٥- الرد على أعداء الإسلام ومن سار على نهجهم من المستشرقين والمستغربين، وإبطال شبهاتهم وادعاءاتهم حول تناقض نصوص القرآن والسنة، والتي ربما تعلق بها من رام هدم الدين أو التشكيك في مصادره الأصلية، وتتأكد الحاجة لمثل هذا البحث في هذا العصر الذي توالت فيه المخططات ضد الإسلام وأهله.
أسباب اختيار الموضوع :
يعود اختيار الموضوع إلى أمور منها :
١- أهمية الموضوع من الناحية العلمية وأحقيته بالبحث و الدراسة، وقد بينت ذلك من خلال ما سبق في أهمية الموضوع.
٢- خدمة كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ والدفاع عنهما، و بيان توافقهما وتعاضدهما وأنهما في غاية التناسق و الانسجام، وذلك بشكل موضوعي.
٣- ارتباط هذا الموضوع بالقرآن الكريم و السنة النبوية ارتباطاً وثيقاً بل بعلوم أخرى كالعقيدة و الفقه و أصوله مما يجعله جديراً بالعناية و الدراسة.
٤- تنمية قدراتي في التحليل و المناقشة و الجمع و الترجيح بين نصوص القرآن و السنة النبوية مما يعود عليّ بالفائدة في مجال تخصصي سيما و أني في بداية الدراسات العليا.
٥- إثراء المكتبة الإسلامية بمثل هذا البحث حيث إنه لا يوجد - حسب علمي واطلاعي - مؤلف مستقل يعنى بدفع ما يتوهم من التعارض بين نصوص القرآن والسنة، فلم يحفل هذا الموضوع بإفراد المتقدمين، ولا كتابة المعاصرين، فأحببت أن أضيف جديداً ينتفع الناس به.
الدراسات السابقة :
قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾ [الحجرات : ١٥]، وقوله تعالى :﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [ البقرة : ٤٣]، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [ البقرة : ١٨٣]، وقوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران : ٩٧].
٢- حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : كنا عند رسول الله - ﷺ - فقال :" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر " ـ ثلاثاً ـ قلنا : بلى يا رسول الله، قال :" الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور، وقول الزور، ـ وكان متكئاً فجلس ـ فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت "(١).
فهذا الحديث جاء مؤكداً للآيات الواردة في النهي عن الشرك بالله ؛ والتحذير منه ؛ وبيان عظم خطره، ومن هذه الآيات قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء : ٤٨]، فهذه الآية بينت عظم الإشراك بالله، وأنه الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله لمرتكبه، والحديث أكد معنى هذه الآية حيث قرر أن الشرك من أكبر الكبائر.

(١) أخرجه البخاري في الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، رقم (٢٦٥٤) ٣/١٧٢، ومسلم في الإيمان، رقم (٨٧) ١/٩١.

ومنه قوله تعالى :﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا ﴾ [البقرة : ٢٢٤] ؛ أي لا تجعلوا الحلف بالله معترضاً مانعاً لكم أن تبروا (١).
وقد جعل ابن العربي(٢) ( عرض ) بمعنى المنع، هو مرجع جميع المعاني التي تدل عليها فقال :" اعلموا ـ وفقكم الله تعالى ـ أن ( عرض ) في كلام العرب يتصرف على معان مرجعها إلى المنع ؛ لأن كل شيء اعترض فقد منع "(٣).
وعلى هذا فالدليلان المتعارضان يمنع كل واحد منهما مقتضى الآخر، ويعترض له ويحول دونه ودون مدلوله.
٤- الظهور : تقول : عرض له أمر كذا ؛ أي ظهر، وعرضت عليه أمر كذا ؛ أي أظهرته له وأبرزته له(٤).
ومنه قوله تعالى :﴿ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ﴾ [البقرة : ٣١].
قال القرطبي(٥): " تقول العرب : عرضت الشيء فأعرض ؛ أي أظهرته فظهر، ومنه عرضت الشيء للبيع "(٦).
(١) انظر : تهذيب اللغة، القاموس المحيط، مادة ( عرض ).
(٢) ابن العربي : هو القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن العربي المالكي الأندلسي، كان متبحراً بالعلم ثاقب الذهن، له تصانيف منها : أحكام القرآن، وعارضة الأحوذي شرح الترمذي، توفي سنة (٥٤٣هـ). انظر : وفيات الأعيان لابن خلكان ٤/١١٦، سير أعلام النبلاء للذهبي٢٠/١٩٧.
(٣) أحكام القرآن ١/٢٣٩.
(٤) الصحاح للجوهري، مادة ( عرض )، وانظر : العين للخليل بن أحمد، لسان العرب لابن منظور، القاموس المحيط للفيروز آبادي، كلها مادة ( عرض ).
(٥) القرطبي هو : أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري القرطبي، كان إماماً عالماً حسن التصنيف، من مصنفاته الجامع لأحكام القرآن، وكتاب التذكرة، توفي بمصر سنة (٦٧١هـ). انظر : شذرات الذهب لابن العماد ٥/٣٣٥، طبقات المفسرين للداودي ص ٣٤٧.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ١/٢٨٣.

لهذا الحديث بقوله :( باب ذكر فضائل هذه الأمة على سائر الأمم ) (١).
هذا وقد سلك أهل العلم مسلك الجمع في هذه المسألة، وذكروا في الجمع بين الآية والحديث وجهين هما :
الوجه الأول : أن قوله تعالى في ندائه لبني إسرائيل :﴿ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ عام يراد به الخصوص، فالمراد بالعالمين في الآية : عالمو زمانهم الموجودون وقت التفضيل، كما قال بذلك عامة المفسرين من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم(٢)، ويؤيد ذلك سياق الآيات حيث إن ( أل ) في العالمين للعهد.
وتفضيلهم بما منحهم الله من النعم المشار إليها بقوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [ المائدة : ٢٠ ].
قال ابن جرير :" وأخرج جل ذكره قوله :﴿ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ مخرج العموم وهو يريد به خصوصاً ؛ لأن المعنى : وأني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه "(٣).
(١) انظر : المستدرك على الصحيحين ٥/١١٣.
(٢) قال بهذا التفسير ابن عباس - رضي الله عنه -، وقتادة، وأبو العالية، ومجاهد، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، والحسن، وابن جريج، وتبعهم أكثر المفسرين. انظر : جامع البيان لابن جرير ١/٦٢٩-٦٣٠، المحرر الوجيز لابن عطية ١/١٣٩، زاد المسير لابن الجوزي ١/٧٦، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١/ ٣٧٦، البحر المحيط لأبي حيان ١/٢٧٧، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/ ٢٥٨، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي ١/٨٢، الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ١/١٥٢، فتح القدير للشوكاني ١/٨١.
(٣) جامع البيان ١/٦٢٩. وانظر : تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص ٢٨١.

وقد نفى أكثر أهل العلم ما يتوهم من التعارض في هذه المسألة من أصله حيث إن تحريم الدم ورد مطلقاً في سورة البقرة :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ﴾ [ آية : ١٧٣]، وفي سورة المائدة في قوله تعالى :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ... الآية ﴾ [ آية : ٣ ]، وفي سورة النحل في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ tP¤$!$#ur.. الآية ﴾ [ آية : ١١٥]، وجاء تحريمه مقيداً بكونه مسفوحاً في قوله تعالى :﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ ¾دmخ/... الآية ﴾ [الأنعام : ١٤٥]، فيحمل المطلق من هذه الآيات على المقيد إجماعاً ؛ لاتحاد الحكم والسبب(١)، فلا يحرم من الدم إلا ما كان مسفوحاً.
قال القرطبي :" ذكر الله سبحانه وتعالى الدم هاهنا مطلقاً، وقيده في الأنعام بقوله :﴿ مَسْفُوحًا ﴾ [الأنعام : ١٤٥] وحمل العلماء هاهنا المطلق على المقيد إجماعاً، فالدم هنا ـ يعني في آية البقرة ـ يراد به المسفوح "(٢).
(١) انظر : أحكام القرآن لابن العربي ١/٧٩، المنخول للغزالي ص ١٧٧، روضة الناظر ( نزهة الخاطر العاطر ١/١٩٢) الإحكام للآمدي ٣/٦، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٢/٢٢٢، كشف الأسرار على أصول البزدوي للبخاري ٢/٢٨٩-٢٩٠، إرشاد الفحول للشوكاني٢/٦، المطلق والمقيد وأثرهما في اختلاف الفقهاء للصاعدي ص ٢٢٦-٢٣٠.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٢/٢٢٢. وانظر : أحكام القرآن لابن العربي ١/٧٩، فتح القدير للشوكاني
١/١٦٩، ٢/١٧٢، الدماء في الإسلام لعطية محمد سالم ص ٤٤، ٤٥.

وما دلت عليه الآية وردت به الأحاديث الصحاح، فعن عائشة رضي الله عنها أن بلالاً كان يؤذن بليل، فقال رسول الله - ﷺ - :"كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر "(١).
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - ﷺ - :" لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا "، يعني معترضاً، وفي رواية :" لا يغرنكم نداء بلال، ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر، أو قال : حتى ينفجر الفجر "(٢).
فهذان الحديثان وغيرهما دليل على أن طلوع الفجر الصادق، هو الذي يحرم الطعام والشراب، وغيرهما من المفطرات، على من أراد الصيام.
(١) أخرجه البخاري في الصوم، باب قول النبي - ﷺ - :" لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال "، رقم (١٩١٨و١٩١٩) ٣/٢٩، ومسلم في الصيام، رقم (١٠٩٢) ٢/٧٦٨.
(٢) أخرجهما مسلم في الصيام، رقم (١٠٩٤) ٢/٧٧٠.

وغيرها من الأحاديث التي تدل على تحريم إتيان النساء في أدبارهن.
وجه التعارض المتوهم :
اختلف أهل العلم في المراد بقوله تعالى :﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ على أقوال منها ما يلي :
القول الأول : إن المراد بقوله تعالى :﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ أي من أي وجه شئتم وأحببتم، مقبلة أو مدبرة، وعلى كل حال، إذا كان ذلك في موضع الحرث، وهو القبل.
وهذا القول مروي عن ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والسدي(١)، واختاره ابن قتيبة(٢)، وابن جرير(٣)، والزجاج(٤)،
والسمرقندي(٥)،
(١) أخرجه عنهم ابن جرير في جامع البيان ٣/٧٤٦- ٧٤٨. وانظر : زاد المسير لابن الجوزي١/٢٥١.
(٢) انظر : تأويل مشكل القرآن ص ٥٢٥.
(٣) انظر : جامع البيان ٣/٧٥٩-٧٦١.
(٤) انظر : معاني القرآن ١/٢٩٨.
(٥) انظر : بحر العلوم ١/١٧٣.
والسمرقندي هو : أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد السمرقندي، مفسر من أئمة الحنفية، له تفسير القرآن العظيم وغيره، توفي سنة ( ٣٧٥هـ) وقيل :( ٣٩٣هـ).
انظر : طبقات المفسرين للداودي ص٥٣٠، معجم المؤلفين لعمر كحالة ٤/٢٤.

وقال ابن عطية :" وهذه الآية على هذا التأويل ـ أي ولتكونوا كلكم أمة يدعون بناء على أن (من) بيانية ـ إنما هي عندي بمنزلة قولك : ليكن منك رجل صالح، ففيها المعنى الذي يسميه النحويون التجريد "(١).
وقال ابن عاشور :" وفي هذا محسن التجريد، جُردت من المخاطبين أمة أخرى للمبالغة في هذا الحكم، كما يقال : لفلان من بنيه أنصار، والمقصود : ولتكونوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، حتى تكونوا أمة هذه صفتها، وهذا هو الأظهر "(٢).
فعلى هذا القول لا يوجد تعارض بين قوله تعالى :﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾، وهذا الحديث وما في معناه من الأحاديث الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل فرد من المسلمين حسب استطاعته ؛ لأن الآية على هذا المعنى، متفقة مع الحديث في وجوب ذلك على كل فرد من المسلمين، حسب استطاعته، ولا يفهم منها أن الوجوب يقتصر على فرقة من هذه الأمة.
القول الثاني : أن ( من ) في قوله :﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ﴾ تبعيضية، ويكون معنى الآية : أمراً من الله لعباده المؤمنين بأن تكون منهم جماعة ـ وهم العلماء ـ يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر.
(١) المحرر الوجيز ١/٤٨٦.
(٢) التحرير والتنوير ٤/٣٨.

قال ابن حجر :" وقد قال الجمهور: إن معنى قوله :﴿ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ صدن لكم، وقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه، لا لصاحبه فلا يعدل عن ذلك "(١).
وبهذا يتبين أن الآية لا تدل على حل أكل الصيد إذا أكل منه الكلب المعلم، بل هي موافقة لما دل عليه حديث عدي - رضي الله عنه -، من عدم حل الصيد إذا أكل منه الكلب ؛ لأن الله أباح لنا أكل الصيد، بشرط أن يكون الجارح ممسكاً له علينا، ولا يظهر الفرق بين إمساكه علينا، وبين إمساكه على نفسه، إلا بترك الأكل.
وبهذا تنتظم الآيات والأحاديث ويرتفع ما يتوهم من الإشكال والتعارض.
وقد جمع بعض أهل العلم بين ظاهر قوله تعالى : فَكُلُوا ﴿ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ على أن المراد عموم الإمساك، سواء أكل منه الكلب أولم يأكل، وما تقدم من حديث عدي - رضي الله عنه - الذي يدل على عدم حل الصيد إذا أكل منه الكلب، فقالوا : إن الآية عامة في حل أكل صيد الكلب المعلم سواء أكل منه، أولم يأكل، والحديث مخصص لذلك العموم، بعدم حل ما أكل منه الكلب.
قال ابن كثير بعد أن ذكر حديث عدي - رضي الله عنه - :" وهذا صحيح ثابت في الصحيحين، وهو أيضاً مخصوص من عموم آية التحليل عند كثيرين، فقالوا : لا يحل ما أكل منه الكلب، حُكي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس، وبه قال الحسن والشعبي والنخعي، وإليه ذهب أبو حنيفة، وصاحباه، وأحمد بن حنبل، والشافعي في المشهور عنه "(٢).
لكن هذا فيه نظر ؛ لأن قوله تعالى : فَكُلُوا ﴿ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ يدل على أن الذي يحل أكله ما أمسكن لنا، دون ما أمسكنه ليأكلنه، فليس في الآية عموم، وقد تقدم بيان ذلك.
(١) فتح الباري ٩/٦٠٢.
(٢) تفسير القرآن العظيم ٣/٢٠، وانظر : المغني لابن قدامة ١٣/٢٦٤.

تدل الآية الكريمة على أنه لو كان أمر وقوع العذاب الذي يطلبه المشركون إلى النبي - ﷺ - لأوقعه بهم، والحديث يفيد أنه عُرض على النبي - ﷺ - عذابهم واستئصالهم، فاستأنى بهم، وطلب عدم إهلاكهم(١).
دفع موهم التعارض :
لقد وصف الله تعالى محمداً - ﷺ - في القرآن أنه رحمة للعالمين جميعا، ولم يصف بذلك غيره من الأنبياء، فقال سبحانه :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٧]، وامتن سبحانه على هذه الأمة بإرساله إليهم رسولاً من جنسهم، ويتحدث بلغتهم، وجعله رؤوفاً رحيماً بهم فقال :﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة : ١٢٨]، وقال تعالى :﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٥٩].
وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قيل : يا رسول الله ادع على المشركين، قال :" إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة "(٢).
ومن مظاهر رحمة النبي - ﷺ - بأمته ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم، حين عُرض عليه إهلاك قومه، واستئصالهم لمّا لم يستجيبوا لدعوته، وآذوه، فاختار عدم إهلاكهم، وسأل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك بالله شيئاً.
(١) وقد ذكر ما قد يتوهم من التعارض بين الآية والحديث ابن كثير في تفسيره ٣/٢٦٤. وانظر : محاسن التأويل للقاسمي ٤/٣٧٩، أضواء البيان للشنقيطي٢/١٤٨.
(٢) أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، رقم (٢٥٩٩) ٤/٢٠٠٦.

لما في دراسة هذه المواضيع من أثر في دفع موهم التعارض بين الأدلة عموماً، وموهم التعارض بين القرآن والسنة على وجه الخصوص.
١٣- يدعو الباحث المتخصصين في أصول الفقه بتسهيل هذا العلم العظيم، وتقريبه لطلاب العلم بأسلوب علمي مناسب، والتمثيل على قواعده من نصوص القرآن والسنة، حيث لم يعد للدراسة النظرية للمسائل الأصولية، والبعد عن التطبيق أثر في ظهور علم أصول الفقه بين طلاب العلم.
وأخيرا فما كان في هذا البحث من صواب فبتوفيق الله لي، وما كان فيه من خطأ فأستغفر الله منه، وهو حسبي ونعم الوكيل.
- - -
#qفàدے"ym عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ tûüدFدY"s%... ٢٣٨
÷bخ*sù خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ $ZR$t٧ّ.â'... ٢٣٩... -٤٦-٨٦-٢٤٦-٢٤٧-٢٤٨-٢٤٩-٢٥٠-٢٥٥
y٧ù=د؟ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى <ظ÷èt/... ٢٥٣... -٨١-٢٥٧-٢٥٨
$ygoƒr'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا Nن٣"oYّ%y-u'... ٢٥٤... -١١٩-١٢٥-١٢٦
`tB ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا ¾دmدRّŒخ*خ/... ٢٥٥... -١٢٦
Iw إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ ؤcسxِّ٩$#... ٢٥٦... -٢٦٧-٢٦٩-٢٧٠-٢٧٢
$ygoƒr'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا َOçFِ;|، ں٢... ٢٦٧... -٢٧٦-٢٧٧-٢٧٨-٢٧٩-٢٨٠-٢٨١-٢٨٢
¨@ymr&ur اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ (#٤qt/جhچ٩$#... ٢٧٥... -٢٨٥-٢٩٥-٢٩٩-٣٠٠-٣٠١-٣٠٢-٣٠٣-٣٧٧
$ygoƒr'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا... ٢٧٨
bخ*sù لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ... ٢٧٨
(#rك‰خhô±tFَ™$#ur شَهِيدَيْنِ مِنْ ِNà٦د٩%y`حh'... ٢٨٢... -٣٠٦-٣١٢-٣١٣-٣١٥-٣١٦-٣١٨-٣٢١-٥٤١
َOçFZن. عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ ×p|تqç٧ّ)¨B... ٢٨٣... -٣٢٢-٣٢٣-٣٢٤-٣٢٥
سورة آل عمران
$¨ZtB#uن بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ $uZخn/u'... ٧
@è%ur لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ َOçFôJn=َ™r&uن... ٢٠
¨bخ) اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى tûüدJn="yèّ٩$#... ٣٣
قOtƒِچyJ"tƒ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ ڑْüدèد. ؛

چ٩$#... ٤٣

z>¤‹x.ur بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ '،ysّ٩$#... ٦٦
¨bخ) الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا ¸x‹خ=s%... ٧٧
!ur عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ Wx‹خ٦y™... ٩٧... -٢٤
$pkڑ‰r'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ tbqكJخ=َ،oB... ١٠٢
الآجري = محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري البغدادي
أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني الإسماعيلي... ٥٦٠
أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي القرافي... ٣١٥
أحمد بن عبد النور بن أحمد بن راشد المالقي... ٤٦٦
أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجصاص... ١٥٠
أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد البغدادي... ٥١
أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري المالكي... ٤٨
أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب القزويني... ٣٠
أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني المصري الشافعي... ٢١٣
أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي... ٣٢٩
أحمد بن محمد بن المظفر بن المختار الرازي... ١٩٣
أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الشهير بابن المنير... ٣٣٢
أحمد بن محمد بن هانىء الإسكافي الأثرم... ٤٥
أحمد بن يوسف بن محمد الحلبي الشافعي... ٣٠٦
الأخفش = سعيد بن مسعدة المجاشعي الأخفش الأوسط
الأخفش الأصغر = علي بن سليمان بن الفضل النحوي
الأزهري = محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهري
إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني... ٥٣٦
إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الشافعي... ٤٠٠
إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل أبو إبراهيم المزني المصري... ٤٠٢
الإسماعيلي = أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني الإسماعيلي
الأسنوي = عبد الرحيم بن الحسن بن علي الأرموي الأسنوي
الأسود بن يزيد بن قيس النخعي... ٤٢
الأشعري = علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم الأشعري
الأقرع بن حابس... ٣٩٢
الألوسي = محمود شكري بن عبد الله بن محمود الألوسي
الآمدي = علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الآمدي
الأنصاري = زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري
الأوزاعي = عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي
البغوي = الحسين بن مسعود بن محمد البغوي
البيضاوي = عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي
ثابت بن قيس بن شماس بن زهير الخزرجي... ٢٤٢
ثعلبة بن زهدم التميمي الحنظلي... ٤١٨
جار الله محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزَّمخشري... ١٤٦
" إحياء علوم الدين، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، دار المعرفة، بيروت.
" الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام بن تيمية، لعلي بن محمد البعلي، تحقيق : أحمد الخليل، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ.
" اختلاف الحديث، للإمام محمد بن أدريس الشافعي، تحقيق : عامر حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٥هـ.
" إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، لأحمد بن محمد القسطلاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
" إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، لمحمد بن محمد العمادي المعروف بأبي السعود، تحقيق : عبد اللطيف بن عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ.
" إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق : أحمد عناية، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٢١هـ.
" إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠٥هـ.
" أساس البلاغة، لجار الله محمود بن عمر الزمخشري، دار الفكر، بيروت، ١٤٠٩هـ.
" الاستذكار، ليوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي، تحقيق : سالم عطا ومحمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢١هـ.
" الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ليوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي، تحقيق : علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ.
" أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعز الدين بن الأثير، اعتنى به : عادل الرفاعي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ.
" الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، لعلي بن سلطان القاري، تحقيق : محمد لطفي الصباغ، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠٦هـ.


الصفحة التالية
Icon