والشكر موصول لفضيلة الشيخ الدكتور / عبد العزيز بن محمد السعيد رئيس قسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المشرف المساعد على هذا البحث، الذي أمدني بتوجيهاته السديدة وآرائه القويمة وملحوظاته الدقيقة، فأسأل الله أن يجزيه عني خير جزاء وأتمه.
ثم أتوجه بالشكر لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي أتاحت لي الفرصة لإكمال دراستي العليا، وأخص بذلك كلية أصول الدين ممثلة في عميدها ووكيليها، ورئيس وأعضاء قسم القرآن وعلومه.
كما لا يفوتني أن أشكر جميع من أعانني في بحثي هذا بإشارة أو إعارة، وأخص أهل بيتي لتهيئتهم لي الأجواء المناسبة لإنجاز هذا البحث، فلهم مني عبق الثناء وشذاه، ومن الله خير جزاء وأوفاه.
وفي نهاية هذه المقدمة لا يسعني إلا أن أقول كما قال الإمام الخطابي(١): " وكل من عثر منه على حرف أو معنى يجب تغييره فنحن نناشده الله في إصلاحه، وأداء حق النصيحة فيه، فإن الإنسان ضعيف لا يسلم من الخطأ إلا أن يعصمه الله بتوفيقه، ونحن نسأل الله ذلك ونرغب إليه في دركه إنه جواد وهوب "(٢).
والله أسأل أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله في ميزان حسناتي، وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد الرحمن بن صالح المحيميد
المعيد بقسم القرآن وعلومه بجامعة القصيم

(١) الخطابي هو: الإمام الحافظ أبوسليمان حَمْد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي، صاحب التصانيف التي منها : معالم السنن، وغريب الحديث، وأعلام الحديث في شرح البخاري، توفي سنة (٣٨٨هـ).
انظر : تذكرة الحفاظ للذهبي ٣/١٠١٨، شذرات الذهب لابن العماد ٢/١٢٨.
(٢) غريب الحديث ١/٤٩.

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى :﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [ البقرة : ١٩٦]، وقوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران : ٩٧]، ففي هاتين الآيتين أمر بأداء الحج والعمرة وإتمامهما، وهذا الأمر يقتضي الوجوب، غير أن الأمر فيهما جاء مجملاً، فلم تبين فيه كيفيتهما، ولم تفصل فيه الأحكام المتعلقة بهاتين الشعيرتين العظيمتين، وجاءت السنة النبوية مبينة لذلك الإجمال بأوضح بيان، ومفصلة لجميع الأحكام المتعلقة بالحج والعمرة في أحاديث كثيرة تراجع في مصادرها.
ولا شك أن أمثلة هذا الوجه كثيرة ؛ إذ غالب الأحكام من العبادات والمعاملات والجنايات وغيرها جاءت مجملة في القرآن الكريم، وبينها النبي - ﷺ - بقوله وفعله(١).
٦- تخصيص اللفظ العام، فإن من أوجه بيان السنة النبوية للقرآن أنها تخصص عمومه، وأمثلة ذلك كثيرة، منها قوله تعالى ـ بعد أن ذكر المحرمات من النساء ـ
﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ [النساء : ٢٤]، فهذه الآية عامة في حل جميع النساء عدا مَنْ ذكرن في نصها، وقد خصصت السنة عموم هذه الآية بقوله - ﷺ - :" لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها "(٢).
(١) انظر : الحديث والمحدثون لأبي زهو ص ٣٨، أصول الفقه الإسلامي ل د. الزحيلي١/٤٦٢، منزلة السنة من الكتاب وأثرها في الفروع الفقهية ل د. محمد سعيد منصور ص ٣٥٠-٣٩٧، السنة النبوية وبيانها للقرآن الكريم لمحمود عبد ربه ص١٠٩-٢٢٣، المجمل والمبين في القرآن الكريم لعمر حمزة ـ رسالة ماجستير في جامعة أم القرى غير مطبوعة ـ.
(٢) سيأتي تخريجه في الموضع رقم ( ٣٩) ص ٣٥٧.

٨- إن البحث فيما يتوهم من التعارض بين القرآن والسنة والتوفيق بينهما يظهر مدى اهتمام علماء الإسلام بمصدري التشريع ؛ وفهمهما فهماً صحيحاً، ويوضح ما بذلوه ويبذلونه في الدفاع عنهما.
وغير ذلك من الأمور التي تتضح بها أهمية البحث في ما يتوهم من التعارض بين القرآن والسنة، والتوفيق بينهما.
- - -
المبحث الثالث
اهتمام العلماء بدفع موهم التعارض بين القرآن والسنة
يعتبر دفع موهم التعارض بين القرآن والسنة جزءاً من موهم التعارض والاختلاف الذي هو نوع من أنواع علوم القرآن، وقد واكبت بداياته عهد النبوة وصدر الإسلام مما يعطيه بعداً تاريخياً، إذ تزامن ظهوره مع عناية الصحابة رضوان الله عليهم بتعلم القرآن وتعليمه ومحاولة فهمه ومعرفة تفسيره، حيث وجد في كلام النبي - ﷺ - إزالة ودفع ما قد يتوهم من التعارض بين القرآن الكريم وبين قوله أو فعله عن أذهان الصحابة رضوان الله عليهم، ومن ذلك ما جاء عن يعلى بن أمية - رضي الله عنه - قال : قلت : لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾
[ النساء : ١٠١]، فقد أمن الناس لِلَّهِ فقال : عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله - ﷺ - عن ذلك، فقال :" صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته "(١).
(١) سيأتي تخريجه في الموضع رقم ( ٤٨) ص٤١١.

فقد قال :" وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها "(١).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :" وأما شفاعته - ﷺ - لأهل الذنوب من أمته، فمتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم "(٢).
وإذا تبين ذلك ـ وهو ثبوت الشفاعة يوم القيامة بالكتاب والسنة والإجماع ـ فإنه يبقى توجيه الآيات النافية للشفاعة، وقد سلك أهل العلم في توجيهها مسلك الجمع بينها وبين الآيات والأحاديث التي تدل على إثبات الشفاعة في الآخرة، وذكروا في ذلك وجوهاً منها ما يلي :
الوجه الأول : أن نفي وجود الشفاعة يوم القيامة المذكور في الآيات السابقة، إنما هو نفي للشفاعة في حق الكفار والمشركين فقط، بخلاف الموحدين، فإن الشفاعة ثابتة لهم حتى ولو كانوا عصاة، كما دلت على ذلك النصوص المثبتة للشفاعة في القرآن والسنة(٣).
قال الآجري بعد أن ساق عدداً من الآيات النافية للشفاعة والشفيع يوم القيامة :" هذه كلها أخلاق الكفار، فقال عز وجل :﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ فدل على أن لابد من شفاعة، وأن الشفاعة لغيرهم، لأهل التوحيد خاصة "(٤).
وقال ابن حزم :" فقد صحت الشفاعة بنص القرآن، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فصح يقيناً أن الشفاعة التي أبطلها الله عز وجل، هي غير الشفاعة التي أثبتها عز وجل، وإذ لا شك في ذلك، فالشفاعة التي أبطل عز وجل هي الشفاعة للكفار الذين هم مخلدون في النار "(٥).
(١) إكمال المعلم بفوائد مسلم ١/٥٦٥.
(٢) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص ١٢، وانظر : الرد على البكري لابن تيمية ١/٣٨٩.
(٣) انظر : قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص١٣.
(٤) كتاب الشريعة ٣/١٢٠٧.
(٥) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢/٣٦٧.

وأما الوجه الثاني فضعيف ؛ ووجه استدلالهم بقول النبي - ﷺ - :" لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " وقولهم : إن معنى الحديث :" لا يقتل مؤمن بكافر حربي، ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي "، بعيد لأمرين :
١- أن قوله - ﷺ - :" ولا ذو عهد في عهده " كلام تام مسوق لمجرد النهي عن قتل المعاهد، فلا يحتاج إلى تقدير أصلاً، سيما وقد تقرر أن التقدير خلاف الأصل، ولا يصار إليه إلا لضرورة، ولا ضرورة هنا.
ويؤيد ذلك أن النبي - ﷺ - قال :" لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " يوم الفتح بسبب القتيل الذي قتلته خزاعة، وكان له عهد، فأشار بقوله :" لا يقتل مؤمن بكافر " إلى تركه الاقتصاص من الخزاعي بالمعاهد الذي قتله، وبقوله :" ولا ذو عهد في عهده " إلى النهي عن الإقدام على ما فعله القاتل المذكور.
٢- أنه لا يلزم اشتراك المعطوف والمعطوف عليه إلا في الحكم الذي لأجله وقع العطف، وهذا هو الصحيح من كلام المحققين من النحاة(١)، والحكم هنا هو النهي عن القتل مطلقا ً، من غير نظر إلى كونه قصاصاً أو غير قصاص، فلا يستلزم كون أحد الجملتين في القصاص أن تكون الأخرى مثلها حتى يثبت ذلك التقدير(٢).
(١) انظر : شرح الرضي لكافية ابن الحاجب ١/٢/١٠٢٨-١٠٣٠.
(٢) انظر : نيل الأوطار للشوكاني ٧/١٥٢، ١٥٣.

وإذا تمهد هذا فقد سلك أهل العلم في دفع ما يتوهم من التعارض بين قوله تعالى :﴿ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [ البقرة : ١٩١] وبين أمر النبي - ﷺ - بقتل ابن خطل عام الفتح في المسجد الحرام، مسلك الجمع، وذكروا في الجمع بينهما وجهين هما :
الوجه الأول : أن الآية محكمة، وتدل على تحريم القتال في الحرم ابتداءً، أما إذا بدأ المشركون أو غيرهم من الأعداء بالعدوان فيباح لنا قتالهم فيه ؛ عملاً بالآية الكريمة، ويحمل قتل النبي - ﷺ - ابن خطل في الحرم عام الفتح على أنه خاص بالنبي - ﷺ -، وقد وقع في الساعة التي أباح الله له القتال فيها، فقد أحل الله له القتال في الحرم ساعة من نهار ثم حرمه إلى يوم القيامة، كما جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال يوم الفتح :" فإن هذا بلد حرمه الله، يوم خلق السماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لا يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة... "(١).
ومما يدل على الخصوصية ما رواه أبو شريح(٢)
(١) أخرجه البخاري في جزاء الصيد، باب لا يحل القتال بمكة، رقم (١٨٣٤) ٣/١٤، ومسلم في الحج، رقم (١٣٥٣) ٢/٩٨٦.
(٢) أبو شريح : اختلف في اسمه، والأشهر أنه خويلد بن عمرو بن صخر الخزاعي الكعبي، صحابي أسلم قبل فتح مكة، وحمل أحد ألوية بني كعب يوم الفتح، توفي - رضي الله عنه - سنة (٦٨هـ).
انظر : أسد الغابة لابن الأثير٦/١٧٥، الإصابة لابن حجر ٧/١٧٣.

١- عن جابر - رضي الله عنه - قال : جاء عمر يوم الخندق، فجعل يسب كفار قريش، ويقول : يا رسول الله، ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب، فقال النبي - ﷺ - :" وأنا والله ما صليتها بعد "، قال : فنزل إلى بُطْحان(١)فتوضأ، وصلى العصر بعد ما غابت الشمس، ثم صلى المغرب بعدها(٢).
٢- عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن المشركين شغلوا النبي - ﷺ - يوم الخندق عن أربع صلوات، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، قال : فأمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء(٣).
(١) بُطْحان : بالضم ثم السكون عند المحدثين، وحكى أهل اللغة بَطِحان بفتح أوله وكسر ثانيه، وهو وادٍ في المدينة يبدأ من الحرة جنوب المدينة، ويسمى بالسيح. انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، مادة
( بطح )، معجم البلدان للحموي ١/٤٢٦، معجم الأمكنة الواردة في صحيح البخاري لابن جنيدل ص ٧٩-٨١.
(٢) أخرجه البخاري في صلاة الخوف، باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو، رقم (٩٤٥) ٢/١٥، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، رقم (٦٣١) ١/٤٣٨.
(٣) أخرجه أحمد في المسند، رقم ( ٣٥٥٥) ٦/١٧، والترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ، رقم (١٧٩) ١/٣٣٧، والنسائي في الأذان، باب الاجتزاء لذلك كله بأذان واحد، والإقامة لكل واحدة منهما، رقم (٦٦٢) ٢/١٧-١٨، من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه - رضي الله عنه -.
والحديث قال عنه الترمذي في جامعه١/٣٣٨ :" حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه "، وقال البيهقي في السنن الكبرى ١/٥٩٢ :" رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه... إلا أن أبا عبيدة لم يدرك أباه، وهو مرسل جيد "، ونقل عنه ابن الملقن في خلاصة البدر المنير ١/١٠٠ أنه قال في خلافياته :" رواته كلهم ثقات "، وقال النووي في الخلاصة ١/٣٠١: " وهو منقطع ؛ لأن أبا عبيدة لم يدرك أباه "، وقال الشوكاني في النيل ١/٣٩٧ :" إسناده لا بأس به ".

٢- عن عمرو بن شعيب(١)عن أبيه(٢)عن جده(٣)قال : قال رسول الله - ﷺ - " ليس للقاتل شيء، وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه، ولا يرث القاتل شيئاً "(٤).
(١) عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي، أبو إبراهيم، سكن مكة، وكان يخرج إلى الطائف إلى ضيعة له، روى عن أبيه، قال البخاري :" رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهوية، وأبا عبيد، وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين "، مات سنة (١١٨هـ). انظر : الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٦/٢٣٨، التاريخ الكبير للبخاري ٦/١٥٧، التقريب والتهذيب لابن حجر ص ٤٢٣.
(٢) أبيه : هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي، وقد ينسب إلى جده، يروي عن جده وابن عباس وابن عمر، صدوق ثبت سماعه من جده. انظر : الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٤/٣٥١، التاريخ الكبير للبخاري ٢/٥٨٦، تقريب التهذيب لابن حجر ص ٢٦٧.
(٣) جده : يحتمل أن المراد جد شعيب وهو عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي المشهور، ويحتمل أن المراد جد عمرو، وهو محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي الطائفي، مقبول.
انظر : تهذيب الكمال للمزي ٢٥/٥١٤، تقريب التهذيب لابن حجر ص ٤٨٩.
(٤) أخرجه أبو داود في الديات، باب ديات الأعضاء، رقم (٤٥٦٤) ٤/١٨٩، من طريق شيبان بن فروخ عن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
والحديث بهذا الإسناد صححه أحمد شاكر في تحقيقه للرسالة للشافعي ص ١٧٢، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير ٢/٩٥٤، وأعله الزيلعي في نصب الراية ٤/٣٢٩ بمحمد بن راشد الدمشقي.
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب الفرائض، باب توريث القاتل، رقم (٦٣٦٧) ٤/٧٩، من طريق إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
والحديث بهذا الإسناد قال عنه النسائي كما في تحفة الأشراف للمزي ٦/٣٤١ بعد أن رواه بسنده عن عمرو بن شعيب عن عمر :" وهو الصواب وحديث إسماعيل خطأ "، وضعفه بن القطان في بيان الوهم والإيهام= =٣/٢١٧، والزركشي في المعتبر ص ١٦٨، وابن كثير في تحفة الطالب ص ٢٧٢ بأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين، وهي ضعيفة.
وقال ابن حجر في بلوغ المرام ٢/٦٦٠ :" والصواب وقفه على عمرو ".
والحديث قال عنه ابن عبد البر في التمهيد ٢٣/٤٣٧ :" وهو حديث مشهور عند أهل العلم، بالحجاز والعراق مستفيض عندهم، يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه، حتى يكاد أن يكون الإسناد في مثله لشهرته تكلفاً "، وقال الألباني في الإرواء ٦/١١٨ :" وأما الحديث نفسه فهو صحيح لغيره، فإن له شواهد يتقوى بها ".

قال الجصاص بعد أن فسر الجوارح بالكواسب :" وقيل في الجوارح إنها ما تجرح بناب أو مخلب، ... وإذا كان الاسم يقع عليهما فليس بممتنع أن يكونا مرادين باللفظ، فيريد بالكواسب ما يكسب بالاصطياد، فيفيد الأصناف التي يصطاد بها من الكلاب، والفهود، وسباع الطير، وجميع ما يقبل التعليم، ويفيد مع ذلك في شرط الذكاة وقوع الجراحة بالمقتول من الصيد، وأن ذلك شرط ذكاته، ويدل أيضاً على أن الجراحة مرادة حديث النبي - ﷺ - في المعراض أنه إن خزق بحده فكل، وإن أصابه بعرضه فلا تأكل، ومتى وجدنا للنبي - ﷺ - حكماً يواطىء معنى ما في القرآن، وجب حمل مراد القرآن عليه، وأن ذلك مما أراد الله تعالى به "(١).
كما يدل لذلك ما جاء في حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - من قول النبي - ﷺ - :" ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل "، وقوله - ﷺ - في حديث عدي - رضي الله عنه - لما سأله عن الصيد بالمعراض :" كل ما خزق، وما أصاب بعرضه فلا تأكل ".
فقد علق النبي - ﷺ - إباحة الأكل مما صاده المعراض على الخزق، وهو النفاذ والجرح، فدل على أنه مع عدم الجرح لا يؤكل، والمعراض آلة من آلات الصيد، ووسيلة من وسائله كالكلب والطير، وبهذا تكون الآية موافقة لحديثي رافع بن خديج وعدي بن حاتم رضي الله عنهما في اشتراط إنهار الدم، وأن ما لم يُجرح ويُنهر دمه لا يحل.
(١) أحكام القرآن ٣/٣٠٩.

وقال ابن جرير :" وقال آخرون : معنى ذلك لا تدركه أبصار الخلائق في الدنيا، وأما في الآخرة فإنها تدركه... قالوا : وقد أخبر الله أن وجوها يوم القيامة إليه ناظرة، قالوا : فمحال أن تكون إليه ناظرة، وهي له غير مدركة رؤية، قالوا : وإذا كان ذلك كذلك، وكان غير جائز أن يكون في أخبار الله تضاد وتعارض، وجب وصح أن قوله :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ u ﴾ على الخصوص، لا على العموم، وأن معناه : لا تدركه الأبصار في الدنيا، وهو يدرك الأبصار في الدنيا والآخرة "(١).
الوجه الثاني : أن قوله تعالى :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ u ﴾ عام يراد به الخصوص ؛ أي لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة، أما أبصار المؤمنين فإنها تراه في الآخرة.
ويدل لذلك قوله تعالى عن الكفار :﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
[ المطففين: ١٥].
وهذا الوجه عزاه ابن جرير إلى بعض أهل التأويل(٢)، واحتمله أبو الحسن الأشعري(٣)، وذكره الماوردي(٤)، وابن عطية(٥).
الوجه الثالث : أن قوله تعالى :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ u ﴾ عام في نفي رؤية جميع الأبصار لله سبحانه وتعالى ؛ لأن لفظ ( الأبصار ) معرف بأل الاستغراقية، فيشمل جميع الأبصار المؤمنة والكافرة، وهذا العموم مخصص بالأدلة من القرآن والسنة التي تثبت رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة.
(١) جامع البيان ٩/٤٦٤.
(٢) انظر : جامع البيان ٩/٤٦٥.
(٣) انظر : الإبانة عن أصول الديانة ص ٤٧.
(٤) انظر : النكت والعيون ٢/١٥٢.
(٥) انظر : المحرر الوجيز ٢/٣٣٠.

أن رسول الله - ﷺ - قبَّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة... ٢٨٤
أن رسول الله - ﷺ - كان يدركه الفجر وهو جنب... ١٨٩
أن رسول الله - ﷺ - نهى عن بيع حبل الحبلة... ٢٩٩
أن رسول الله قضى بيمين وشاهد... ٣١٢
إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها... ٣٧٢
إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش... ٤٣١
أن يهودياً رضّ رأس جارية بين حجرين... ١٧٨
إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب... ٣٠٦
أنا سيد ولد آدم يوم القيامة... وأول شافع، وأول مشفع... ١٢٠
أنا ولد سيد آدم ولا فخر... ٣٩٦
إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر... ٥١٩
إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار... ٢٠٤
إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن... ٥٦٤
أنهلك وفينا الصالحون، قال : نعم إذا كثر الخبث... ٥٦٦
إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم... ٢٣
إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع بالنساء... ٣٦٢
إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة... ٥١٧
أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفاً... ٥٦٢
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم... ٥٥٣
بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله... ١٧
تخلف رسول الله - ﷺ - وتخلفت معه فلما قضى حاجته قال : أ معك ماء... ٤٦٢
تسحرنا مع رسول الله - ﷺ -، وكان النهار إلا أن الشمس لم تطلع... ٤٧-١٩٩-٢٠١
الثلث والثلث كثير... ٢٦-٧٣-٣٤٨
حُبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب... ٢٤٦
الحج جهاد والعمرة تطوع... ٢١٦
خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً... ٢٧
خرجنا مع النبي - ﷺ - فكان يصلي ركعتين ركعتين... ٤٠٨
خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه... ٤٨٩
ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أولم يذكر... ٥٢٨
الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر... ٢٨٦
الذهب بالذهب وزناً بوزن، مثلاً بمثل... ٢٨٦-٢٩٢
" تهذيب التهذيب، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق : إبراهيم الزيبق وعادل مرشد، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٦.
" تهذيب السنن ( حاشيه ابن القيم على سنن أبي داود )، مطبوع مع عون المعبود، تحقيق : عبد الرحمن بن محمد عثمان، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٣٩٩هـ.
" تهذيب الكمال، ليوسف بن عبدالرحمن المزي، تحقيق : بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٠هـ.
" تهذيب اللغة، لمحمد بن أحمد الأزهري، تحقيق : عبد السلام هارون، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، ١٣٨٤هـ.
" توجيه النظر إلى أصول الأثر، لطاهر بن محمد بن صالح الجزائري، اعتنى به : عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤١٥هـ.
" التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، لمحمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، تحقيق : عبد العزيز الشهوان، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة السادسة، ١٤١٧هـ.
" تيسير البيان لأحكام القرآن، لمحمد بن علي الموزعي، تحقيق : أحمد المقري، نشر : رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، ١٤١٨هـ.
" تيسير التحرير شرح كتاب التحرير، لمحمد أمين المعروف بأمير بادشاه الحنفي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ١٣٥١هـ.
" تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة السابعة، ١٤٠٨هـ.
" تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق : عبد الرحمن اللويحق، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ.
" الثقات، لمحمد بن حبان بن أحمد البستي، تحقيق : السيد شرف الدين أحمد، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، ١٣٩٥هـ.


الصفحة التالية
Icon