فهذه الآية دليل على أن الله تعالى راض عن أفعال نبيه - ﷺ -، وأن أفعاله موافقة لمراد ربه ؛ إذ رغب عز وجل في الائتساء به عليه السلام، فلما كان الأمر كذلك، تبين أنه لا تعارض ولا اختلاف في شيء من القرآن والحديث الصحيح، وأنه كله متفق، وبهذا يبطل مذهب من أراد ضرب الحديث بعضه ببعض، أو ضرب الحديث بالقرآن(١).
٥- عن المقدام بن معد يكرب الكندي(٢)أن رسول الله - ﷺ - قال :" يوشك الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله - ﷺ - مثل ما حرم الله " (٣).
(١) انظر : الإحكام لابن حزم ٢/٢٤٠، ٢٤١.
(٢) هو المقدام بن معد يكرب بن عمرو بن يزيد، من كندة، أبو كريمة، وقيل : أبو صالح، وقيل : أبو يحيى، صحب النبي - ﷺ -، يعد في أهل الشام، وبه مات - رضي الله عنه - سنة (٨٧هـ) وهو ابن إحدى وتسعين سنة.
انظر : الاستيعاب لابن عبد البر ٤/١٤٨٢، الإصابة لابن حجر ٦/١٦١.
(٣) أخرجه أحمد في المسند رقم (١٧١٧٤) ٢٨/٤١٠، وأبو داود في السنة، باب في لزوم السنة، رقم (٤٦٠٤) ٤/٢٠٠، والترمذي في العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث رسول الله - ﷺ -، رقم (٢٦٦٤) ٥/٣٨، وقال :" هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه "، وابن ماجه في المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله - ﷺ - والتغليظ على من عارضه، رقم (١٢)١/٦، والدارمي في باب السنة قاضية على كتاب الله، رقم (٥٩٢) ١/١١٧.
والحديث حسنه الترمذي كما في تخريجه، وصححه ابن حبان في صحيحه ١/١٨٨، وقال الحاكم في المستدرك ١/١٩١: " إسناده صحيح "، كما صححه أحمد شاكر في تحقيقه للرسالة ص ٩١، والألباني في صحيح الجامع الصغير ١/٥١٦.
(٢) هو المقدام بن معد يكرب بن عمرو بن يزيد، من كندة، أبو كريمة، وقيل : أبو صالح، وقيل : أبو يحيى، صحب النبي - ﷺ -، يعد في أهل الشام، وبه مات - رضي الله عنه - سنة (٨٧هـ) وهو ابن إحدى وتسعين سنة.
انظر : الاستيعاب لابن عبد البر ٤/١٤٨٢، الإصابة لابن حجر ٦/١٦١.
(٣) أخرجه أحمد في المسند رقم (١٧١٧٤) ٢٨/٤١٠، وأبو داود في السنة، باب في لزوم السنة، رقم (٤٦٠٤) ٤/٢٠٠، والترمذي في العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث رسول الله - ﷺ -، رقم (٢٦٦٤) ٥/٣٨، وقال :" هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه "، وابن ماجه في المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله - ﷺ - والتغليظ على من عارضه، رقم (١٢)١/٦، والدارمي في باب السنة قاضية على كتاب الله، رقم (٥٩٢) ١/١١٧.
والحديث حسنه الترمذي كما في تخريجه، وصححه ابن حبان في صحيحه ١/١٨٨، وقال الحاكم في المستدرك ١/١٩١: " إسناده صحيح "، كما صححه أحمد شاكر في تحقيقه للرسالة ص ٩١، والألباني في صحيح الجامع الصغير ١/٥١٦.
وقد جاء في الصحيح ما يدل على ذلك أيضاً، فقد روى ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال :" إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئاً ؟، قالوا : أي شيء نشتهي ؟، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا "(١).
وأما ما جاء في حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال له :" وأحيا أباك فكلمه كفاحاً "، وما قد يفهم منه أن أبا جابر - رضي الله عنه - كان ميتاً، ثم أحياه الله تعالى ؛ ليكلمه، فالحديث فيه مقال، كما سبق في تخريجه والحكم عليه، فإن كان ضعيفاً فهو لا يقوى على معارضة الآيات المتقدمة الدالة على أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
وإن كان صحيحاً أو حسناً فقد سلك أهل العلم في توجيهه مسلك الجمع، وذكروا في ذلك وجهين هما :
الوجه الأول : يحمل قوله في الحديث :" وأحيا أباك " على أن الله تعالى جعل روحه في جوف طير خضر، فأحيا ذلك الطير بتلك الروح فصح الإحياء.
الوجه الثاني : أن المراد بالإحياء في الحديث زيادة قوة روحه، فشاهد الله بتلك القوة، وكلمه بدون حجاب ولا رسول.
وبهذين الوجهين جمع الطيبي(٢)،
(١) أخرجه مسلم في الإمارة، رقم (١٨٨٧) ٣/١٥٠٢.
(٢) انظر : الكاشف عن حقائق السنن ١٢/٣٩٤٨.
والطيبي هو : الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي، كان من علماء التفسير والحديث، له مؤلفات منها شرح مشكاة المصابيح، وكتاب الخلاصة في معرفة الحديث، توفي سنة (٧٤٣هـ).
انظر : شذرات الذهب لابن العماد ٣/١٣٧، البدر الطالع للشوكاني ١/٢٢٩.
(٢) انظر : الكاشف عن حقائق السنن ١٢/٣٩٤٨.
والطيبي هو : الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي، كان من علماء التفسير والحديث، له مؤلفات منها شرح مشكاة المصابيح، وكتاب الخلاصة في معرفة الحديث، توفي سنة (٧٤٣هـ).
انظر : شذرات الذهب لابن العماد ٣/١٣٧، البدر الطالع للشوكاني ١/٢٢٩.
وقال به الطحاوي(١)، وابن حزم(٢)، وابن كثير(٣)، وابن سعدي(٤)، وابن عثيمين(٥)، وذكره أبو العباس القرطبي(٦)، وابن حجر(٧)، والشوكاني(٨)، والشنقيطي(٩).
الوجه الثاني : أن ظاهر الآية عام في كل والد ووالدة وقريب، لكن هذا العموم أريد به الخصوص، فالمراد بقوله :﴿ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ الوالدان و الأقربون غير الوارثين ؛ أي المحجوبين بشخص أو وصف، أما من يرث من الوالدين و الأقربين فغير معني بهذه الآية.
وإلى هذا الوجه ذهب ابن جرير(١٠).
ثانياً : مسلك النسخ :
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الآية منسوخة، وأن الوصية المذكورة في الآية كانت واجبة في أول الإسلام للوالدين والأقربين، ثم نسخت فلا وصية واجبة لأحدٍ قريبٍ ولا بعيدٍ(١١).
(١) انظر : شرح مشكل الآثار ٩/٢٦٦.
(٢) انظر : الإحكام في أصول الأحكام ٤/٤٩٢، ٥١١.
(٣) انظر : تحفة الطالب له ص ٣٤٥.
(٤) انظر : تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان له ص ٨٥.
(٥) انظر : تفسير القرآن الكريم ٢/٣٠٦. وانظر أيضاً : النسخ في القرآن الكريم ل د. مصطفى زيد ٢/٥٩٥.
(٦) انظر : المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٤/٥٤١.
(٧) انظر: فتح الباري ٥/٣٧٣.
(٨) انظر : نيل الأوطار ٦/١٥٢-١٥٣.
(٩) انظر : دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ص ٢٦.
(١٠) انظر : جامع الييان ٣/١٢٣، ١٢٦، ١٣٨.
(١١) انظر : النكت والعيون للماوردي ١/٢٣٢، فتح الباري لابن حجر ٥/٣٧٣، نيل الأوطارللشوكاني ٦/٤٦، تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص ٨٥.
(٢) انظر : الإحكام في أصول الأحكام ٤/٤٩٢، ٥١١.
(٣) انظر : تحفة الطالب له ص ٣٤٥.
(٤) انظر : تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان له ص ٨٥.
(٥) انظر : تفسير القرآن الكريم ٢/٣٠٦. وانظر أيضاً : النسخ في القرآن الكريم ل د. مصطفى زيد ٢/٥٩٥.
(٦) انظر : المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٤/٥٤١.
(٧) انظر: فتح الباري ٥/٣٧٣.
(٨) انظر : نيل الأوطار ٦/١٥٢-١٥٣.
(٩) انظر : دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ص ٢٦.
(١٠) انظر : جامع الييان ٣/١٢٣، ١٢٦، ١٣٨.
(١١) انظر : النكت والعيون للماوردي ١/٢٣٢، فتح الباري لابن حجر ٥/٣٧٣، نيل الأوطارللشوكاني ٦/٤٦، تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص ٨٥.
٢- أن الحصار امتداد لغزوة حنين التي وقعت في شوال من السنة الثامنة للهجرة، كما ذكر المؤرخون أن النبي - ﷺ - خرج من مكة بعد فتحها لقتال هوازن وثقيف، في السادس من شوال، ووصل إليهم في حنين في العاشر منه، ثم وقع القتال وانتصر المسلمون، وتفرق المشركون، فمنهم من لجأ إلى أوطاس(١)فبعث النبي - ﷺ - أبا عامر الأشعري(٢)لقتالهم، ومنهم من تحصن بالطائف فتعقبهم النبي - ﷺ -، وحاصرهم أربعين ليلة ثم رجع إلى مكة(٣).
ومادام أن القتال كان دفاعاً أو استدامة لقتال سابق مبدوء قبل دخول الشهر الحرام فهو جائز.
وبمسلك الجمع أخذ ابن القيم(٤)، وابن كثير(٥)، وابن عثيمين(٦).
(١) أوطاس هو : موضع يقع شرق مكة في ديار هوازن، ويسمى أم خرمان، وأقرب المواضع المسكونة منه عشيرة. انظر : معجم البلدان لياقوت١/٢٨١، معجم الأمكنة الواردة في صحيح البخاري لابن جنيدل ص ٣٨-٤١.
(٢) أبو عامر هو : عبيد بن سليم بن حصار الأشعري، عم أبي موسى الأشعري، أسلم قديماً وهاجر إلى الحبشة، بعثه النبي - ﷺ - لما فرغ من حنين، على جيش إلى أوطاس فقتل في تلك المعركة، فدعا له النبي - ﷺ - بالمغفرة - رضي الله عنه -. انظر : أسد الغابة لابن الأثير٦/١٩٨، الإصابة لابن حجر ٧/٢١٠.
(٣) انظر : سيرة النبي - ﷺ - لابن هشام ٤/٦٨، ٨٤، ١٢٢-١٢٨، زاد المعاد لابن القيم ٣/ ٣٤٠-٣٤١، البداية والنهاية لابن كثير٧ /٥-٧٧، السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ل د. مهدي أحمد ص٥٨٣-٥٩٤.
(٤) انظر : زاد المعاد ٣/٣٤١.
(٥) انظر : تفسير القرآن العظيم ٤/١٥٠.
(٦) انظر : تفسير القرآن الكريم ٣/٥٤-٥٥، النسخ في القرآن الكريم ل د. مصطفى زيد ٢/٦٦٤.
(٢) أبو عامر هو : عبيد بن سليم بن حصار الأشعري، عم أبي موسى الأشعري، أسلم قديماً وهاجر إلى الحبشة، بعثه النبي - ﷺ - لما فرغ من حنين، على جيش إلى أوطاس فقتل في تلك المعركة، فدعا له النبي - ﷺ - بالمغفرة - رضي الله عنه -. انظر : أسد الغابة لابن الأثير٦/١٩٨، الإصابة لابن حجر ٧/٢١٠.
(٣) انظر : سيرة النبي - ﷺ - لابن هشام ٤/٦٨، ٨٤، ١٢٢-١٢٨، زاد المعاد لابن القيم ٣/ ٣٤٠-٣٤١، البداية والنهاية لابن كثير٧ /٥-٧٧، السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ل د. مهدي أحمد ص٥٨٣-٥٩٤.
(٤) انظر : زاد المعاد ٣/٣٤١.
(٥) انظر : تفسير القرآن العظيم ٤/١٥٠.
(٦) انظر : تفسير القرآن الكريم ٣/٥٤-٥٥، النسخ في القرآن الكريم ل د. مصطفى زيد ٢/٦٦٤.
واستدل القائلون بهذا الوجه بسبب ورود حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، فإن النبي - ﷺ - نهى عن التفضيل بين الأنبياء إثر حصول المخاصمة بين المسلم واليهودي(١).
الوجه الرابع : أن النهي عن التفضيل فيما إذا كان التفضيل يفضي إلى توهم النقص في المفضول، أو الغض منه، أو كان على وجه الإزراء به، وليس معنى هذا أن يعتقد التسوية بينهم في درجاتهم ؛ لأن الله تعالى قد أخبر أنه قد فاضل بينهم.
وإلى هذا ذهب الخطابي(٢)، والبيهقي(٣)، وابن تيمية(٤)، وهو قول آخر لابن أبي العز(٥).
الوجه الخامس : أن نهيه - ﷺ - عن التفضيل من باب التواضع والأدب، وهضم النفس ؛ لأنه يعلم أنه أفضل الأنبياء، بدلالة الأحاديث المتقدمة.
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي٣/٢٦٢، شرح النووي على صحيح مسلم ١٥/ ٣٨، تفسير القرآن العظيم لابن كثير١/ ٦٧٤، الموافقات للشاطبي٥/٢٩١، شرح الكرماني على صحيح البخاري٥/٢١١، فتح الباري لابن حجر ٦/٤٤٦، لوامع الأنوار للسفاريني ٢/ ٢٩٨.
(٢) انظر : معالم السنن ٤/ ٢٨٦.
(٣) انظر : شعب الإيمان ٢/ ١٨٣.
(٤) انظر : مجموع الفتاوى ١٤/ ٤٣٦.
(٥) انظر : شرح العقيدة الطحاوية ١/١٥٩، الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ١/٢٢٧، كشف المشكل لابن الجوزي ٣/٤٦٦، شرح النووي على صحيح مسلم ١٥/ ٣٨، فتح الباري لابن حجر ٦/٤٤٦، إرشاد الساري للقسطلاني٤/ ٢٣٢، عون المعبود لشمس الحق آبادي ١٢/ ٤٢٤.
(٢) انظر : معالم السنن ٤/ ٢٨٦.
(٣) انظر : شعب الإيمان ٢/ ١٨٣.
(٤) انظر : مجموع الفتاوى ١٤/ ٤٣٦.
(٥) انظر : شرح العقيدة الطحاوية ١/١٥٩، الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ١/٢٢٧، كشف المشكل لابن الجوزي ٣/٤٦٦، شرح النووي على صحيح مسلم ١٥/ ٣٨، فتح الباري لابن حجر ٦/٤٤٦، إرشاد الساري للقسطلاني٤/ ٢٣٢، عون المعبود لشمس الحق آبادي ١٢/ ٤٢٤.
يدل ظاهر قوله تعالى في الآية الكريمة وَأُحِلَّ ﴿ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ على حل نكاح كل ما سوى الأصناف المذكورة في قوله تعالى :﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ ِNن٣ح !$|، خS وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ مNن٣ح !$|، خpS اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا OçFù=yyٹ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ مNà٦ح !$oYِ/r& الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِن اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٢٣) * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٢-٢٤ ] ؛ لأن ( ما ) في قوله :﴿ مَا وَرَاءَ ِ ﴾ موصولة، والموصولات من صيغ العموم، والحديث يدل على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها(١).
دفع موهم التعارض :
(١) وقد أشار إلى ما قد يتوهم من التعارض بين الآية والحديث جماعة من أهل العلم منهم ابن العربي في أحكام القرآن ١/٤٩٦، والقاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم ٤/٥٤٧، وابن الجوزي في زاد المسير ٢/٥١-٥٢، والرازي في التفسير الكبير ٤/٣٦، والنووي في شرحه لصحيح مسلم ٩/١٩٠، وأبو حيان في البحر المحيط
٣/٣٠٠، والبيضاوي في أنوار التنزيل ١/٣٤٥، وابن حجر في فتح الباري ٥/٢٨١، ٩/١٦٢، والقاري في مرقاة المفاتيح ٦/٢٩٣، والشوكاني في فتح القدير ١/٤٤٩.
٣/٣٠٠، والبيضاوي في أنوار التنزيل ١/٣٤٥، وابن حجر في فتح الباري ٥/٢٨١، ٩/١٦٢، والقاري في مرقاة المفاتيح ٦/٢٩٣، والشوكاني في فتح القدير ١/٤٤٩.
قال ابن جرير :" فإن ظن ظان أن في الحديث الذي ذكرناه عن عبد الله بن حنظلة، أن النبي - ﷺ - أمر بالوضوء عند كل صلاة، دلالة على خلاف ما قلنا من أن ذلك كان ندباً للنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وخُيّل إليه أن ذلك كان على الوجوب، فقد ظن غير الصواب، وذلك أن قول القائل : أمر الله نبيه - ﷺ - بكذا وكذا، محتمل من وجوه لأمر الإيجاب، والإرشاد، والندب، والإباحة، والإطلاق، وإذ كان محتملاً ما ذكرنا من الأوجه، كان أولى وجوهه به ما على صحته الحجة مجمعة، دون ما لم يكن على صحته برهان يوجب حقيقة مدعيه.
وقد أجمعت الحجة على أن الله عز وجل لم يوجب على نبيه - ﷺ -، ولا على عباده فرض الوضوء لكل صلاة، ثم نسخ ذلك، ففي إجماعها على ذلك الدلالة الواضحة على صحة ما قلنا، من أن فعل النبي - ﷺ - ما كان يفعل من ذلك، كان على ما وصفنا من إيثاره فعل ما ندبه الله عز ذكره إلى فعله، وندب إليه عباده المؤمنين بقوله :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ... الآية ﴾، وأن تركه في ذلك الحال الذي تركه ؛ كان ترخيصاً لأمته ؛ وإعلاماً منه لهم أن ذلك غير واجب، ولا لازم له ولا لهم، إلا من حدث يوجب نقض الطهر "(١).
وبهذا يتبين أن القول بالنسخ في هذه المسألة ضعيف، كما قال النووي(٢)، والله أعلم.
- - -
٥٤-٥- قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى بû÷üt٦÷ès٣ّ٩$#... الآية ﴾
[ المائدة : ٦].
موهم التعارض من السنة :
(١) جامع البيان ٨/١٦١-١٦٢.
(٢) شرحه لصحيح مسلم ٣/١٧٧، وانظر : مرقاة المفاتيح للقاري ٢/٣٢.
(٢) شرحه لصحيح مسلم ٣/١٧٧، وانظر : مرقاة المفاتيح للقاري ٢/٣٢.
قال ابن عبد البر :" ومما يدل أيضاً على بطلان ذلك القول، أن هذا الحديث كان بالمدينة، وأن أهل باديتها إليهم أشير بالذكر في ذلك الحديث، ولا يختلف العلماء أن قوله عز وجل :﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ نزل في سورة الأنعام بمكة، وأن الأنعام مكية، فهذا يوضح لك أن الآية قد كانت نزلت عليه، بخلاف ظن من ظن ذلك، والله أعلم "(١).
وبهذا يتبين ضعف القول بالنسخ في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.
- - -
(١) المصدر السابق ٢٢/٣٠٠، وانظر : بداية المجتهد لابن رشد ( الهداية في تخريج البداية ٦/ ٢٣٧ ).
" المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لعبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، تحقيق : عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٢هـ.
" المحصول في علم أصول الفقه، لفخر الدين محمد بن عمر الرازي، تحقيق : طه العلواني، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤١٢هـ.
" المحكم والمحيط الأعظم، لعلي بن إسماعيل بن سيده، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢١هـ.
" المحلى، لعلي بن أحمد بن حزم الظاهري، تحقيق : لجنة إحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
" مختصر ابن الحاجب، ( مختصر المنتهى )، لعثمان بن عمرو المعروف بابن الحاجب، مطبوع مع شرحه لعضد الملة عبد الغفار الإيجي، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ١٣٩٣هـ.
" مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لمحمد بن الموصلي، تحقيق : الحسن العلوي، مكتبة أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٢٥هـ.
" مختصر المزني، لإسماعيل بن يحيى المزني، مطبوع مع الأم، للإمام الشافعي، تحقيق : محمد زهري النجار، دار المعرفة، بيروت.
" المختصر في أصول الفقه، لعلي بن محمد بن علي البعلي الحنبلي المعروف بابن اللحام، تحقيق : محمد مظهر بقا، دار الفكر، دمشق، ١٤٠٠هـ.
" مدارج السالكين، لمحمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق : محمد حامد الفقي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
" مدارك التنزيل وحقائق التأويل، لعبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، تحقيق عبد المجيد حلبي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢١هـ.
" المدخل الفقهي العام، لمصطفى بن أحمد الزرقا، دار الفكر، دمشق، الطبعة التاسعة، ١٩٦٨م.
" مذكرة في أصول الفقه، لمحمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، دار البصيرة، مصر.
" مراتب الإجماع، لعلي بن أحمد بن حزم الأندلسي، دار الكتب العلمية، بيروت.