٢- قال الشافعي :" إن الله تعالى وضع نبيه - ﷺ - من كتابه ودينه بالموضع الذي أبان في كتابه، فالفرض على خلقه أن يكونوا عالمين بأنه لا يقول إلا بما أنزل إليه، وأنه لا يخالف كتاب الله، وأنه بين عن الله تعالى ما أراد الله "(١)، وقال في موضع آخر :" لا تخالف سنة لرسول الله كتاب الله بحال " (٢).
٣- قال الخطيب البغدادي :" وليس في القرآن ولا نص حديث رسول الله - ﷺ - تعارض ؛ لقول الله تعالى :﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [ النساء : ٨٢ ]، وقال مخبراً عن نبيه - ﷺ - :﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [ النجم : ٣، ٤]، وأن كلام نبيه وحي من عنده تعالى، فدل ذلك على أنه كله متفق، وأن جميعه مضاف بعضه إلى بعض، ويبنى بعضه على بعض، إما بعطف أو استثناء أو غير ذلك "(٣).
٤- قال الغزالي(٤): " اعلم أن التعارض هو التناقض، فإن كان في خبرين، فأحدهما كذب، والكذب محال على الله ورسوله، وإن كان في حكمين من أمر ونهي، وحظر وإباحة، فالجمع تكليف محال، فإما أن يكون أحدهما كذباً، أو يكون متأخراً ناسخاً، أو أمكن الجمع بينهما بالتنزيل على حالتين "(٥).

(١) جماع العلم للشافعي ( الأم ٧/٢٨٩).
(٢) الرسالة ص ٥٤٦.
(٣) الفقيه والمتفقه ١/٢٢١.
(٤) الغزالي هو : زين الدين محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي الشافعي، فقيه أصولي، نعته الذهبي بالشيخ الإمام البحر حجة الإسلام، له المستصفى، والخلاصة في الفقه وغيرهما، توفي سنة (٥٠٥هـ).
انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي ١٩/٣٢٢، شذرات الذهب لابن العماد ٤/١٩٦.
(٥) المستصفى ٢/٤٧٦.

٢- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سئل رسول الله - ﷺ - عن ماء البحر فقال :" هو الطهور ماؤه الحل ميتته "(١).
٣- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - ﷺ - قال :" أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال "(٢).
(١) أخرجه مالك في الموطأ في الطهارة، باب الطهور للوضوء، رقم (١٢) ١/٢٢، وأحمد في مسنده رقم ( ٧٢٣٣) ١٢/١٧١، وأبو داود في الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، رقم (٨٣) ١/٢١، والترمذي في الطهارة، باب ما جاء في البحر أنه طهور، رقم (٦٩) ١/١٠٠، والنسائي في الطهارة، باب ماء البحر، رقم (٥٩) ١/٥٠، =وابن ماجه في الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، رقم (٣٨٦)١/١٣٦، والدارمي في الصلاة والطهارة، باب الوضوء من ماء البحر، رقم (٧٣٤) ١/١٥١.
والحديث صححه البخاري كما في العلل الكبير للترمذي ١/٤١، والترمذي في سننه ١/ ١٠١، وابن المنذر في الأوسط ١/٢٤٧، وابن خزيمة في صحيحه ١/٥٩، وابن حبان في صحيحه ٤/٤٩، وابن عبد البر في التمهيد ١٦/٢١٨، وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى ١/١٥٦-١٥٧، والنووي في شرحه لصحيح مسلم
١٣/٨٦، وابن تيمية في الفتاوى ٢١/٢٦، ونقل ابن حجر في ترجمة المغيرة بن أبي بردة في تهذيب التهذيب
١/٢٢٩ تصحيح الحديث عن الطحاوي والخطابي وابن منده والحاكم وابن حزم.
(٢) أخرجه أحمد في المسند رقم (٥٧٢٣) ١٠/١٥، وابن ماجه في الصيد، باب صيد الحيتان والجراد رقم ( ٣٢١٨) ٢/١٠٧٣، من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.
وقد صححه مرفوعاً ابن التركماني في الجوهر النقي ( السنن الكبرى للبيهقي ١/٣٨٥)، والألباني في صحيح الجامع الصغير ١/١٠٢.
والحديث قال عنه أحمد في العلل ومعرفة الرجال ٣/٢٧١: " منكر "، وأعله عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى ٤/١٢١وابن كثير في التفسير ٣/١٥بضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة ٢/١٦٨، و ابن حجر في الدراية ٢/٢١٢.
وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم قال عنه الذهبي في الكاشف ١/٦٢٨: " ضعفوه "، وقال ابن حجر في التقريب ص٣٤٠: " ضعيف ".
وقد اختلف في رفع هذا الحديث ووقفه على ابن عمر - رضي الله عنه -، فرجح أبو زرعة فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في علل الحديث ٢/١٧الوقف فقال :" الموقوف أصح "، كما رجح الوقف الدارقطني فيما نقله السخاوي في المقاصد الحسنه ص ٢٤، وابن حجر في فتح الباري ٩/٦٢١، والبيهقي في السنن الكبرى ١/٣٨٥، إلا أن البيهقي جعل للموقوف حكم الرفع فقال في١/٣٨٤ :" هذا إسناد صحيح وهو في معنى المسند "، وتبعه على ذلك ابن عبد الهادي في التنقيح ٣/٣٨٤، وابن القيم في زاد المعاد ٣/٣٩٢، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير ١/١١، وابن حجر في التلخيص الحبير ١/٢٦، والعجلوني في كشف الخفاء ١/٦١، والمناوي في فيض القدير ٢/٦٦١، وأحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد ٨/١٠٣ وقال :" الحديث صحيح على كل حال، من رواية زيد بن أسلم عن ابن عمر سواء أكان موقوفاً أو مرفوعاً، فالموقوف هنا له حكم الرفع، والمرفوع صحيح الإسناد أيضاً من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه ".

وأما الوجه الثاني من أوجه الجمع، وهو أن الآية من قبيل العام الذي أريد به خصوص الوالدين والأقربين غير الوارثين، فهو وما سبق ترجيحه من أن الآية عامة مخصوصة نتيجتهما واحدة في أن الوصية لا تجوز للوارث، ولكنه مع ذلك يحتاج إلى دليل يدل على أن المراد بالوالدين والأقربين في الآية ابتداءً غير الوارثين، كما قال السعدي :" وبعضهم يرى أنها ـ أي آية الوصية ـ في الوالدين والأقربين غير الوارثين، مع أنه لم يدل على التخصيص بذلك دليل "(١).
وأما مسلك النسخ فيمكن مناقشته بما يلي :
١- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا غير متعذر، فقد سبق ذكر أوجه الجمع، والمختار منها.
٢- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تحقق التعارض، وفي هذه المسألة ليس هناك تعارض بين آية الوصية وآية المواريث، وقول النبي - ﷺ - :" لا وصية لوارث " يدعو إلى القول بنسخ آية الوصية، فغاية ما في الأمر أن آية الوصية عامة في الأمر بالوصية للوالدين والأقربين، سواء كانوا وارثين، أم غير وارثين، والحديث مخصص لذلك العموم، بعدم جواز الوصية للوارثين من الوالدين والأقربين، ولا تعارض بين عام وخاص، بل يحمل العام على الخاص.
(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص ٨٥، وانظر : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني ١/٣٤٨.

التوجيه والترجيح :
يتعين _ في هذه المسألة _ الأخذ بمسلك الجمع ؛ لأن فيه إعمالاً لجميع الأدلة، وإعمال الأدلة أولى من إهمالها أو بعضها، كما يمكن مناقشة مذهب النسخ كما سيأتي.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن القتال في الأشهر الحرم باقٍ على تحريمه، وأنه لا يجوز ابتداءً، وأما إذا كان القتال دفاعاً أو امتداداً لقتال سابقٍ فإن ذلك جائز، ومتى استحل المشركون القتال في الأشهر الحرم، وقاتلوا المسلمين فيه جاز للمسلمين قتالهم فيه، بدليل قوله تعالى :﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [سورة البقرة آية ١٩٤].
وقد نقل ابن القيم الإجماع على ذلك فقال :" ولا خلاف في جواز القتال في الشهر الحرام إذا بدأ العدو "(١).
وبهذا تجتمع الأدلة من الكتاب والسنة.
وأما مذهب النسخ فيمكن مناقشته بما يلي :
١- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا غير متعذر، وقد سبق بيانه.
٢- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تحقق التعارض، وفي هذه المسألة لا تنافي بين قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ [ البقرة : ٢١٧]، وغزو النبي - ﷺ -، وحصاره ثقيفاً في الطائف في الشهر الحرام كما تقدم في الجمع بينهما.
(١) زاد المعاد ٣/٣٤٠. وانظر : كشاف القناع للبهوتي ٣/٣٧، الموسوعة الفقهية ١٦/١٤٧.

قال الشوكاني :" وعندي أنه لا تعارض بين القرآن والسنة، فإن القرآن دل على أن الله فضل بعض أنبيائه على بعض، وذلك لا يستلزم أنه يجوز لنا أن نفضل بعضهم على بعض، فإن المزايا التي هي مناط التفضيل معلومة عند الله، لا تخفى عليه منها خافية، وليست بمعلومة عند البشر، فقد يجهل اتباع نبي من الأنبياء بعض مزاياه، وخصوصياته، فضلاً عن مزايا غيره، والتفضيل لا يجوز إلا بعد العلم بجميع الأسباب التي يكون بها هذا فاضلاً، وهذا مفضولاً، لا قبل العلم ببعضها، أو بأكثرها، أو بأقلها، فإن ذلك تفضيل بالجهل، وإقدام على أمرٍ لا يعلمه الفاعل له، وهو ممنوع منه، فلو فرضنا أنه لم يرد إلا القرآن في الإخبار لنا بأن الله فضل بعض أنبيائه على بعض، لم يكن فيه دليل على أنه يجوز للبشر أن يفضلوا بين الأنبياء، فكيف وقد وردت السنة الصحيحة بالنهي عن ذلك، وإذا عرفت هذا علمت أنه لا تعارض بين القرآن والسنة بوجه من الوجوه، فالقرآن فيه الإخبار من الله بأنه فضل بعض أنبيائه على بعض، والسنة فيها النهي لعباده أن يفضلوا بين أنبياءه "(١).
وأما الوجه الثاني، وهو أن التفضيل جائز في الجملة دون تعيين المفضول، فهو وإن قريب من الوجه الأول إلا أن الوجه الأول أدق منه، إذ علق فيه التفضيل والمنع منه على وجود الدليل عليه وعدمه، وفي هذا الوجه علق المنع من التفضيل على تعيين المفضول دون النظر إلى وجود الدليل على التفضيل المعين أو عدمه.
(١) فتح القدير ١/ ٢٦٩.

وإلى هذا مال ابن قتيبة(١)، وذكر دعوى النسخ النحاس بقوله : إنها أدخلت في الناسخ والمنسوخ(٢)، كما ذكر ذلك مكي بن أبي طالب(٣)، ونسبه إلى عطاء(٤)، وأورده الحازمي(٥)، وابن الجوزي(٦).
التوجيه والترجيح :
يتعين _ في هذه المسألة _ الأخذ بمسلك الجمع ؛ لأن فيه إعمالاً لجميع الأدلة، وإعمال الأدلة أولى من إهمالها أو بعضها، ولكون مذهب النسخ بعيداً جداً كما سيأتي بيانه.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن الآية عامة في حل نكاح كل ما سوى الأصناف المذكورة في الآيات، والسنة مخصصة لذلك العموم بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، جمعاً بين نصوص القرآن والسنة.
قال أبو حيان :" وما ذهبوا إليه ـ أي الخوارج والرافضة ـ ليس بصحيح ؛ لأن الحديث لم يعارض القرآن، غاية ما فيه أنه تخصيص عموم، ومعظم العمومات التي جاءت في القرآن لا بد فيها من التخصيصات "(٧).
وأما مسلك النسخ فيمكن مناقشته بما يلي :
١- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا غير متعذر، وقد سبق بيانه.
(١) انظر : تأويل مختلف الحديث ص٢٨١-٢٨٢.
(٢) انظر : الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل ٢/١٧٩.
(٣) هو مكي بن أبي طالب حمّوش بن محمد القيسي النحوي المقرىء، كان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية، كثير التأليف صنف إعراب القرآن والهداية في التفسير وكتب كثيرا في القراءات، توفي سنة (٤٣٧هـ).
انظر : بغية الوعاة للسيوطي٢/ ٢٩٨، طبقات المفسرين للداودي ص ٥٢٠.
(٤) انظر : الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص٢١٨.
(٥) انظر : الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص ١٠٢.
(٦) انظر : نواسخ القرآن ٢/٣٦١، زاد المسير ٢/٥١، وانظر أيضاً : المحرر الوجيز لابن عطية ٢/٣٣، النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد ٢/٦٠٩.
(٧) البحر المحيط ٣/٣٠٠.

الثانية : قرأ الباقون ( وأرجلِكم ) بجر اللام، عطفاً على قوله :﴿ Nن٣إ™râنمچخ/ ﴾، ويكون المعنى : وامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين، وعلى هذه القراءة يكون ظاهر الآية يدل على الاكتفاء بمسح الرجلين في الوضوء، وعدم وجوب غسلهما، والأحاديث تدل على وجوب غسل الرجلين في الوضوء، فيكون بينهما ما يوهم التعارض، وهو ما سيأتي دفعه إن شاء الله تعالى(١).
دفع موهم التعارض :
حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على وجوب غسل الرجلين في الوضوء(٢).
(١) وقد أشار إلى ما قد يتوهم من التعارض بين الآية وهذه الأحاديث جماعة منهم ابن جرير في جامع البيان ٨/١٩٨، والزجاج في معاني القرآن ٢/١٥٤، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ٢/٢٦٤، والجصاص في أحكام القرآن ٣/٣٥٠، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص ٢٦٦، وابن عبد البر في التمهيد ٢٤/٢٥٥، وابن العربي في الناسخ والمنسوخ ٢/١٩٨، والقاضي عياض في إكمال المعلم ٢/٣٣، وابن الجوزي في زاد المسير ٢/٣٠٢، والرازي في التفسير الكبير ٤/٣٠٥، والقرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ١/٤٩٦، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن٦/٩٢، والسمين الحلبي في الدر المصون ٢/٤٩٤، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم ٣/٥٣، وابن حجر في فتح الباري ١/٢١٨، والألوسي في روح المعاني ٦/٧٤، والشنقيطي في أضواء البيان ٢/٧، وابن عاشور في التحرير والتنوير ٦/١٣١.
(٢) نقل سعيد بن منصور في سننه ـ لم أهتد إليه في السنن ـ كما في فتح الباري لابن حجر ١/٢٦٦ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال :" أجمع أصحاب رسول الله - ﷺ - على غسل القدمين "، وقد حكى الإجماع غير = =واحد من أهل العلم كابن المنذر في الأوسط ١/٤١٣، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/٣٣، والجصاص في أحكام القرآن ٣/٣٥٠، وابن العربي في القبس في شرح موطأ ابن أنس ١/٩٥، والنووي في المجموع ١/٤١٧.

دفع موهم التعارض :
لقد نفى جمهور أهل العلم وجود تعارض بين قوله تعالى :﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ... الآية ﴾ [ الأنعام : ١٤٥]، وبين الأحاديث التي تدل على تحريم مطعومات أخرى، غير ما ذكر في الآية، ومن ذلك : تحريم ماله ناب من السباع، وماله مخلب من الطير، والحمر الأهلية ؛ لأن المحرمات الواردة في الأحاديث حرمت بعد نزول الآية، فالآية حصرت وأخبرت بما كان في الشرع من تحريم المطعومات وقت نزولها، وهذا لا يمنع ولا ينافي إمكانية حدوث تحريم لأشياء أخرى من المطعومات بعد ذلك، فكل محرم جاء في الكتاب، أو حرمه رسول الله - ﷺ -، فهو مضموم إلى هذه الآية، وزيادة على ما ذكر فيها.
ويؤيد ذلك أن هذه الآية نزلت بمكة، ولم تكن الفرائض قد تكاملت، ولا المحرمات قد تتامت، كما يقوي ذلك التعبير بلفظ الماضي في قوله :﴿ فِي مَا أُوحِيَ ﴾ (١).
وقد جعل ابن العربي نظير هذه الآية قول النبي - ﷺ - :" لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل نفساً بغير نفس "(٢)، وقال :" ثم ذكر علماؤنا أن أسباب القتل عشرة، منها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه، ولم يعد ذلك نسخاً، وإنما هو زيادة بيان... إذ لم تأتِِ الشريعة جملة واحدة، وإنما وضعت نوعاً نوعاً، وفوجاً فوجاً "(٣).
(١) انظر : نواسخ القرآن ٢/٤٣٧.
(٢) أخرجه البخاري في الديات، باب قول الله تعالى :﴿ أَنَّ النَّفْسَ ؤ

ّے¨Z٩$$خ/... الآية ﴾ رقم (٦٨٧٨)٩/٥، ومسلم في القسامة، رقم (١٦٧٦) ٣/١٣٠٢.

(٣) الناسخ و المنسوخ في القرآن الكريم ٢/٢١٩.


" معجم الأمكنة الوارد ذكرها في صحيح البخاري، لسعد بن عبد الله بن جنيدل، نشر: دارة الملك عبد العزيز، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ.
" المعجم الأوسط، لسليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق : طارق بن عوض الله و عبد المحسن الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، ١٤١٥هـ.
" معجم البلاغة العربية، لبدوي طبانة، دار المنارة، بيروت، الطبعة الرابعة، ١٤١٨هـ.
" معجم البلدان، لياقوت بن عبد الله الحموي، دار الفكر، بيروت.
" المعجم الكبير، لسليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق : حمدي السلفي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الثانية، ١٤٠٤هـ.
" معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، اعتنى به : مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٤هـ.
" معجم المفسرين، لعادل نويهض، مؤسسة نويهض للثقافة، الطبعة الثالثة، ١٤٠٩.
" المعجم الوسيط، لإبراهيم مصطفى وآخرين، دار الدعوة، مصر، الطبعة الثانية.
" معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، لعبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي، تحقيق : مصطفى السقا، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤٠٣هـ.
" معجم مصطلحات أصول الفقه، لقطب مصطفى سانو، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، ١٤٢٣هـ.
" معرفة السنن والآثار، لأحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق : عبد المعطي قلعجي، دار الوفاء، مصر، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ.
" معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، لمحمد بن أحمد الذهبي، تحقيق : بشار عواد معروف وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٤هـ.
" المعلم بفوائد مسلم، لمحمد بن علي المازري، تحقيق : محمد الشاذلي النيفر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤١٢هـ.
" المغني، لعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق : عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤١٧هـ.


الصفحة التالية
Icon