لقد تتبعت المؤلفات والبحوث والدراسات، وراجعت الجامعات ومراكز البحوث من أجل معرفة الدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع موهم التعارض بين القرآن والسنة فلم أجد مؤلفاً أو دراسة مستقلة تناولت موهم التعارض بين القرآن والسنة دراسة نظرية أو تطبيقية، فلم يظفر هذا الموضوع بإفراد المتقدمين بالتصنيف، بل كان مجرد أمنية تراود الإمام ابن حزم فقد قال في كتابه الإحكام في أصول الأحكام :" وإن أمدنا الله بمده وقوته فسنفرد لكل هذه الوجوه ـ يعني تعارض آية مع آية أو حديث مع حديث أو آية مع حديث ـ كتباً مفردة في أشخاص الأحاديث والآي التي ظاهرها التعارض، ونحن نبين بحول الله وقوته نفي الاختلاف عن كل ذلك، وبالله تعالى نعتصم ونتأيد "(١)، كما أن الموضوع لم يحظ بكتابة المعاصرين.
وقصارى ما وجدته مما يمكن تصنيفه في الدراسات السابقة ما يلي :
١- كتاب طاعة الرسول - ﷺ -، للإمام أحمد بن حنبل، وهذا الكتاب ذكره ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، وأفاد أن الإمام أحمد بن حنبل أفرده للإنكار على من رد أحاديث رسول الله - ﷺ - لزعمه أنها تخالف ظاهر القرآن(٢).
وذكره أيضاً في إعلام الموقعين ونقل خطبته، وساق الآيات التي ذكرها في الدلالة على طاعة الرسول - ﷺ -، ثم قال :" ثم ذكر أحمد الاحتجاج على إبطال قول من عارض السنن بظاهر القرآن وردها بذلك " (٣).
(٢) انظر : ص ٦٥. وهذا الكتاب ذكره ونسبه إلى الإمام أحمد ابن تيمية في الفتاوى ٢٠/٢٢٣ وابن النديم في الفهرست ص ٣٢٠ والداوودي في طبقات المفسرين ص ٥٤، ود. بكر أبو زيد في موارد ابن القيم في كتبه ص ٦٩، وهو من مصنفات الإمام أحمد المفقودة فيما أعلم.
(٣) انظر : إعلام الموقعين ٢/٢٩٠-٢٩٤، مختصر الصواعق المرسلة للموصلي ٤/١٦٤٢-١٦٤٤.
وكذلك جاء الحديث لتأكيد الآيات الناهية عن عقوق الوالدين، والموجبة لبرهما، حيث عدَّ النبي - ﷺ - العقوق من أكبر الكبائر، ومن تلك الآيات قوله تعالى :﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [ الإسراء : ٢٣-٢٤]، كما جاء الحديث مؤكداً لقوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان : ٧٢]، فهذه الآية وردت في ذم شهادة الزور، وبيان عظم ذنب مرتكبها ؛ لكونها جاءت في سياق مدح المؤمنين باجتناب الكثير من الذنوب، ومنها اجتناب شهادة الزور، وكذلك جاء الحديث للدلالة على أن شهادة الزور كبيرة من الكبائر التي يجب على المسلم اجتنابها، بل وأكد على ذلك بتكراره ؛ وتغيير هيئته عند كلامه على شهادة الزور، مما يدل على عظمها وخطورتها.
٣- قوله - ﷺ - :" استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضلع "(١)، فهذا الحديث وما في معناه يؤكد ما جاء من الأمر بحسن معاشرة الزوجات ؛ والرفق بهن في قوله تعالى :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [ النساء : ١٩].
٢/١٠٩١.
فكأن كل واحد من الدليلين المتعارضين ظهر وبرز للدليل الآخر معارضاً له.
وهذه هي أشهر المعاني التي جاء بها التعارض في اللغة، وهي المعاني التي راعاها الأصوليون في تعريفاتهم المتعددة للتعارض اصطلاحاً ـ كما سيتضح ذلك في المطلب الثاني ـ وقد حاولت آنفاً بيان التناسب بين كل معنى لغوي وبين التعريف الاصطلاحي للتعارض عند الأصوليين.
- - -
المطلب الثاني
تعريف التعارض اصطلاحاً
تعددت تعريفات الأصوليين للتعارض، واختلفت عباراتهم فيها، إلا أن حقيقة التعارض عندهم واحدة لا تختلف ؛ إذ إن التغاير ـ في الغالب ـ كان في الصياغة اللفظية فقط، ولعل ذلك راجع إلى اختلافهم في عدد من المسائل المتعلقة بالتعارض، كما أن لكثرة معاني مادة ( عرض ) في اللغة أثراً في ذلك، إذ راعى كل واحد منهم في بنائه للتعريف معنى لغوياً مختلفاً عن الآخر.
ومن تلك التعريفات تعريف السرخسي(١)للتعارض بأنه :" تقابل الحجتين على سبيل المدافعة والممانعة "(٢).
وعرفه ابن السبكي(٣)بقوله :" التعارض بين الشيئين هو تقابلهما على وجه يمنع كل منهما مقتضى صاحبه "(٤).
(٢) أصول السرخسي ٢/١٢.
(٣) ابن السبكي : عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، أبو نصر، أصولي فقيه مؤرخ، له جمع الجوامع، وطبقات الشافعية الكبرى وغيرهما، توفي سنة (٧٧١هـ). انظر : الدرر الكامنة لابن حجر ٢/٤٢٥، شذرات الذهب لابن العماد ٣/٢٢١.
(٤) الإبهاج في شرح المنهاج ٢/٢٧٣.
وقال الرازي :" المراد فضلتكم على عالمي زمانكم ؛ لأن الشخص الذي سيوجد بعد ذلك، وهو الآن ليس بموجود، لم يكن ذلك الشخص من جملة العالمين حال عدمه ؛ لأن شرط العالم أن يكون موجوداً "(١).
الوجه الثاني : أن قوله تعالى :﴿ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ عام في العالمين، لكنه مطلقٌ في الفضل، والمطلق يكفي في صدقه صورة واحدة، فالآية تدل على أن بني إسرائيل فضلوا على العالمين في أمرٍ ما ـ وهو ما أعطوا من الملك والرسل والكتب ـ وهذا لا يقتضي أن يكونوا أفضل من كل العالمين في كل الأمور، بل وإن كانوا أفضل من غيرهم في أمرٍ واحد، فغيرهم يكون أفضل منهم فيما عدا ذلك الأمر.
وهذا الوجه ذكره الرازي في تفسيره(٢).
التوجيه والترجيح :
تفضيل الأمة المحمدية على سائر الأمم ثابت بالكتاب والسنة كما تقدم.
وما اتفق عليه مفسرو السلف من الصحابة والتابعين من أن المراد بالعالمين في قوله تعالى :﴿ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ عالمو زمانهم، يزيل ما قد يتوهم من التعارض بين هذه الآية ونظائرها، وبين الآيات والأحاديث التي تفيد تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم، وهذا هو الوجه الأول من أوجه الجمع.
قال ابن جرير :" قوله :﴿ وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [ المائدة : ٢٠ ] خطاب من موسى - ﷺ - لقومه يومئذٍ، وعنى بذلك عالمي زمانه، لا عالمي كل زمان، ولم يكن أُوتي في ذلك الزمان من نعم الله وكرامته ما أوتي قومه - ﷺ - أحد من العالمين، فخرج الكلام منه - ﷺ - على ذلك، لا على جميع عالم كل زمان "(٣).
(٢) انظر: التفسيرالكبير١/٤٩٣، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي /٣٧٦، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي ١/٨٢، البحر المحيط لأبي حيان١/٢٧٧.
(٣) جامع البيان ٨/٢٨٤.
ويمكن أن يقال : إنه لم يحرم من الدم أصلاً إلا الدم المسفوح، كما جاء في آية الأنعام ﴿ أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ﴾، و تكون الألف واللام في لفظ ( الدم ) في آية البقرة والمائدة والنحل للعهد ؛ أي حُرِّم عليكم الدم المعهود عندكم تحريمه من قبل، وهو الدم الموصوف بكونه مسفوحاً(١).
ويؤيد ذلك أن سورة الأنعام مكية، وسورتا البقرة والمائدة مدنيتان، وأما سورة النحل فهي وإن كانت مكية إلا أن الذي يظهر أن قوله تعالى فيها :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ tP¤$!$#ur.. الآية ﴾ [ آية: ١١٥]، متأخر في النزول عن آية الأنعام، بدليل أن الله سبحانه وتعالى قال بعدها في سياق المحرمات من المطعومات :﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [ النحل : ١١٨]، يعني بذلك قوله تعالى في سورة الأنعام :﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [الأنعام : ١٤٦].
قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى :﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [ النحل : ١١٨] :" يقول تعالى ذكره : وحرمنا من قبلك يا محمد على اليهود ما أنبأناك به من قبل في سورة الأنعام ؛ وذاك :﴿ كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ﴾ "(٢).
وعلى هذا فتحريم الدم في الآيات السابقة لا يتناول الكبد والطحال ؛ لأنها ليست من الدم المسفوح الذي قيدت به الآيات المطلقة كما تقدم.
(٢) جامع البيان ١٤/٣٩١.
وبهذا أخذ جمهور العلماء، ومضت عليه الأمصار والأعصار(١)، حتى حكى الجصاص الإجماع على ذلك فقال :" ولا خلاف بين المسلمين أن الفجر الأبيض المعترض في الأفق قبل ظهور الحمرة، يحرم به الطعام والشراب على الصائم "(٢).(٣).
(٢) أحكام القرآن للجصاص ١/ ٢٨٥، وانظر : المغني لابن قدامة ٤/٣٢٥.
(٣) وقد خالف في ذلك نفر قليل من الصحابة والتابعين، وذهبوا إلى أنه يجوز تأخير السحور إلى أن يتضح الفجر، وينتشر الضوء في البيوت والطرق وعلى رؤوس الجبال ما لم تطلع الشمس، وقد قال الرازي بعد ذكر هذا القول وغيره من الأقوال الضعيفة في هذه المسألة في التفسير الكبير ٢/٢٧٤ :" وهذه المذاهب قد انقرضت، والفقهاء أجمعوا على بطلانها فلا فائدة في استقصاء الكلام فيها ". راجع في ذلك : أحكام القرآن للجصاص ١/٢٨٤، ٢٨٥، المحرر الوجيز لابن عطية ١/٢٥٨، بداية المجتهد لابن رشد ( الهداية في تخريج البداية ٥/١٣٩، ١٤٠)، المغني لابن قدامة ٤/٣٢٥، المفهم للقرطبي ٣/٥٢، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٢/٣١٨، شرح النووي لصحيح مسلم ٧/٢٠٠، البحر المحيط لأبي حيان ٢/٨٥، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٥١٨.
وذهب إليه الزمخشري(١)، وابن عطية(٢)، والرازي(٣)، والقرطبي(٤)، والنووي(٥)، وابن جزي(٦)، والبيضاوي(٧)، وأبو السعود(٨)، والشوكاني(٩)، وابن عثيمين(١٠)، ونسبه غير واحد إلى جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة(١١).
واستدل القائلون بهذا القول بأدلة منها ما يلي(١٢):
١- أن قوله تعالى :﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ خص الإتيان بالموضع الذي يكون فيه الحرث، ويكون منه الولد، وهو القبل دون غيره.
٢- ما جاء عن جابر - رضي الله عنه - في سبب نزول هذه الآية قال : كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها، في قبلها، كان الولد أحول، فنزلت :﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ (١٣).
فالسبب يدل على أن المراد بالآية إباحة إتيان المرأة على كل حال، إذا كان في القبل دون غيره ؛ لأن اختلافهم كان في جواز إتيان المرأة من دبرها في قبلها.
(٢) انظر : المحرر الوجيز ١/٢٩٩.
(٣) انظر : التفسير الكبير٢/٤٢٣.
(٤) انظر : الجامع لأحكام القرآن ٣/٩٣.
(٥) انظر : شرحه لصحيح مسلم ١٠/٦.
(٦) انظر : التسهيل لعلوم التنزيل ١/١٢١.
(٧) انظر : أنوار التنزيل ١/١٩٢.
(٨) انظر : إرشاد العقل السليم ١/٢٦٩.
(٩) انظر : فتح القدير ١/٢٢٦.
(١٠) انظر : تفسير القرآن الكريم ٣/٨٦.
(١١) انظر : المحرر الوجيز ١/٢٩٩، الجامع لأحكام القرآن ٣/٩٣.
(١٢) انظر أدلتهم فيما يلي : جامع البيان لابن جرير ٣/٧٥٥-٧٦١، معاني القرآن للزجاج ١/٢٩٧، ٢٩٨، التفسير الكبير للرازي٢/٤٢١-٤٢٣.
(١٣) أخرجه البخاري في التفسير، باب قوله تعالى :﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾، رقم (٤٥٢٨)٦/٢٩، ومسلم في النكاح، رقم (١٤٣٥)٢ /١٠٥٨.
وهذا القول هو الظاهر من كلام الضحاك(١)، وابن جرير(٢)، وابن كثير(٣)، والسعدي(٤)، واختاره الزمحشري(٥)، والقرطبي(٦)، وابن جزي(٧)، وأبوحيان(٨)، وأبو السعود(٩)، والشوكاني(١٠).
وعلى هذا القول، قد يفهم من قوله تعالى :﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على فرقة من هذه الأمة، لا كلها، والحديث يوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل فرد من المسلمين بعينه، وحسب استطاعته، فيكون بين الآية وهذا الحديث ما يوهم التعارض، وهو ما سيأتي دفعه إن شاء الله تعالى(١١).
دفع موهم التعارض :
(٢) انظر : جامع البيان ٥/٦٦٠، ٦٦١.
(٣) انظر : تفسير القرآن العظيم ٢/٩١.
(٤) انظر : تيسير الكريم الرحمن ص ١٤٢.
(٥) انظر : الكشاف ١/٦٠٤.
(٦) انظر : الجامع لأحكام القرآن٤/١٦٥.
(٧) انظر : التسهيل لعلوم التنزيل ١/١٦١.
(٨) انظر : البحر المحيط ٣/٣٢.
(٩) انظر : إرشاد العقل السليم ٢/١٣.
(١٠) انظر : فتح القدير ١/٣٦٩.
(١١) وقد أشار إلى ما قد يتوهم من التعارض بين الآية وهذا الحديث الزجاج في معاني القرآن ١/٤٥٢، وابن عطية في المحرر الوجيز١/٤٨٥، والرازي في التفسير الكبير ٣/٣١٤، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن٤/١٦٥، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم ٢/٩١، والشوكاني في فتح القدير ١/٣٦٩، وابن عاشور في التحرير والتنوير٤/٣٨.
ومادام أن الأمر كذلك، فإنه يبقى موهم التعارض بين قوله تعالى :(#qè=ن٣sù ﴿ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ وما يوافقه من حديث عدي - رضي الله عنه -، وبين حديث أبي ثعلبة(١) - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - ﷺ - في صيد الكلب :" إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل، وإن أكل منه، وكل ما ردت عليك يداك "(٢)،
(٢) أخرجه أبوداود في الصيد، باب في الصيد، رقم (٢٨٥٢) ٣/١٠٩، من طريق محمد بن عيسى قال حدثنا هشيم قال : حدثنا داود بن عمرو عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه -.
وأصله في الصحيحين دون ذكر ( وإن أكل منه )، وقد أعل العلماء هذه الزيادة بداود بن عمرو، فقال الذهبي في الميزان ٢/١٧ في ترجمتة لداود بن عمرو :" تفرد بحديث إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه وهو حديث منكر "، وقال ابن القيم في تهذيب السنن ٨/٥٩ :" وقد تقدم تعليل حديث أبي ثعلبة بداود بن عمرو وهو ليس بالحافظ، قال فيه ابن معين مرة مستور، وقال أحمد : يختلفون في حديث أبي ثعلبة على هشيم، وحديث الشعبي عن عدي أصح ما روي عن النبي - ﷺ - "، وقال ابن حزم في المحلى ٧/٤٧١ :" وهو حديث ساقط لا يصح، وداود بن عمرو ضعيف ضعفه أحمد بن حنبل، وقد ذكر بالكذب "، وقال الشوكاني في نيل الأوطار ٩/٩ :" وفي إسناده داود بن عمرو الأودي الدمشقي عامل واسط، قال أحمد العجلي : ليس بالقوي، وقال أبو زرعة : لا بأس، وقال ابن عدي : لا أرى بروايته بأساً "، وقال الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص٢٧٩ :" منكر ".
وداود بن عمرو قال عنه ابن حجر في التقريب ص ١٩٩: " صدوق يخطيء ".
وله طريق آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أحمد في المسند رقم (٦٧٢٥) ١١/٣٣٥، وأبي داود في الصيد، باب في الصيد، رقم ( ٢٨٥٧) ٣/١١٠.
والحديث بهذا الطريق أعله البيهقي في السنن الكبرى ٩/٣٩٨ وقال :" هذا موافق لحديث داود بن عمرو، إلا أن حديث أبي ثعلبة - رضي الله عنه - مخرج في الصحيحين، من حديث ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة وليس فيه ذكر الأكل، وحديث الشعبي عن عدي أصح من حديث داود بن عمرو الدمشقي، ومن حديث عمرو بن شعيب والله أعلم، وقد روى شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن رجل من هذيل أنه سأل النبي - ﷺ - عن الكلب يصطاد قال : كل أكل أو لم يأكل فصار حديث عمرو بهذا معلولاً ".
وقال ابن حجر في فتح الباري ٩/٦٠٢ عنه :" ولا بأس بسنده... ورواية أبي ثعلبة المذكورة في غير الصحيحين مختلف في تضعيفها "، وقال الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص٢٢١: " حسن، لكن قوله :( وإن أكل منه ) منكر ".
قال ابن حجر :" وفي هذا الحديث بيان شفقة النبي - ﷺ - على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافق لقوله تعالى :﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾، وقوله :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ "(١).
هذا وقد سلك أهل العلم ـ في دفع ما يتوهم من التعارض بين قوله تعالى :﴿ قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ [ الأنعام : ٥٨] وبين حديث عائشة رضي الله عنها السابق ـ مسلك الجمع، وقالوا : إن هذه الآية دلت على أنه لو كان إلى النبي - ﷺ - وقوع العذاب الذي يطلبون تعجيله، في وقت طلبهم له، لأوقعه بهم، ولعجله عليهم، وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوا وقوع العذاب، وطلبوا تعجيله في ذلك الوقت، بل عرض عليه ملك الجبال إهلاكهم ؛ بإطباق الأخشبين عليهم، فاختار عدم إهلاكهم، واستأنى بهم، وسأل الرفق لهم، راجياً أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً.
وبهذا الجمع قال ابن كثير(٢)، ونقله عنه القاسمي(٣)، والشنقيطي(٤)، وبه تجتمع نصوص الكتاب والسنة، ولله الحمد والمنة.
- - -
٦٥-٢- قال تعالى :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [ الأنعام : ١٠٣].
موهم التعارض من السنة :
(٢) انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/٢٦٤.
(٣) انظر : محاسن التأويل للقاسمي ٤/٣٧٩.
(٤) انظر : أضواء البيان للشنقيطي ٢/١٤٨.
`ن٣tFّ٩ur مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ جچs٣YكJّ٩$#... ١٠٤... -٣٢٩-٣٣٠-٣٣١-٥٠٨
ِNçGZن. خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ ؤ¨$¨Y=د٩... ١١٠... -١١٨-٥٠٨
$ygoƒr'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً... ١٣٠
$tBur كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا Wx
_xsoB... ١٤٥
$yJخ٦sù رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ ِNكgs٩... ١٥٩... -٣٣٥-٣٣٧-٥١٧
ô‰s)s٩ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ Zwqك™u'... ١٦٤... -١٢٩
ںwur تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا... ١٦٩... -١٣٨-١٣٩-١٤١
سورة النساء
قOن٣ٹد¹qمƒ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ ﷺûّïyٹ... ١١... -٣٨-٤٢-٧٢-١٨٦-٣٤٠-٣٤٢-٣٤٤-٣٤٥-٣٤٦-٣٤٨-٣٤٩-٣٥٠-٣٥٢-٣٥٣-٣٥٤-٣٥٥
سةL"©٩$#ur يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ ِNà٦ح !$|، خpS فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً ِNà٦ZدiB... ١٥
£`èdrçژإ°$tمur إ$rمچ÷èyJّ٩$$خ/... ١٩
ںwur تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ... وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ِNà٦د٩؛sŒ... ٢٢-٢٤
¨@دmé&ur لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ Zpںزƒجچsù... ٢٤... -٩١-٣٥٧-٣٥٩-٣٦٠-٣٦١-٣٦٢-٣٦٣-٣٦٦-٣٦٨-٥٤١
!#sŒخ*sù أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى دM"oY|ءَsكJّ٩$#... ٢٥... -٣٦٩-٣٧٠-٣٧١-٣٧٣
$ygoƒr'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ب@دـ"t٦ّ٩$$خ/... ٢٩... -٣٧٧
ںwur تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى <ظ÷èt/... ٣٢... -٣٨٠-٣٨١-٣٨٢
$pkڑ‰r'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ ٣"tچ"s٣ك™... ٤٣... -٣٨٧-٣٨٨-٣٩٠-٣٩١
¨bخ) اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ ¾دmخ/... ٤٨
الجزائري = طاهر بن صالح، أو محمد بن صالح السمعوني الجزائري
الجصاص = أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجصاص
جميلة بنت أبي بن سلول... ٢٤٢
الجويني = عبد الملك بن أبي عبد الله محمد بن عبد الله الجويني
حارثة بن وهب الخزاعي... ٤٠٨
الحازمي = محمد بن موسى بن عثمان بن حازم الحازمي الهمذاني
حبيب بن سباع أبو جمعة الأنصاري... ٢٥٢
الحجاج بن أرطاة بن ثور بن هبيرة النخعي... ٢١٩
الحربي = إبراهيم بن إسحاق بن بشير بن عبد الله الحربي
حرمي بن عُمارة بن أبي حفصة العتكي... ٥٥٤
الحسن بن صالح بن صالح بن حي بن شُفَيّ الهمداني الثوري... ٢٨٣
الحسن بن محمد بن الحسين الشهير بابن القمي... ٣٤٣
الحسين بن سليمان بن أبي الحسن بن سليمان بن ريان... ٤٨٣
الحسين بن محمد بن المفضل الأصفهاني... ٩٨
الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي... ١٤٠
الحسين بن مسعود بن محمد البغوي... ١٣٥
حفص بن سليمان الأسدي الكوفي المقريء... ٤٥١
حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصري... ٤٧
حَمْد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي... ١٤
خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة الأوسي الخطمي... ٣١٧
الخطابي = حَمْد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي
الخطيب البغدادي = أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد البغدادي
الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي البصري... ٤٠٢
خويلد بن عمرو بن صخر الخزاعي... ٢٠٩
الدارمي = عثمان بن سعيد بن خالد السجستاني
داود الظاهري = داود بن علي بن خلف الأصبهاني البغدادي
داود بن علي بن خلف الأصبهاني البغدادي... ٥٥٩
ذكوان السمان المدني... ٢٨٤
الذهبي = محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي التركماني الدمشقي
الرازي = محمد بن عمر بن الحسين بن علي الرازي
الراغب = الحسين بن محمد بن المفضل الأصفهاني
الرافعي = عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل القزويني
رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان، أبو معاذ الأنصاري... ٣٧٨
الزبيدي = محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني الزبيدي
" الإصابة في تمييز الصحابة، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق : عادل عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٥هـ.
" أصول البزدوي، لعلي بن محمد البزدوي، مطبوع مع شرحه كشف الأسرار للبخاري، تحقيق : عبد الله عمر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ.
" أصول السرخسي، لمحمد بن أحمد بن سهل السرخسي، تحقيق : أبو الوفاء الأفغاني، دار المعرفة، بيروت.
" أصول الفقه، لمحمد بن مفلح المقدسي الحنبلي، تحقيق : فهد السدحان، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ.
" أصول الفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٦هـ.
" أصول مذهب الإمام أحمد، لعبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤١٠هـ.
" الأصول من علم الأصول، لمحمد بن صالح العثيمين، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤٠٦هـ.
" أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، تحقيق : محمد الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢١هـ.
" الأطعمة وأحكام الصيد والذبائح، لصالح بن فوزان الفوزان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ.
" الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، لمحمد بن موسى الحازمي، تحقيق : عبد المعطي قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية، باكستان، الطبعة الثانية، ١٤١٠هـ.
" الإعتصام، لإبراهيم بن موسى الشاطبي، دار المعرفة، بيروت، ١٤٠٨هـ.
" الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، لأحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق : أحمد أبو العينين، دار الفضيلة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ.
" إعراب القراءات السبع وعللها، للحسين بن أحمد بن خالويه، تحقيق : عبد الرحمن العثيمين، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤١٣هـ.