﴿ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ ؛ حفظاً لحرمة الحرم الذي جعله الله مكاناً آمناً، وامتن على عباده بذلك، ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص : ٥٧]، وحدد غاية النهي عن القتال في الحرم بقوله :﴿ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ﴾ ؛ أي فإن قاتلوكم عند المسجد الحرام فاقتلوهم فيه، لأنهم انتهكوا حرمة المسجد الحرام، ولو ترك دفاعهم لكان ذلك ذريعة إلى هزيمة المسلمين(٢).
(٢) انظر : التحرير والتنوير لابن عاشور ٢/٢٠٣. بتصرف.
وإلى هذا ذهب الأحناف كما نقل ذلك عنهم الجصاص بقوله :" وقال أصحابنا : لا يأخذ منه ـ أي المهر ـ الزيادة لهذا الخبر، وخصوا به ظاهر الآية "(١)، كما ذهب إليه الشوكاني(٢).
التوجيه والترجيح :
الجمع الذي يظهر رجحانه ـ والله أعلم ـ أن يقال :
إن الآية عامة في جواز الخلع بنفس الصداق، أو أقل منه، أو أكثر، والحديث مخصص لهذا العموم بما أصدق به الزوج المرأة المخالعة دون زيادة عليه، ولا تعارض بين عام وخاص، بل يحمل العام على الخاص.
وأما الوجه الأول، وهو أن يحمل النهي في الحديث على الكراهة، فيرِدُ عليه أن القائلين به يصححون الحديث ويعملون به على جهة الكراهية، فيقال لهم : ما دام أن الحديث صحيح، فهو مخصص لعموم الآية بما دفعه الزوج للمرأة من المهر دون زيادة عليه، فيكون النهي عن الزيادة في قول النبي - ﷺ - في الحديث المتقدم :" ولا يزداد " للتحريم كما هو الأصل فيه، وليس للكراهة، والله أعلم.
وبهذا يندفع ما قد يتوهم من التعارض بين الآية والحديث في هذه المسألة، ولله الحمد والمنة.
- - -
٢٣-٢٣- قال تعالى :﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (٢٣٨) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٣٨، ٢٣٩ ].
موهم التعارض من السنة :
(٢) انظر : نيل الأوطار ٧/٤١.
الذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن أوجه الجمع السابقة كلها محتملة، و يندفع بها الإشكال، ويزول بها ما قد يتوهم من التعارض بين الآية والحديث، وإن كان بعضها أقرب من بعض.
علماً أن ابن حجر لم يرتضِ الوجه الثاني وقال :" وفيه نظر ؛ للتصريح بالترجيح المقتضي لحمل أفعل على بابه "(١).
وقد أجاب عن ذلك العيني بقوله :" وليس بمحل للنظر فيه ؛ لأن هذا باب واسع في كلام العرب "(٢).
ولهذا الوجه نظائر في القرآن الكريم منها قوله تعالى :﴿ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [ المائدة : ٨ ] ؛ أي قريب، وقوله تعالى :﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [ الروم : ٢٧] ؛ أي هين(٣)، والله تعالى أعلم.
- - -
سورة النساء
٣٥-١- قال تعالى :﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ... الآية ﴾ [ النساء : ١١].
موهم التعارض من السنة :
١- عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال :" لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم "(٤).
(٢) عمدة القاري ١٦/١٩٥.
(٣) انظر الكلام على هذه النظائر فما يلي : معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤/١٨٣، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/٦٢.
(٤) أخرجه البخاري في الفرائض، باب لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، رقم ( ٦٧٦٤) ٨/١٥٦، ومسلم في الفرائض، رقم (١٦١٤) ٣/١٢٣٣.
ظاهر قوله تعالى :﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ يدل على حل أكل الصيد مطلقاً، سواء جُرح وأُنهر دمه، أولم يُجرح و يُنهر دمه ؛ بأن قتله الجارح بثقله وصدْمه، أو الآلة بعرضها ونحو ذلك ؛ لأن ( ما ) في قوله :﴿ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ موصوله فتفيد العموم، فتشمل ما جُرح وما لم يُجرح، والحديثان يدلان على أن الصيد لا يحل إلا إذا أُنهر دمه، فيفهم من ذلك أن ما لم يُجرح ويُنهر دمه لا يحل(١).
دفع موهم التعارض :
لقد رتب الله سبحانه وتعالى حل أكل الصيد على مجموع أمرين : ذكر اسم الله عليه عند الصيد، وإنهار دمه بجرحه في أي موضع من بدنه(٢)، فقال تعالى :﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة : ٤].
ففُسر لفظ :﴿ yح'#uqpgّ:$# ﴾ بأنها ما تجرح بناب أو مخلب، فهي مشتقة من الجراحة، فينبغي أن تجرح، فيكون في ذلك إشارة إلى اشتراط جرح الصيد وإنهار دمه.
(٢) انظر : خلاف العلماء وأدلتهم في اشتراط إنهار الدم، وحكم أكل ما لم يجرح فيما يلي : الأم للشافعي ٢/٢٣٨، الاستذكار لابن عبد البر ٥/٢٦٦-٢٦٨، بداية المجتهد لابن رشد ( الهداية في تخريج أحاديث البداية ) ٦/٢٥٥، المغني لابن قدامة ١٣/٢٨٢، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٦/٧١، المجموع شرح المهذب للنووي ٩/١٠٢، ١٠٣، تبيين الحقائق للزيلعي ٦/٥٢، تفسير ابن كثير ٣/١٨-٢٠.
الوجه الأول : أن قوله تعالى :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ u ﴾ محمول على نفي الرؤية في الدنيا، بدليل ما جاء في الأحاديث الصحيحة، والصريحة التي تؤكد وقوع الرؤية في الآخرة، وما أجمع عليه أهل العلم من رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، كما سبق.
وهذا الوجه مروي عن ابن عباس - رضي الله عنه -، والحسن، ومقاتل(١)، وذهب إليه الإمام أحمد(٢)، وابن قتيبة(٣)، وعزاه ابن جرير إلى بعض أهل التأويل(٤)، واحتمله أبو الحسن
الأشعري(٥)، كما ذهب إليه ابن جزي(٦)، ونقله ابن حجر عن ابن بطال(٧).
قال ابن قتيبة :" وأما قوله تعالى :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾... فليس ناقضاً لقول رسول الله - ﷺ - :" ترون ربكم يوم القيامة " ؛ لأنه أراد جل وعز بقوله :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ u ﴾ في الدنيا "(٨).
(٢) انظر : الرد على الجهمية والزنادقة ص ١٣، ١٤.
(٣) انظر : تأويل مختلف الحديث ص ٢٩٨، ٢٩٩.
(٤) انظر : جامع البيان ٩/٤٦٤، النكت والعيون للماوردي ٢/١٥٢، المحرر الوجيز لابن عطية ٢/٣٣٠، تفسير القرآن العظيم ٣/٣٠٩.
(٥) انظر : الإبانة عن أصول الديانة ص٤٧.
(٦) انظر : التسهيل لعلوم التنزيل ١/٢٧١، روح المعاني للألوسي٧/٢٤٥، ٢٤٦، العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير ٢/٥٠٢.
(٧) انظر : فتح الباري ١٣/٤٢٦.
وابن بطال هو : أبو الحسن علي بن خلف بن بطال القرطبي ثم البلنسي، كان من أهل العلم والعناية بالحديث، له شرح صحيح البخاري، توفي سنة (٤٤٩هـ).
انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي ١٨/٤٧، شذرات الذهب لابن العماد ٢/٢٨٣.
(٨) تأويل مختلف الحديث ص ٢٩٨.
ألا إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله... ٧٠-١١٤
ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء... ٣٩٣
ألا تعلمين هذه رقية النملة... ٣٠٧
أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون... ١٢٠
أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له... ٣٩٧
أمر النبي - ﷺ - لعبدالله بن سعيد بن العاص ـ وكان كاتبا ـ أن يعلم الكتابة بالمدينة... ٣٠٨
أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله... ٢٦٩-٢٧٢
إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا... ٣٩٧
إن التجار هم الفجار... ٣٧٧
إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله... ٣٧٨
إن الله عز وجل وكّل بالرحم ملكاً... ١٣٧
إن الله عزّ وجل لم يهلك قوماً أو يعذب قوماً فيجعل لهم نسلاً... ٤٧٧
إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث... ٢٦-٢٧-٤٨-١٨١-١٨٢-١٨٤-١٨٥-١٨٦
إن الله لا يستحي من الحق... ٢٣٥
إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه... ٤٣-٥٥٦-٥٦٦
إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته... ١٩-٢٠
إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة... ٣٠٠
أن المشركين شغلوا النبي - ﷺ - يوم الخندق عن أربع صلوات... ٢٤٦
إن الميت ليعذب ببكاء الحي... ٥٥٢-٥٦٧
أن النبي - ﷺ - اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل... ٣٢٢
أن النبي - ﷺ - حاصر ثقيفاً في الطائف... ٢٢٢
أن النبي - ﷺ - قتل ابن خطل في المسجد الحرام... فقال :"اقتلوه"... ٢٠٧
أن النبي - ﷺ - قد رهن درعاً له بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيراً لأهله... ٧٨-٣٢٢
أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله... ٤٠٠
أن جميلة بنت سلول أتت النبي - ﷺ - فقالت : والله ما أعتب على ثابت... ٢٤٢
إن رجلاً أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف... ٤٨٢
إن رسول الله - ﷺ - نهى عن متعة النساء يوم خيبر... ٦٢-٣٦٢-٥٣٩
أن رسول الله - ﷺ - أُمر بالوضوء لكل صلاة... ٤٤٤
" التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، لعبد الرحيم بن الحسين العراقي، تحقيق : عبد الرحمن عثمان، مكتبة أنس بن مالك، القاهرة، ١٤٠٠هـ.
" تكملة فتح القدير، لمحمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية.
" التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق : عبدالله هاشم يماني المدني، ١٣٨٤هـ.
" تلقيح الفهوم بالمنطوق والمفهوم، لعبد الفتاح بن أحمد الدخميسي، دار الآفاق، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ.
" التمهيد في أصول الفقه، لمحفوظ بن أحمد أبو الخطاب الكلوذاني، تحقيق : مفيد أبو عمشة و محمد إبراهيم، دار المدني، جدة، الطبعة الأولى، ١٤٠٦هـ.
" التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، لعبد الرحيم بن الحسن الأسنوي، تحقيق : محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٤٠٧هـ.
" التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ليوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي، تحقيق : مصطفى العلوي و محمد البكري، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، ١٣٨٧هـ. وأخرى بتحقيق : أسامة إبراهيم، دار الفاروق، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ.
" تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة، لعلي بن محمد بن عراق، تحقيق : عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله بن محمد الصديق، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠١هـ.
" تنقيح تحقيق أحاديث التعليق، لمحمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق : أيمن شعبان، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ.
" تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله - ﷺ - من الأخبار، لمحمد بن جرير الطبري، تحقيق : محمود شاكر، نشر : جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.