٢- تأويل مختلف الحديث، للإمام ابن قتيبة الدينوري(١)، فقد جعل من مقاصد تأليفه لهذا الكتاب رد دعوى وجود أحاديث تخالف القرآن فقال :" ذكر الأحاديث التي ادعوا ـ أي أصحاب الأهواء ـ عليها التناقض، والأحاديث التي تخالف عندهم كتاب الله تعالى، والأحاديث التي يدفعها النظر والعقل "(٢).
وقد استعرضت الكتاب كاملاً فوجدت فيه ما يقرب من عشرين موضعاً من موهم التعارض بين الآيات والأحاديث.
٣- دفع التعارض عما يوهم التناقض بين الكتاب والسنة، للإمام الطوفي(٣)، وهذا الكتاب أحال عليه مؤلفه في كتابه الإشارات الإلهية(٤).
وهذا الكتاب مفقود ؛ فلا يمكن الجزم بأنه في دفع ما يتوهم من التعارض بين القرآن والسنة ؛ إذ قد يكون في دراسة التعارض بين الكتاب والسنة دراسة أصولية، كما هو حال مؤلفه فهو من أئمة الأصول.

(١) ابن قتيبة هو : أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّيْنَوَري النحوي اللغوي، له تصانيف مشهورة في فنون متنوعة، من كبار العلماء المشهورين، نزل بغداد وبعد صيته، من مصنفاته : تأويل مشكل القرآن، وتأويل مختلف الحديث، توفي سنة (٢٧٦هـ). انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي ١٣/٢٩٦، بغية الوعاة للسيوطي ٢/٦٢.
(٢) تأويل مختلف الحديث ص ١٤٣.
(٣) الطوفي : أبو الربيع نجم الدين سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي الصرصري الحنبلي، فقيه أصولي بارع في العلوم، وكان أديباً شاعراً، له شرح مختصر الروضة، وشرح الأربعين النووية، توفي سنة (٧١٦هـ). انظر : بغية الوعاة للسيوطي١/٥٩٩، شذرات الذهب لابن العماد ٣/٣٩.
(٤) ٢/٣٤. وهذا الكتاب ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة ٢/٢٩٧، وحاجي خليفة في كشف الظنون
١/٧٥٦، و د. الفنيسان في آثار الحنابلة في علوم القرآن ص ١٢٨.

أ- أن يبتدر النبي - ﷺ - الصحابة بتفسير آية، وفي هذا قد يذكر النبي - ﷺ - الآية ثم يفسرها أو العكس، ومن أمثلة ذكر الآية ثم تفسيرها ما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - ﷺ - قال :" قيل لبني إسرائيل ﴿ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ٥٨] فدخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة "(١).
ومن ذلك ما جاء عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - ﷺ - :" يدعى نوح يوم القيامة فيقول : لبيك وسعديك يا رب، فيقول : هل بلغت ؟ فيقول : نعم، فيقال لأمته : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير، فيقول : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلغ، ويكون الرسول عليكم شهيداً، فذلك قوله جل ذكره :
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة : ١٤٣]، " والوسط العدل "(٢).
(١) أخرجه البخاري في التفسير، باب قوله :﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا ﴾، رقم (٤٤٧٩) ٦/١٩، ومسلم في التفسير، رقم (٣٠١٥) ٤/٢٣١٢.
(٢) أخرجه البخاري في التفسير، باب قوله :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾، رقم (٤٤٨٧) ٦/٢١.

ولم تسلم هذه التعريفات وغيرها ـ مما لم يذكر ـ من المناقشة والنقد، مما لا يسع المجال لذكره هنا(١).
ومن مجموع ما عرف به الأصوليون التعارض، يمكن أن يعرف التعارض الذي هو موضوع هذا البحث ـ وهو التعارض بين القرآن والسنة ـ بأنه :" تقابل آية قرآنية وحديث نبوي، على وجه يمنع كل منهما مقتضى الآخر، تقابلاً ظاهراً ".
شرح التعريف :
( تقابل ) : جنس في التعريف يشمل كل تقابل سواء كان بين آية قرآنية وحديث نبوي أو غير ذلك.
( آية قرآنية وحديث نبوي ) : قيد يخرج به التقابل بين غير الآية والحديث كالتقابل بين آيتين أو حديثين أو آية أو حديث مع دليل آخر غيرهما مما ليس من موضوع هذا البحث.
( قرآنية ) قيد للآية، يخرج به غير الآية القرآنية كالآية الكونية والآية اللغوية.
(نبوي ) قيد للحديث المرفوع، يخرج به الأحاديث الموقوفة على الصحابة(٢)، والأحاديث المقطوعة المروية عن التابعين.
(١) للاطلاع على مزيد من التعريفات والمآخذ عليها ومنا قشتها راجع ما يلي : التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية للبرزنجي١/١٨-٣١، التعارض والترجيح عند الأصوليين للحفناوي ص٢٩-٤١، دراسات في التعارض والترجيح عند الأصوليين للسيد صالح عوض ص ١٧-٤٩، منهج التوفيق والترجيح للسوسوة ص ٤٦-٤٩، تعارض دلالات الألفاظ والترجيح بينها، للباحث : عبد العزيز العويد ص ٣٣-٤١، رسالة دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية غير مطبوعة، حكم التعارض بين أدلة الكتاب والسنة للترتوري، بحث في مجلة جامعة الملك سعود، المجلد الخامس / العلوم التربوية والدراسات الإسلامية ١/١٠٠، ١٠١.
(٢) وسيأتي في الدراسة التطبيقية بعض الأحاديث التي اختلف في رفعها ووقفها، والظاهر أنها موقوفة، وقد دخلت في هذا البحث ؛ لأن من أشار إلى تعارضها مع الآية نظر إليها باعتبار أنها من قبيل المرفوع.

٢-٢- قال تعالى :﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة : ٤٨].
وقال تعالى :﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة : ١٢٣].
وقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٥٤].
وقال تعالى :﴿ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام : ٥١].
وقال تعالى :﴿ وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ ﴾ [الأنعام : ٧٠]. (١).
موهم التعارض من السنة :
(١) جاء نظير هذه الآيات فيما يتعلق بنفي الشفاعة والشفيع في قوله تعالى :﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ﴾ [الشعراء : ١٠٠ ]، وقوله تعالى :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ َOخgح !%x.uژà° شُفَعَاءُ ﴾ [ الروم : ١٣]، وقوله تعالى :﴿ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [السجدة : ٤]، وقوله تعالى :﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [ غافر : ١٨]، وقوله تعالى :﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [ المدثر : ٤٨ ].

فيقال : إن ذلك من باب التأكيد على إباحة الكبد والطحال(١)، ولعل ذلك راجع لكون الكبد والطحال في صورتهما الظاهرة، وأصل تكوينهما، وغالبهما دماً، فخيف أن يتوهم أنهما من الدماء المحرمة، فجاء الحديث مبيناً ومؤكداً لحكم أكل الكبد والطحال، وأنه حلال ؛ دفعاً لذلك التوهم.
قال الجصاص :" وقوله - ﷺ - :" أحلت لي ميتتان ودمان " إنما ورد مؤكداً لمقتضى قوله عز وجل :﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ﴾ إذ ليسا بمسفوحين، ولو لم يرد لكانت دلالة الآية كافية في الاقتصار بالتحريم على المسفوح منه دون غيره، وأن الكبد والطحال غير محرمين "(٢).
هذا وقد سلك أهل العلم في دفع ما قد يتوهم من التعارض بين قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ﴾ وما في معناه من الآيات المطلقة، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما، مسلكي الجمع والنسخ، وذلك كما يلي :
أولاً : مسلك الجمع بين الآيات والأحاديث، وإليه صار طائفة من أهل العلم، فقالوا : إن الآيات عامة في تحريم كل دم، وهذا العموم مخصص بالسنة بإباحة أكل الكبد والطحال من جملة الدماء، بدليل ما تقدم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(١) انظر : أحكام القرآن للجصاص ٣/٢٩٦.
(٢) المصدر السابق ٣/٢٩٦، الدماء في الإسلام لعطية محمد سالم ص ٤٩.

وممن قال بهذا الوجه النسائي(١)، وابن جرير(٢)، والجصاص(٣)، وانتصر له ابن كثير فقال :" هو المتعين حمل الحديث عليه "(٤).
الوجه الثاني : أن يحمل حديث حذيفة - رضي الله عنه - على أنه لم يتبين لهم الفجر حين سحورهم بعد، وبهذا جمع ابن حزم ـ بعد أن ذكر بعض روايات حديث حذيفة - رضي الله عنه - ـ فقال :" هذا كله على أنه لم يكن يتبين لهم الفجر بعد، فبهذا تتفق السنن مع القرآن "(٥).
وقد جمع ابن حزم بهذا ؛ لأنه كان يرى جواز الأكل وغيره بعد طلوع الفجر ما لم يتبين لمريد الصوم طلوعه(٦).
ثانياً : مسلك النسخ :
ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن حديث حذيفة - رضي الله عنه - منسوخ، ولكنهم اختلفوا في الناسخ، فمنهم من قال : إنه منسوخ بقوله تعالى :﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [ البقرة : ١٨٧].
قالوا : ويدل على ذلك حديث سهل بن سعد(٧)
(١) انظر : تحفة الأشراف للمزي ٣/٣٢، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٥١٨، الفروع لابن مفلح ٣/٥٢، ولم أقف على قول النسائي هذا لا في السنن الصغرى ولا في السنن الكبرى، والله أعلم.
(٢) انظر : جامع البيان لابن جرير ٣/٢٦٠.
(٣) انظر : أحكام القرآن ١/٢٨٦، و٥/٣٣٧.
(٤) تفسير القرآن العظيم ١/٥١٨. وانظر : حاشية السندي على سنن النسائي مع السنن ٤/١٤٢.
(٥) المحلى ٦/٢٣٢.
(٦) المصدر السابق ٦/٢٣٠.
(٧) سهل بن سعد هو : سهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري، من مشاهير الصحابة، روى عن النبي - ﷺ -، ومات النبي - ﷺ - وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو - رضي الله عنه - آخر من مات من الصحابة في المدينة، وذلك سنة
٩١هـ). انظر : أسد الغابة لابن الأثير٢/٣٥٦، الإصابة لابن حجر ٣/٢٠٠.

فعلى هذه الأقوال لا يوجد تعارض بين قوله تعالى :﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ وهذه الأحاديث وما في معناها من الأحاديث الدالة على تحريم إتيان النساء في الأدبار ؛ لأن الآية على هذه المعاني المتقدمة لا تدل على إباحة ذلك، وهذا هو الصحيح.
قال ابن جرير بعد ترجيحه للقول الثاني :" وإذا كان ذلك هو الصحيح، فبيّنٌ خطأ قول من زعم أن قوله :﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ دليل على إباحة إتيان النساء في الأدبار ؛ لأن الدبر لا محترث فيه، وإنما قال تعالى ذكره ﴿ ِس^ِچym لَكُمْ ﴾ فائتوا الحرث من أي وجوهه شئتم، وأيّ محترث في الدبر فيقال : ائته من وجهه؟! "(١).
القول الرابع : إن المراد بقوله تعالى :﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ أي حيث شئتم، وأين شئتم(٢).
وعلى هذا القول، فظاهر قوله تعالى :﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ يدل على إباحة إتيان النساء في الأدبار، وهذه الأحاديث وما في معناها من الأحاديث تدل على تحريم ذلك، فيكون بين الآية وهذه الأحاديث ما يوهم التعارض، وهو ما سيأتي دفعه إن شاء الله تعالى(٣).
(١) جامع البيان ٣/٧٦١.
(٢) انظر : جامع البيان لابن جرير ٣/٧٥١-٧٥٣، المحرر الوجيز لابن عطية ١/٢٩٩، زاد المسير لابن الجوزي ١/٢٥٢.
(٣) وقد أشار إلى ما قد يتوهم من التعارض بين الآية وهذه الأحاديث المازري في المعلم بفوائد مسلم ٢/١٠٣، والقرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٤/١٥٧، ١٥٨، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٣/٩٥، وابن حجر في فتح الباري ٨/١٩١، ١٩٢، والشوكاني في نيل الأوطار ٦/٣٥٤.

كما يدل لذلك أن في الأمة من لا يقدر على الدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مثل المرضى والعاجزين ونحوهم(١).
الوجه الثاني : أن المقصود من التبعيض في الآية الإشارة إلى أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل فرد من الأمة فرض كفائي، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإن تركوه كلهم فإنهم يأثمون(٢).
قال البيضاوي :" خاطب الجميع وطلب فعل بعضهم ليدل على أنه واجب على الكل حتى لو تركوه رأساً أثموا جميعاً، ولكن يسقط بفعل بعضهم، وهكذا كل ما هو فرض كفاية "(٣).
الوجه الثالث : أن المقصود من التبعيض، وتنكير ( أمة ) في الآية الإشارة إلى قلة من يعنون بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، في كل زمان ومكان، ونظير ذلك قوله تعالى :﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ [الحشر: ١٨]، فقد وجه الخطاب على نفس منكرة ؛ تنبيهاً على قلة الناظر في معاده، كما قال ابن المنير(٤).
وبهذا يزول ما قد يتوهم من التعارض بين هذه الآية على هذا المعنى، وحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، ولله الحمد والمنة.
- - -
(١) انظر : التفسير الكبير للرازي ٣/٣١٤، ٣١٥.
(٢) انظر : التفسير الكبير للرازي ٣/٣١٤، ٣١٥.
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل ١/٢٨٥، وانظر : إرشاد العقل السليم لأبي السعود ٢/١٣.
(٤) انظر : الانتصاف ( الكشاف ١/٤٠٦).
وابن المنير هو : أبو العباس أحمد بن محمد بن منصور بن أبي القاسم بن مختار بن أبي بكر الجذامي المالكي القاضي الشهير بابن المنير، كان إماماً في النحو والأدب والأصول والتفسير، وله يد طولى في علم البيان والإنشاء، له الانتصاف حاشية على الكشاف، مات سنة ( ٦٨٣ هـ).
انظر : بغية الوعاة للسيوطي ١/٣٨٤، طبقات المفسرين للداودي ص ٦٥.

الوجه الثالث : أن حديث عدي - رضي الله عنه - هو الأصل في تحريم الأكل مما أكل الكلب منه، ويحمل حديث أبي ثعلبة - رضي الله عنه - على الأكل فيما مضى من الزمان وتقدم، لا في هذه الحال ؛ لأن من الفقهاء من ذهب إلى أنه إذا أكل الكلب المعلم من الصيد مدة بعد أن كان لا يأكل، فإنه يحرم كل صيد كان قد اصطاده قبل، فكأنه قال : كل منه وإن كان قد أكل فيما تقدم، إذا لم يكن قد أكل في هذه الحالة.
وهذا الوجه ذكره الخطابي(١).
الوجه الرابع : يحمل حديث عدي - رضي الله عنه - على ما إذا أكل منه الجارح الصائد، وحديث أبي ثعلبة يحمل على ما إذا أكل منه غيره(٢).
ثانياً : مسلك النسخ :
ذهب ابن عبد البر إلى أن حديث عدي - رضي الله عنه - منسوخ بحديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - (٣).
ثالثاً : مسلك الترجيح :
وذلك بتقديم حديث عدي - رضي الله عنه - على حديث أبي ثعلبة - رضي الله عنه -، وممن ذهب إلى هذا المسلك الجصاص(٤)، والبيهقي(٥)، وابن القيم(٦)، ونسبه ابن كثير إلى الجمهور(٧)، واستدلوا على ذلك بأدلة منها :
١- النظر في سند الحديثين، فحديث عدي - رضي الله عنه - أرجح ؛ لكونه في أعلى مراتب الصحة ؛ فهو مما اتفق البخاري ومسلم على تخريجه، وحديث أبي ثعلبة بهذا اللفظ قد أعله بعض أهل العلم، كما سبق بيان ذلك. (٨)
(١) معالم السنن ٤/٢٦٩.
(٢) انظر : فتح القدير للشوكاني ٢/١٤.
(٣) انظر : الاستذكار لابن عبد البر ٥/٢٧٧.
(٤) انظر : أحكام القرآن للجصاص ٣/٣١٢.
(٥) انظر : السنن الكبرى للبيهقي ٩/٣٩٨.
(٦) انظر : تهذيب السنن ٨/٥٩.
(٧) انظر : تفسيره ٣/٢١.
(٨) انظر : المغني لابن قدامة ١٣/٢٦٤، المجموع شرح المهذب للنووي ٩/١٠٦، شرح النووي لصحيح مسلم
١٣/٧٧، سبل السلام للصنعاني ٤/١٧٠.

قد يُستدل بقوله تعالى في الآية الكريمة :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ u ﴾ على نفي رؤية الله تعالى مطلقاً، سواء في الدنيا أو في الآخرة، وهذان الحديثان وما في معناهما تدل على رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة(١).
دفع موهم التعارض :
إن من عقيدة أهل السنة والجماعة إثبات رؤية المؤمنين لربهم تبارك وتعالى، في الآخرة بأبصارهم، جهرة كما يرى القمر ليلة البدر، بدليل قوله تعالى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [ القيامة : ٢٢، ٢٣]، وقوله تعالى :﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [ يونس : ٢٦] على أن الحسنى هي الجنة، والزيادة يعنى بها النظر إلى وجه الله الكريم، كما يدل على ذلك قوله تعالى عن الكفار :﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [ المطففين: ١٥].
وقد جاءت السنة بذلك في أحاديث كثيرة منها ما تقدم في حديثي جرير بن عبد الله وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.
قال ابن كثير :" وأما السنة فقد تواترت الأخبار عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وأنس، وجرير، وصهيب، وبلال، وغير واحد من الصحابة، عن النبي - ﷺ - أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة، في العرصات، وفي روضات الجنات، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه، آمين "(٢).
وقد حكى إجماع السلف على إثبات الرؤية عدد كبير من علماء الإسلام منهم الدارمي(٣)،
(١) وقد أشار إلى ما قد يتوهم من التعارض بين الآية وهذه الأحاديث ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص ٢٩٧، وابن جرير في جامع البيان ٩/٤٥٨-٤٦٥، والزجاج في معاني القرآن ٢/٢٧٩، والقرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ١/٤٠٤، وابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل ١/٢٧١، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم ٣/٣٠٩، وغيرهم.
(٢) تفسير القرآن العظيم ٣/٣٠٩.
(٣) انظر : الرد على الجهمية ص ١٠٣.
والدارمي هو : أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد السجستاني الحافظ الإمام الحجة صاحب التصانيف، فاق أهل زمانه في علم الحديث وعلله، له الرد على الجهمية والنقض على المريسي، توفي سنة (٢٨٠هـ).
انظر : تذكرة الحفاظ للذهبي ٢/٦٢١، شذرات الذهب لابن العماد ١/١٧٦.

$pkڑ‰r'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ِNن٣tƒد‰÷ƒr&ur... ٦... -٤٤٠-٤٤١-٤٤٣-٤٤٧-٤٤٨-٤٤٩-٤٥٢-٤٥٣-٤٥٤-٤٥٥-٤٥٦-٤٥٧-٤٥٨-٤٦٢-٤٦٣-٤٦٤-٤٦٥-٤٦٨
(#qن٩د‰ôم$# هُوَ أَقْرَبُ ٣"uqّ)­G=د٩... ٨
ّŒخ)ur قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ِNن٣ّ‹n=tو... ٢٠... -١١٧
ن-ح'$، ،٩$#ur وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ... ٣٨... -٤٦٩-٤٧٠-٤٧٢-٤٧٣-٤٧٤-٤٧٦
$oYِ;tFx.ur عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ ؤ

ّے¨Z٩$$خ/... ٤٥... -١٦٣-١٧٣

ِ@è% هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ ھ!$#... ٦٠
$pkڑ‰r'¯"tƒ الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ... ٦٧... -٤٨٠-٤٨١-٤٨٢-٤٨٣-٤٨٤
(# qفàxےôm$#ur أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ... ٨٩... -٤٨٧-٤٨٨
$pkڑ‰r'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ ×Pمچمm... ٩٥... -٤٩٠-٤٩٢-٥٠٤
¨@دmé& لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ حou'$

‹، ،=د٩ur... ٩٦... -١٤٥-٤٨٩-٤٩٠-٤٩٢-٤٩٣-٤٩٤-٤٩٦-٤٩٧-٤٩٩-٥٠١-٥٠٢-٥٠٣-٥٠٤-٥٠٥

#sŒخ)ur قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى ةAqك™

چ٩$#... ١٠٤

$pkڑ‰r'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا َOçF÷ƒy‰tF÷d$#... ١٠٥... -٥٠٧-٥٠٨-٥١٠-٥١٣
سورة الأنعام
ِqs٩ur نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ ِNحk‰د‰÷ƒr'خ/... ٧
@è% اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ... ١٩
ِ'ة‹Rr&ur بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ... ٥١... -١١٩
@è% لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ... ٥٨... -٥١٨
طاهر بن صالح، أو محمد بن صالح السمعوني الجزائري... ١٠١
طاووس بن كيسان الفارسي اليمني الجندي... ٤٤
طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد البكري الوائلي... ٥٥٨
طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو التيمي... ٥٠٠
الطوفي = سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي
الطيبي = الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي
عاصم ابن أبي النجود الأسدي مولاهم الكوفي... ٤٧
عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة العامري... ٣٩٣
عبد الحق بن غالب بن عبد الملك بن عطية الغرناطي... ١٣٥
عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري... ٢٣
عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي الشهير بابن رجب... ٢٥٤
عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس العبشمي... ٤٨٦
عبد الرحمن بن شبل بن عمرو بن زيد الأنصاري... ٣٧٧
عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي... ٤٧٨
عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي... ٥٠٠
عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي... ٤٤
عبد الرحمن بن مطعم البناني البصري... ٢٨٤
عبد الرحيم بن الحسن بن علي الأرموي الأسنوي... ٣٣
عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر العراقي... ١٠٧
عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني... ٥٥٩
عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل القزويني... ٥٧٢
عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي... ١٥٠
عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين العكبري... ٢٣٢
عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الراهب الأنصاري... ٤٤٤
عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امريء القيس الخزرجي... ٥٦١
عبد الله بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي... ٣٠٨
عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم اليحصبي... ٤٤٩
عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي... ١٤٦
عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّيْنَوَري... ٦
عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي... ١٩٧
عبد الملك بن أبي عبد الله محمد بن عبد الله الجويني... ١٠٩
عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي... ٣٣
عبيد بن سليم بن حصار الأشعري... ٢٢٤
" الانتصاف على الكشاف، لأحمد بن المنيِّر الاسكندري، مطبوع مع الكشاف، تحقيق : عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ.
" أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة من غرائب آي التنزيل، لمحمد بن أبي بكر الرازي، تحقيق : محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١١هـ.
" أنوار التنزيل وأسرار التأويل، لعبد الله بن عمر البيضاوي، تحقيق : محمد صبحي حلاق ومحمد بن أحمد الأطرش، دار الرشيد، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢١هـ.
" الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، لمحمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق : صغير أحمد بن محمد حنيف، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤١٤هـ.
" أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، لعبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري، دار الجيل، بيروت، الطبعة الخامسة، ١٣٩٩هـ.
" الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ومعرفة أصوله واختلاف الناس فيه، لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق : أحمد فرحات، دار المنارة، جدة، الطبعة الأولى، ١٤٠٦هـ.
" الإيمان بالقضاء والقدر، لمحمد بن إبراهيم الحمد، دار ابن خزيمة، الرياض، الطبعة الثالثة، ١٤١٩هـ.
" الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير، لأحمد بن محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٣هـ.
" بحر العلوم، لنصر بن محمد السمرقندي، تحقيق : علي معوض وآخرين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٣هـ.
" البحر المحيط، لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي، تحقيق : عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٣هـ.
" البحر المحيط في أصول الفقه، لمحمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق : عمر الأشقر وعبد الستار أبو غدة ومحمد الأشقر، دار الصفوة، مصر، الطبعة الثانية، ١٤١٣هـ.


الصفحة التالية
Icon