وقد نقل القاضي أبو يعلى(١) في العدة عن هذا الكتاب أحد عشر نقلاً(٢)، وقد استعرضت هذه النقول، لعلها تعطي تصوراً عن حقيقة هذا الكتاب، فوجدتها ما بين آية مجملة بينتها السنة، أو آية عامة جاءت نصوص أخرى فزادت عليها أحكاماً، أو آية عامة دلت السنة على أنه أريد بها الخصوص، أو آية عامة بقيت على عمومها، أو آية صرف الأمر فيها من الوجوب إلى الندب.
قال د. عبد الله التركي :" وقد صنف الإمام أحمد رحمه الله كتاباً في طاعة الرسول - ﷺ - بين فيه أنه يجب على الأمة اتباعه، وتنفيذ ما جاء به، وإن لم يكن في القرآن، وذكر فيه أن السنة ضرورية للكتاب في تفسيره، وبيان مجمله، وتخصيص عامة، وتقييد مطلقه.
وأصحابه رحمهم الله يتناقلون عنه من هذا الكتاب كثيراً من الروايات والتخريجات والأقوال عند كلامهم على هذه المسائل في أبوابها ؛ أي عند العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والمحكم والمتشابه، وعند النسخ والتعارض، وغير ذلك من المناسبات "(٣).

(١) أبو يعلى هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي الحنبلي بن الفراء، القاضي من أئمة الحنابلة، أفتى ودرس، له العدة في أصول الفقه والمعتمد وغيرهما، توفي سنة (٤٥٨هـ). انظر : تاريخ بغداد للخطيب البغدادي٢/٢٥٦، سير أعلام النبلاء للذهبي ١٨/٨٩.
(٢) انظرها في ١/١٤٣، ١٤٤، ١٤٥، ١٤٩، ٢٢٧، ٢/٣٤٩، ٣٥٩، ٤٥٢، ٤٨٦، ٥١٩، ٣/٧٢١.
(٣) أصول مذهب الإمام أحمد ص ٢٢٩.

٤- قوله - ﷺ - :" إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته "(١)، فهذا الحديث مؤكد وموافق لقوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [ هود : ١٠٢].
والمتأمل لهذه الأمثلة وغيرها يلاحظ تأكيد السنة النبوية لما جاء في القرآن الكريم، وموافقتها له في الدلالة على الأحكام من جميع الوجوه(٢).
القسم الثاني: السنة المبينة لما جاء في القرآن الكريم ؛ وهذا القسم يعنى بالبيان والإيضاح لما ورد في القرآن، بالإضافة إلى تأكيده وتأييده لما ورد في القرآن أيضاً، وأغلب السنة النبوية من هذا القبيل.
وقد اتخذت السنة النبوية في بيانها للقرآن الكريم أوجهاً متعددة، ولعل من أهمها ما يلي :
١- تفسير وبيان بعض المعاني(٣)، و قد جاء ذلك على أنماط مختلفة منها ما يلي(٤):
(١) أخرجه البخاري في التفسير، باب قوله :﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾، رقم (٤٦٨٦) ٦/٧٤، ومسلم في البر والصلة والآداب، رقم (٢٥٨٣) ٤/١٩٩٧.
(٢) انظر في السنة المؤكدة وأمثلتها ما يلي : إعلام الموقعين لابن القيم ٢/٣٠٧، حجية السنة ل د. عبد الغني عبد الخالق ص ٤٩٦، الحديث والمحدثون أو عناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية لمحمد أبو زهو ص ٣٨، أصول الفقه الإسلامي ل د. وهبة الزحيلي ١/٤٦١، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ل د. مصطفى السباعي ص ٣٧٩، منزلة السنة من الكتاب وأثرها في الفروع الفقهية ل د. محمد سعيد منصور ص ١٢٥-٣٣٨.
(٣) انظر : إعلام الموقعين لابن القيم ٢/٣١٤، ٣١٥، الموافقات للشاطبي ٤/٤٠٦-٤١٦.
(٤) انظر : فصول في أصول التفسير ل. د. مساعد الطيار ص ٢٧-٢٩، مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير له ص ١٣٩-١٤١.

وقد عرفه الإسنوي(١) بنفس تعريف ابن السبكي إلا أنه قال :" بين الأمرين " بدل " بين الشيئين "(٢).
وقال الزركشي في تعريفه للتعارض :" وفي الاصطلاح : تقابل الدليلين على سبيل الممانعة " (٣).
وقال ابن الهمام(٤): " هو اقتضاء كل من الدليلين عدم مقتضى الآخر " (٥).
وعرفه ابن النجار(٦)بقوله :" وأما التعارض فهو تقابل دليلين ـ ولو عامين في الأصح ـ على سبيل الممانعة "(٧).
(١) الإسنوي : هو عبد الرحيم بن الحسن بن علي الأرموي الإسنوي الشافعي، فقيه أصولي مؤرخ، منتصب للإقراء والإفادة، له التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، والفروق في شرح المنهاج وغيرهما، توفي سنة (٧٧٢هـ). انظر : النجوم الزاهرة لابن تغري بردي١١/١١٤، شذرات الذهب لابن العماد٣/٢٢٣.
(٢) انظر : نهاية السول في شرح منهاج الوصول ٢/٦٥٤.
(٣) البحر المحيط في أصول الفقه ٦/١٠٩.
(٤) ابن الهمام هو : محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السواسي الأسكندري الحنفي، كمال الدين المعروف بابن الهمام، عالم مشارك في الفقه والأصول والتفسير والفرائض، له شرح الهداية، والتحرير في أصول الفقه، توفي سنة (٨٧١هـ). انظر : الضوء اللامع للسخاوي ٨/١٢٧، البدر الطالع للشوكاني ٢/٢٠١.
(٥) التحرير في أصول الفقه ( مع شرحه التقرير والتحبير لابن أمير الحاج الحلبي ) ٣/٣.
(٦) ابن النجار هو : تقي الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي المصري الحنبلي الشهير بابن النجار، فقيه أصولي، له شرح الكوكب المنير، ومنتهى الإرادات وغيرهما، توفي سنة (٩٧٢هـ). انظر : شذرات الذهب لابن العماد ٤/٢٧٦، معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة ١/١٧٢.
(٧) شرح الكوكب المنير ٤/٦٠٥.

وقال الشوكاني :" من جعل العالم أهل العصر فغايته أن يكونوا مفضلين على أهل عصر، لا على أهل كل عصر، فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذي فيهم نبينا - ﷺ -، ولا على ما بعده من العصور، ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسير قوله تعالى :﴿ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [ المائدة : ٢٠ ]، وعند قوله تعالى :﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [ الدخان : ٣٤]، وعند قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [ آل عمران : ٣٣]، فإن قيل : إن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم، قلت : لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزماً لكونهم أفضل من أمة محمد - ﷺ - ؛ لقوله تعالى :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ١١٠] ؛ فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات "(١).
وأما الوجه الثاني من أوجه الجمع ففيه نظر ؛ لأن القول بأن المراد بالعالمين في الآية العموم خلاف الأولى في تفسيرها، وهو ما نقل عن عامة المفسرين، مما سبق بيانه في الوجه الأول.
وعلى فرض التسليم بأن لفظ العالمين عام، فإنه يشمل من قبلهم ومن بعدهم، وقد وجدت النبوة والرسالة والكتب فيمن قبلهم وفيمن بعدهم، فإبراهيم الخليل عليه السلام قبلهم، وهو أفضل من سائر أنبيائهم، ومحمد - ﷺ - بعدهم، وهو أفضل من جميع الخلق(٢)، فعلى هذا لم يفضل بنو إسرائيل على العالمين بما أعطوا من الملك والرسالة والكتب كما يراه من قال بهذا الوجه.
- - -
(١) فتح القدير ١/ ٨١-٨٢.
(٢) انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/ ٢٥٨.

ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه سئل عن الطحال فقال :" كلوه "، فقالوا : إنه دم، فقال :" إنما حرم عليكم الدم المسفوح "(١).
قال ابن جرير :" وأما الدم فإنه الدم المسفوح، دون ما كان منه غير مسفوح ؛ لأن الله جل ثناؤه قال :﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ ﴾ [الأنعام : ١٤٥]، فأما ما كان قد صار في معنى اللحم كالكبد والطحال، وما كان في اللحم غير منسفح، فإن ذلك غير حرام ؛ لإجماع الجميع على ذلك "(٢).
وقال الكيا الهراسي(٣): " فلعل التقييد بالسفح تنبيه على ما يمكن سفحه، ليخرج منه الكبد والطحال، ولئلا تتبع العروق وما فيها من الدم في اللحم "(٤).
وبهذا يتبين أنه لا تعارض بين القرآن والسنة في هذه المسألة من الأصل.
فإن قيل : إذا كان الأمر كذلك، فما الفائدة من قوله في الحديث ـ على فرض صحته ـ :
" أحلت لكم ميتتان ودمان وأما الدمان فالكبد والطحال " واستثناء الكبد والطحال من الدماء.
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/١٤٠٦، وانظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/١٥.
(٢) جامع البيان ٨/٥٤.
(٣) الهراسي هو : علي بن محمد الطبري الشافعي المعروف بالكيا الهراسي، أبو الحسن، برع في الفقه والأصول، له أحكام القرآن وكتاب في أصول الفقه، توفي سنة (٥٠٤هـ).
انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي ١٩/٣٥٠، شذرات الذهب لابن العماد ٤/٨.
(٤) أحكام القرآن ١/٤٠.

وأما حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال : تسحرنا مع رسول الله - ﷺ -، هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع، فقد اختلف في رفعه ووقفه كما سبق في تخريجه، فإن كان موقوفاً على حذيفة - رضي الله عنه - فليس بحجة، ولا يقاوم ما دلت عليه الآية والأحاديث المرفوعة الصحيحة من أن طلوع الفجر الصادق هو الذي يحرم تناول المفطرات على الصائم.
وإن كان مرفوعاً فقد سلك أهل العلم في توجيهه مسلكي الجمع، والنسخ، والترجيح، وذلك كما يلي :
أولاً : مسلك الجمع بينه وبين الآية وما في معناها من الأحاديث، وقد اختلفت أنظار أهل العلم في الجمع على وجوه، منها ما يلي :
الوجه الأول : أن يحمل حديث حذيفة - رضي الله عنه - على أن المراد قرب النهار ؛ لأنهم كانوا يؤخرون سحورهم إلى آخر الليل، قريباً من طلوع الفجر الذي هو بداية النهار، فعبر بقوله :" هو النهار " ؛ تشبيهاً لوقت سحورهم بالنهار ؛ لقربه منه.
وقالوا : إن ذلك نظير قوله تعالى :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [ الطلاق : ٢ ]؛ أي : قاربن انقضاء العدة فإمساك بمعروف أوترك للفراق(١).
واستدلوا على ذلك بما ورد في إحدى روايات حديث حذيفة - رضي الله عنه - أن زراً قال له :" أبعد الصبح ؟ قال : نعم، هو الصبح غير أن لم تطلع الشمس "(٢).
وقالوا : إنه لما استثبت زر من حذيفة هل كان السحور بعد الصبح ؟ لم يجب حذيفة بأن ذلك كان بعد الصبح، ولكنه قال : هو الصبح، مما يدل على أن معناه : هو الصبح لقربه منه، وإن لم يكن هو بعينه، كما تقول العرب : هذا فلان شبهاً، وهي تشير إلى غير الذي سمته فتقول : هو هو تشبيهاً منها له به(٣).
(١) انظر : تحفة الأشراف للمزي ٣/٣٢، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٥١٨.
(٢) أخرجها أحمد برقم (٢٣٣٦١) ٣٨/٣٨٢.
(٣) انظر : جامع البيان لابن جرير ٣/٢٦٠.

٣- ما ورد من الأحاديث التي تدل على تحريم إتيان النساء في الأدبار، والتي تقدم منها حديث أبي هريرة، وعلي بن طلق، وابن عباس - رضي الله عنهم -.
وقالوا : إن ( أنى ) وإن كانت مقاربة لمعنى أين وكيف إلا أنها تختلف عنهما، فـ( أنى ) في كلام العرب للسؤال عن الوجوه والمذاهب، فهي أعم من كيف، ومن أين، ومن متى، فإذا قيل لرجل : أنى لك هذا المال ؟ يعني : من أي الوجوه لك، ولذلك يجيب المجيب من كذا وكذا، وأما أين فهي للسؤال عن المكان والمحل، وكيف للسؤال عن الحال(١).
وجعل ابن جرير نظير هذه الآية قوله تعالى مخبراً عن زكريا في مسألته مريم عليهما السلام :﴿ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [ آل عمران : ٣٧ ] فزكريا عليه السلام قال: من أي وجه لكِ هذا الرزق ؟ قالت : هو من عند الله.
كما استشهد على صحة ذلك بأبيات من شعر العرب(٢).
القول الثاني : إن المراد بقوله تعالى :﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ أي متى شئتم في أي وقت من أوقات الحل، يعني إذا لم تكن في زمن إحرام، أو صوم، أو نفاس، أو حيض، أو نحو ذلك.
وهذا القول مروي عن ابن عباس، والضحاك(٣).
القول الثالث : إن المراد بقوله تعالى :﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ أي : ائتوا حرثكم كيف شئتم، إن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تعزلوا.
وهذا القول مروي عن ابن عباس، وابن المسيب(٤).
(١) انظر : جامع البيان ٣/٧٦٠، المحرر الوجيز ١/٢٩٩.
(٢) انظر : المصدر السابق ٣/٧٦٠، ٧٦١.
(٣) أخرجه عنهما ابن جرير في جامع البيان ٣/٧٥٠. وانظر : زاد المسير لابن الجوزي١/٢٥٢، التفسير الكبير
٢/٤٢٣.
(٤) أخرجه عنهما ابن جرير في جامع البيان ٣/٧٥٤.

سلك أهل العلم في توجيه التبعيض في قوله تعالى :﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ وما يستفاد منه، من أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتصر على فرقة من هذه الأمة لا كلها، مسلك الجمع، وذكروا في ذلك وجوهاً منها ما يلي :
الوجه الأول : أن المقصود من التبعيض في الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم أهل العلم الذين يعرفون كون ما يأمرون به معروفاً، وما ينهون عنه منكراً، وهذا لا يعني أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير واجب على كل فرد من هذه الأمة بحسبه، بل إن بقية أفراد الأمة المكلفين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تابعون لتلك الفرقة مقتدون بهم في ذلك(١).
قال ابن عطية :" قال الضحاك والطبري وغيرهما أمر المؤمنون أن تكون منهم جماعة بهذه الصفة... فعلى هذا القول (من) للتبعيض، وأمر الله الأمة بأن يكون منها علماء يفعلون هذه الأفاعيل على وجوهها، ويحفظون قوانينها على الكمال، ويكون سائر الأمة متبعين لأولئك، إذ هذه الأفعال لا تكون إلا بعلم واسع، وقد علم تعالى أن الكل لا يكون عالماً "(٢).
ويدل لذلك أن الله قرن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بالدعوة إلى الخير والإيمان، والدعاة إلى الإيمان ينبغي أن يكونوا علماء بما يدعون إليه، وليس الخلق كلهم علماء(٣).
(١) انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/٩١، إرشاد العقل السليم لأبي السعود ٢/١٣، تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص ١٤٢.
(٢) المحرر الوجيز ١/٤٨٥.
(٣) انظر : معاني القرآن للزجاج ١/٤٥٢، الكشاف للزمخشري ١/٤٠٦، التفسير الكبير للرازي ٣/٣١٤، ٣١٥. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٤/١٦٥، البحر المحيط لأبي حيان ٣/٣٢، أنوار التنزيل للبيضاوي ١/٢٨٥.

حيث إن الآية وحديث عدي - رضي الله عنه - يدلان على عدم حل الصيد إذا أكل منه الكلب، وقوله في حديث أبي ثعلبة :( وإن أكل منه ) يدل على حل أكل صيد الكلب المعلم سواء أكل منه أو لم يأكل.
وقد سلك أهل العلم في دفع ما يتوهم من التعارض بينهما مسلك الجمع والنسخ والترجيح، وذلك كما يلي :
أولاً ـ الجمع بينهما، وقد اختلفت أنظار أهل العلم في ذلك على وجوه منها :
الوجه الأول : أن حديث عدي - رضي الله عنه - يحمل على ما إذا أكل الجارح من الصيد مباشرة، وحديث أبي ثعلبة يحمل على ما إذا قتله وتركه ثم جاع فعاد فأكل منه.
وهذا الوجه قال به القائلون بتحريم الأكل من الصيد إذا أكل منه الكلب(١)، ونسبه ابن كثير لإمام الحرمين الجويني في كتابه النهاية، وقال :" هذا تفريق حسن، وجمع بين الحديثين صحيح "(٢)، كما استحسنه ابن القيم(٣)، والشوكاني(٤)، وصديق حسن خان(٥).
الوجه الثاني : أن حديث عدي - رضي الله عنه - محمول على كراهة التنزيه، وحديث أبي ثعلبة - رضي الله عنه - يحمل على بيان الجواز، قالوا : ومناسبة ذلك أن عدياً كان موسراً، فاختير له الحمل على الأولى، بخلاف أبي ثعلبة، فإنه بعكسه.
وبهذا الوجه قال من يرى حل أكل الصيد إذا أكل منه الكلب(٦).
(١) انظر : فتح الباري لابن حجر ٩/٦٠٢.
(٢) تفسيره ٣/٣٦. وانظر ٣/٢١.
(٣) انظر : تهذيب السنن لابن القيم ٨/٥٩.
(٤) انظر : فتح القدير للشوكاني ٢/١٤.
(٥) انظر : فتح البيان ٣/٣٥٠، شرح النووي لصحيح مسلم ١٣/٧٧، عون المعبود شرح سنن أبي داود لشمس الحق آبادي ٨/٥١.
(٦) انظر : معالم السنن للخطابي ٤/٢٦٩، المعلم بفوائد مسلم للمازري ٣/٤٢، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي ٥/٢١٢، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٦/٧٠، شرح النووي لصحيح مسلم ١٣/٧٦، فتح الباري لابن حجر ٩/٦٠٢.

١- عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : كنا جلوساً عند رسول الله - ﷺ -، فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال :" إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون(١) في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروب الشمس، فافعلوا "(٢).
٢- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قلنا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟، قال رسول الله - ﷺ - :" هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحواً ؟ "، قلنا : لا، قال :" فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ، إلا كما تضارون في رؤيتهما... الحديث "(٣).
وغيرهما من الأحاديث الواردة في رؤية الله تبارك وتعالى في الآخرة (٤).
وجه التعارض المتوهم :
(١) لا تضامون : بتشديد الميم وتخفيفها، فالتشديد من الضم ومعناه تزاحمون، والتخفيف من الضيم أي : لا يظلم بعضكم بعضاً. انظر : غريب الحديث لابن قتيبة ١/٢٨٤، لسان العرب لابن منظور، مادة (ضيم ).
(٢) أخرجه البخاري في التوحيد، باب قول الله تعالى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾، رقم ( ٧٤٣٤ )، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، رقم (٦٣٣) ١/٤٣٩.
(٣) أخرجه البخاري في التوحيد، باب قول الله تعالى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾، رقم (٧٤٣٩) ومسلم في الإيمان، رقم (١٨٣)١/١٦٧.
(٤) وقد جمع بعض أهل العلم الأحاديث الواردة في رؤية الله تعالى في الآخرة كالدارقطني في كتاب الرؤية، وابن النحاس في رسالته : رؤية الله تبارك وتعالى، وابن القيم في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص٢٧٧-٣٠٧.

ِNs٩r& تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ âن!$t±o"... ٤٩... -٣٩٤-٣٩٨
ôQr& يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ ¾د&خ#ôزsù... ٥٤
bخ*sù تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ "!$$خ/... ٥٩
bخ)ur تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ "!$#... ٧٨... -٤٠٣
ئىدمƒ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ©!$#... ٨٠
ںxsùr& يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا #ZژچدWں٢... ٨٢... -١٣-٣٩-٥٢-٥٦-٥٧-٦٠-٢٦٨-٥٧٩
`¨B يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا... ٨٥
$tBur كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً... وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا $VJٹدàtم... ٩٢-٩٣... -٥٦٨
#sŒخ)ur ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ÷... ١٠١... -٤٠-٤٠٨-٤٠٩-٤١٠-٤١١-٤١٢-٤١٣-٤١٤
#sŒخ)ur كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ ×pxےح !$sغ مِنْهُمْ y٧tè¨B... ١٠٢... -٢٤٨-٢٤٩-٤١٠-٤١٦-٤١٧-٤٢٠
فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ... ١٠٣
!$¯Rخ) أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ ھ!$#... ١٠٥
سورة المائدة
uژِچxî مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ îPمچمm... ١
$pkڑ‰r'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ tP#tچptّ:$#... ٢... -٢٢٧-٥٠١
ôMtBجhچمm عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ P¤$!$#ur... ٣... -١٤٤-١٤٩-١٥٠-١٥٣-١٥٤-١٥٥
y٧tRqè=t"َ، o" مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ... ٤... -٤٢٤-٤٢٥-٤٣١-٤٣٢-٤٣٤-٤٣٥-٥٣٤
tPِqu‹ّ٩$# أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ... وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ...... ٥... -٤٣٦-٤٣٧-٥٥٠
الزجاج = إبراهيم بن محمد بن السري الزجاج البغدادي
زر بن حبيش بن حباشة الأسدي الكوفي... ٤٧
الزرقاني = محمد بن عبد العظيم الزرقاني
الزركشي = محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي المصري
الزَّمخشري = جار الله محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزَّمخشري
زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري... ٤٨٣
زيد الخيل بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي... ٣٩٢
زيد بن أسلم العدوي المدني... ٣٨٦
زيد بن خالد الجهني... ٣٧٢
الزيلعي = عثمان بن علي بن محجن بن يونس الزيلعي
سبرة بن معبد الجهني... ٣٦٢
السبكي = علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي
السرخسي = محمد بن أحمد بن سهل السرخسي
سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي... ٤١٨
سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير الخزرجي... ٤٥١
سعيد بن مسعدة المجاشعي الأخفش الأوسط... ٤٥٣
سلمة بن دينار، أبو حازم الأعرج المدني... ١٩٧
سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي... ٦
سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب آل الشيخ... ٤٠١
سماك بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي... ٥٣٦
السمرقندي = نصر بن محمد بن أحمد السمرقندي
السمعاني = منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد التميمي السمعاني
السمين الحلبي = أحمد بن يوسف بن محمد الحلبي الشافعي
سهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري... ٢٠٣
السهيلي = عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي
سواد بن غزية الأنصاري... ٢٩٢
سويد بن النعمان بن مالك الأنصاري... ٤٤٠
الشاطبي = إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشهير بالشاطبي
شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي... ٣٤٠
الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف القرشية العدوية... ٣٠٧
الشنقيطي = محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي
الشيرازي = إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي الشيرازي
صدي بن عجلان بن وهب الباهلي... ٢٦
صديق خان بن حسن بن علي القنوجي... ١٥١
الصعب بن جثامة الليثي... ٥٠٥
الصلت السدوسي... ٥٢٨
" الأعلام، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة عشر، ١٩٩٩م.
" أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، لحمْد بن محمد الخطابي، تحقيق : محمد بن سعد آل سعود، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، ١٤٠٩هـ.
" إعلام الموقعين عن رب العالمين، لمحمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق : طه سعد، دار الكتب العلمية، بيروت.
" اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق : ناصر العقل، دار عالم الكتب، بيروت، الطبعة السابعة، ١٤١٩هـ.
" الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، لمحمد بن أحمد الشربيني، تحقيق : علي أبو الخير ومحمد وهبي سليمان، دار الخير، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ.
" الإقناع لطالب الانتفاع، لموسى بن أحمد الحجاوي المقدسي، تحقيق : عبد الله التركي، دار هجر، القاهرة، الطبعة الثانية، ١٤١٩هـ.
" إكمال المعلم بفوائد مسلم ( شرح صحيح مسلم )، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق : يحيى إسماعيل، دار الوفاء، مصر، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ.
" الأم، للإمام محمد بن أدريس الشافعي، تحقيق : محمد زهري النجار، دار المعرفة، بيروت.
" أمالي المرتضى، ( غرر الفوائد ودرر القلائد )، لعلي بن الحسين الشريف المرتضى، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ١٣٧٣هـ.
" الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي، لعارف خليل أبو عيد، دار الأرقم، الكويت، الطبعة الأولى، ١٤٠٤هـ.
" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لشيخ الإسلام بن تيمية، نشر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، السعودية، ١٤١٨هـ.
" إنباه الرواة على أنباء النحاة، لعلي بن يوسف القفطي، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٤٠٦هـ.


الصفحة التالية
Icon