١- قوله تعالى :﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [ النساء : ٨٢ ].
فمفهوم الآية أن القرآن من عند الله، فلا اختلاف فيه إذاً، والتعارض بجميع أنواعه سبب للاختلاف فهو منتفٍ فيما بين نصوص القرآن، أو فيما بينها وبين صحيح السنة النبوية.
قال ابن كثير :" يقول تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن... ومخبراً لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب ؛ ولا تضاد ولا تعارض ؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من حق ؛ ولهذا قال تعالى :﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ ﴾ ثم قال :﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ ﴾ ؛ أي لو كان مفتعلاً مختلقاً كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم ؛ ﴿ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾، أي اضطراباً وتضاداً كثيراً ؛ أي وهذا سالم من الاختلاف ؛ فهو من عند الله "(١).
٢- قوله تعالى :﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [ النجم : ٣، ٤]. فهذه الآية تدل على أن السنة وحي من الله، وما كان وحياً فهو منزه عن الاختلاف والتعارض فيما بين نصوصه، سواء أكان هذا الوحي قرآناً أم سنة.

(١) تفسير القرآن العظيم ٢/٣٦٥، ٣٦٦.

وقال تعالى :﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [ آل عمران : ١٦٩].
موهم التعارض من السنة :
عن جابر - رضي الله عنه - قال : لقيني رسول الله - ﷺ - فقال :" يا جابر مالي أراك منكسراً ؟ "، قلت : استشهد أبي، قتل يوم أحد، وترك عيالاً وديناً، قال:" أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك ؟ "، قال : قلت : بلى يا رسول الله، قال :" ما كلم الله أحداً قط، إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحاً(١)، فقال : يا عبدي، تمنَّ علي أعطك، قال: يا رب، تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرب عز وجل : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون "، قال : وأنزلت هذه الآية :﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا.. الآية ﴾ (٢).
(١) كفاحاً : أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول، كما في النهاية لابن الأثير، مادة ( كفح ).
(٢) أخرجه أحمد في المسند، رقم (١٤٨٨١) ٢٣/١٦٣، من طريق علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن محمد بن علي السلمي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر - رضي الله عنه -.
وأخرجه الترمذي في تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة، رقم (٣٠١٠) ٥/٢٣٠، وقال :" هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر شيئاً من هذا، ولا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم، ورواه علي بن عبد الله بن المديني وغير واحد من كبار أهل الحديث، هكذا عن موسى بن إبراهيم ".
وأخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، رقم ( ١٩٠) ١/٦٨، كلاهما من طريق يحيى بن حبيب عن موسى بن إبراهيم بن كثير عن طلحة بن خراش عن جابر - رضي الله عنه -.
والحديث بهذا الإسناد حسنه الترمذي كما في تخريجه، وصححه ابن حبان في صحيحه ١٥/٤٩٠، والحاكم في المستدرك ٣/٢٢٤ وقال :" حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، وحسن إسناده الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة رقم (٦٠٢) ص ٢٦٧، وصححه في صحيح الجامع الصغير ٢/١٣٠٩.
وضعفه البوصيري في مصباح الزجاجة ١/٦٩ بموسى بن إبراهيم وطلحة بن خراش.
وموسى بن إبراهيم بن كثير ذكره ابن حبان في الثقات ٧/٤٤٩، وقال :" كان ممن يخطيء "، وقال ابن حجر في التقريب ص ٥٤٩ :" صدوق يخطيء "....... =
= كما قال ابن حجر في التقريب ص ٢٨٢ عن طلحة بن خراش :" صدوق "....
وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٣/٢٩٨ و الحاكم أيضاً رقم (٤٩١١) ٣/٢٢٣ من طريق الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها وقال :" حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، وقال ابن القيم في حادي الأرواح ص ٢٢٦: " إسناده صحيح ".

وجه التعارض المتوهم :
اشتملت الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين، وذلك يشمل كل والد ووالدة وكل قريب، سواء أكان وارثاً أم غير وارث ؛ لأن لفظي ( الوالدين والأقربين ) في الآية معرفان بـ (أل) الاستغراقية، والمعرف بأل الاستغراقية من صيغ العموم، والحديث فيه النهي عن الوصية للوارثين عموماً، ويدخل في ذلك الوالدان ومن يرث من الأقربين(١).
دفع موهم التعارض :
سلك أهل العلم في دفع ما يتوهم من التعارض بين الآية والحديث مسلكي الجمع و النسخ، وذلك كما يلي :
أولاً : مسلك الجمع بين الآية والحديث، وإليه ذهب جماعة من أهل العلم، ولكنهم اختلفوا في الجمع على وجوه، منها ما يلي :
الوجه الأول : أن الآية عامة في وجوب الوصية للوالدين والأقربين، وهذا العموم خصصته آيات المواريث، وقول النبي - ﷺ - :" لا وصية لوارث " بالوالدين غير الوارثين كالكافرين والعبدين، ومن لا يرث من الأقربين.
(١) وقد ذكر ما قد يتوهم من التعارض بين الآية والحديث ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص ٢٧٩، وأشار إليه جماعة من أهل العلم منهم الطحاوي في شرح مشكل الآثار ٩/٢٦٤، والنحاس في الناسخ والمنسوخ في كتاب الله ١/٤٨٠-٤٨٦، والجصاص في أحكام القرآن ١/٢٠٢-٢٠٦، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص١٤١ -١٤٤، وابن عبد البر في الاستذكار ٧/٢٦٣، وابن عطية في المحرر الوجيز ١/٢٤٨، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ١/٢٢٣، والقرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٤/٥٤١، وابن كثير في تحفة الطالب ص ٣٤٥ وفي التفسير ١/ ٤٩٦، والسعدي في تيسير الكريم الرحمن ص ٨٥، والشنقيطي في = = دفع إيهام الاضطراب ص ٢٦، ومصطفى زيد في النسخ في القرآن الكريم ٢/٥٩٥، وابن عثيمين في تفسيره ٢/٣٠٦.

فهذه الآيات قد تضمنت تعظيم الأشهر الحرم وتحريم القتال فيها، وقد جاء في الخبر عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - لم يكن يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى، أو يغزو فإذا حضر ذاك أقام حتى ينسلخ(١).
وقد كان عطاء بن أبي رباح يحلف بالله إنه لا يحل للناس أن يغزو في الشهر الحرام، ولا أن يقاتلوا فيه(٢).
هذا وقد سلك أهل العلم في دفع ما يتوهم من التعارض بين قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ [ البقرة : ٢١٧] وبين فعل النبي - ﷺ - حين حاصر ثقيفاً في شهر حرام، هو شهر ذي القعدة، مسلكين هما : الجمع والنسخ، وذلك كما يلي :
أولاً : مسلك الجمع بين الآية وفعل النبي - ﷺ -، وذلك أن يقال :
إن الآية محكمة وتدل على تحريم القتال في الأشهر الحرم، وحصار النبي - ﷺ - ثقيفاً في الطائف لا يدل على جواز بدء القتال في الأشهر الحرم، بل هو محمول على أمرين لا تنافي بينهما وهما :
(١) أخرجه أحمد في مسنده، رقم (١٤٥٨٣ ) ٢٢/٤٣٨، والحديث قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد ٦/٦٦: " رجاله رجال الصحيح ".
(٢) أخرج ذلك عنه ابن جرير في جامع البيان ٣/٦٦٣.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه، وأفضل أنبياءه هم المرسلون منهم، وأفضل المرسلين أولوا العزم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم "(١).
وأجمعوا أيضاً على أن نبينا محمداً - ﷺ - أفضل الخلق بما في ذلك أولوا العزم، كما دلت على ذلك الأحاديث المتقدمة وغيرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" وأفضل أولي العزم محمد - ﷺ -، خاتم النبيين، وإمام المتقين "(٢).
وقال ابن كثير بعد ما ذكر أن أولي العزم أفضل الرسل :" ولا خلاف أن محمداً - ﷺ - أفضلهم "(٣).
وإذا تبين هذا ـ وهو ثبوت المفاضلة بين الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بالكتاب والسنة والإجماع ـ فإنه يبقى توجيه أحاديث النهي عن التفضيل.
وقد سلك أهل العلم في توجيهها مسلكي الجمع و النسخ، وذلك كما يلي :
أولاً : مسلك الجمع بينها وبين الآيات والأحاديث التي تفيد ثبوت التفضيل وجوازه، وإليه ذهب أكثر أهل العلم، ولكنهم اختلفوا في الجمع على وجوه منها ما يلي :
الوجه الأول : أن النهي عن التفضيل والمنع منه إذا كان على وجه الحمية والعصبية والفخر، ومجرد الرأي والتشهي، لا بمقتضى الدليل.
أما إذا كان على سبيل الخبر معتمداً على دليل فإن التفضيل جائز.
وإلى هذا ذهب الطحاوي(٤)، وابن كثير(٥)، وهو قول لابن أبي العز(٦)،
(١) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص ١٠.
(٢) المرجع السابق ص ١١.
(٣) تفسير القرآن العظيم ٥/ ٨٨.
(٤) انظر : شرح مشكل الآثار ٣/ ٥٧، تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين ٣/ ٢٣٩.
(٥) انظر : تفسير القرآن العظيم ٥/ ٨٧.
(٦) انظر : شرح العقيدة الطحاوية ١/ ١٥٩، كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي ٣/ ١٤٤، فتح الباري لابن حجر ٦/ ٤٤٦، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا علي القاري ١٠/ ٣٨١.
وابن أبي العز هو : علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي الدمشقي الفقيه، أفتى وتولى القضاء بدمشق ثم بمصر، له شرح على العقيدة الطحاوية، توفي سنة ( ٧٩٢هـ).
انظر : شذرات الذهب لابن العماد ٣/ ٣٢٦، الأعلام للزركلي ٤/ ٣١٣.

وإذا تقرر هذا فقد ذكر أهل العلم عدة مقتضيات لتقديم الوصية على الدين في الذكر ـ مع أنه مقدم عليها في الحكم ـ منها ما يلي(١):
١- قدم الوصية اهتماماً بها، وندباً إليها ؛ لأنها أقل لزوماً من الدين.
قال الزمخشري :" لما كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض، كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم ولا تطيب أنفسهم بها، فكان أداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فلذلك قدمت على الدين بعثاً على وجوبها، والمسارعة إلى إخراجها مع الدين "(٢).
٢- قدم الوصية لأنها أكثر وجوداً ووقوعاً، فهي كاللازم لكل ميت، وأخر الدين لندرته، إذ قد يكون وقد لا يكون.
٣- قدم الوصية لأنها حظ مساكين وضعاف، فيقل من يطالب بها، بخلاف الدين فإن صاحبه يطلبه بقوة وسلطان.
٤- لما كانت الوصية ينشئها الإنسان من قبل نفسه قدمها، والدين ثابت مؤدى ذكره أولم يذكره.
إلى غير ذلك من المقتضيات التي من أجلها قدمت الوصية في الآية على الدين، وإن كان الدين مقدماً عليها في الإخراج، كما سبق بيانه.
- - -
(١) انظر مقتضيات تقديم ذكر الوصية على الدين في الآية فيما يلي : الكشاف للزمخشري ٢/٣٦، ٣٧، أحكام القرآن لابن العربي ١/٤٤٥، المحرر الوجيز لابن عطية ٢/١٧، التفسير الكبير للرازي ٣/٥١٨، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٥/٧٣، ٧٤، الفرائض وشرح آيات الوصية للسهيلي ص ٤٩، مدارك التنزيل للنسفي ص ٢١٤، التسهيل لابن جزي ١/١٨١، الكاشف عن حقائق السنن للطيبي ٧/٢٢٤٦، البحر المحيط لأبي حيان ٣/٢٥٩، أنوار التنزيل للبيضاوي ١/٣٣٧، فتح الباري لابن حجر ٥/٣٧٨، سبل السلام للصنعاني ٣/١٦٩، ١٧٠، فتح القدير للشوكاني ١/٤٣٣، روح المعاني للألوسي ٤/٢٢٧، تحفة الأحوذي للمباركفوري ٦/٣١٥، تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص ١٦٧.
(٢) الكشاف ٢/٣٦، ٣٧.

وأما الوجه الرابع فقد استبعده غير واحد من المفسرين(١)، فقال الزمخشري :" فإن قلت : هل يجوز أن يكون الأمر شاملاً للمحدثين وغيرهم، لهؤلاء على وجه الإيجاب، ولهؤلاء على وجه الندب ؟ قلت : لا ؛ لأن تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز والتعمية "(٢).
واستبعاد ذلك الوجه مبني على المنع من حمل المشترك على معنييه جميعاً، وأما من أجاز حمل المشترك على معنييه فهو يقبل هذا الوجه.
قال ابن المنير :" الزمخشري أنكر أن يراد بالمشترك كل واحد من معانيه على الجمع، وقد سبق له إنكار ذلك، ومن جوَّز إرادة جميع المحامل، أجاز ذلك في الآية، ومن المجوزين لذلك الشافعي رحمه الله تعالى، وناهيك بإمام الفن وقدوته، هذا إذا وقع البناء على أن صيغة ( افعل ) مشتركة بين الوجوب والندب، صح تناولها في الآية للفريقين المحدثين والمتطهرين، وتناولها للمتطهرين من حيث الندب، والله أعلم "(٣).
وأما الوجه الخامس فضعيف، فإن الخطاب في الآية للمؤمنين والأمر لهم، وليس الخطاب خاصاً للنبي - ﷺ -، حتى يستساغ حمل الآية على هذا الوجه(٤).
وأما مذهب النسخ فيمكن مناقشته بما يلي :
١- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا غير متعذر، وقد سبق بيانه.
(١) انظر : البحر المحيط لأبي حيان٣/٦٠٧، إرشاد العقل السليم لأبي السعود ٢/٢٤٢، روح المعاني للألوسي٦/٧٠.
(٢) الكشاف ٢/٢٠٣.
(٣) الانتصاف ( الكشاف ٢/٢٠١). وانظر : إرشاد الساري للقسطلاني ١/٢٨٦، محاسن التأويل للقاسمي٤/٦٣.
(٤) انظر : فتح القدير للشوكاني ٢/١٧، التحرير والتنوير لابن عاشور ٦/١٢٨.

عن عكرمة عن ابن عباس :﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى َOخgح !$u‹د٩÷rr& ﴾ [ الأنعام : ١٢١]، قال : كانوا يقولون : ما ذكر اسم الله عليه فلا تأكلوه، وما لم يذكر اسم الله عليه فكلوه، فقال الله تعالى :﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ فأخبر ابن عباس في هذا الحديث أن المجادلة منهم كانت في ترك التسمية، وأن الآية نزلت في إيجابها، لا من طريق ذبائح المشركين، ولا الميتة "(١).
وقال المنبجي :" ولا يجوز حمل الآية على تحريم الميتة ؛ لأنه صرف الكلام إلى مجازه مع إمكان الإجراء على حقيقته، كيف وتحريم الميتة منصوص عليه في الآية "(٢).
وأما استدلالهم بقوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾، وقولهم إن أكل ذبيحة المسلم الذي ترك التسمية لا يعد فسقاً، وأن ذلك محل إجماع، ففيه نظر، فإطلاق اسم الفسق على تارك ما فرضه الله عليه غير ممتنع شرعاً، كما قال ذلك الشوكاني(٣).
وقال الجصاص :" قوله :﴿ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ عائد على الجميع من المسلمين وغيرهم، وقيام الدلالة على خصوص بعضهم، غير مانع بقاء حكم الآية في إيجاب التسمية على المسلم في الذبيحة، وأيضاً فإنا نقول من ترك التسمية عامداً مع اعتقاده لوجوبها هو فاسق، وكذلك من أكل ما هذا سبيله مع الاعتقاد ؛ لأن ذلك من شرطها فقد لحقته سمة الفسق، وأما من اعتقد أن ذلك في الميتة، أو ذبائح أهل الشرك دون المسلمين، فإنه لا يكون فاسقاً لزواله عن حكم الآية بالتأويل "(٤).
وبهذا يتبين ضعف الوجه الأول وأدلته.
(١) أحكام القرآن ٤/١٧١، ١٧٢، وانظر : أحكام القرآن لابن العربي ٢/٢٧٠ فقد قال :" وقصر اللفظ الوارد على السبب المورود عليه، إذا كان اللفظ مستقلاً، دون عطفه عليه، لا يجوز لغة ولا حكماً ".
(٢) اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ٢/ ٦٢٧.
(٣) انظر : فتح القدير للشوكاني ٢/١٥٨.
(٤) أحكام القرآن ٤/١٧٣.

" الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع والواهي، لمحمد بن محمد الحسيني الطرابلسي، تحقيق : محمد بكار، مكتبة الطالب الجامعي، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤٠٧هـ.
" كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، لإسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي، تحقيق : أحمد القلاش، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة، ١٤٠٥هـ.
" كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لمصطفى بن عبدالله القسطنطيني الرومي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١٣هـ.
" كشف المشكل من حديث الصحيحين، لعبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي، تحقيق : علي البواب، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ.
" الكفاية في معرفة أصول علم الرواية، لأحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي، تحقيق : إبراهيم الدمياطي، دار الهدى، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤٢٣هـ.
" اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق : صلاح عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ.
" لباب التأويل في معاني التنزيل، لعلي بن محمد الخازن البغدادي، تحقيق : عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٥هـ.
" اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، لعلي بن زكريا المنبجي، تحقيق : محمد فضل المراد، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية، ١٤١٤هـ.
" لسان العرب، لمحمد بن مكرم بن منظور، دار الفكر، بيروت.
" لسان الميزان، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق : دائرة المعارف النظامية بالهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت الطبعة الثالثة، ١٤٠٦هـ.
" اللمع في أصول الفقه، لإبراهيم بن علي الشيرازي، تحقيق : محيى الدين مستو ويوسف بديوي، دار ابن كثير، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٥هـ.


الصفحة التالية
Icon