٧- قال ابن عثيمين :" ونعلم علم اليقين أن ما جاء في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه - ﷺ - فهو حق لا يناقض بعضه بعضاً ؛ لقوله تعالى :﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [ النساء : ٨٢ ]، ولأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضه بعضاً، وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله - ﷺ -.
ومن ادعى أن في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله - ﷺ -، أو بينهما تناقضاً، فذلك لسوء قصده، وزيغ في قلبه، فليتب إلى الله ولينزع عن غيه "(١).
ومن خلال ما سبق يتبين أنه لا تعارض حقيقياً بين الأدلة الشرعية مطلقاً، وإنما يقع التعارض في الظاهر وذهن المجتهد لأسباب متعددة، وسيأتي في المبحث الثاني بيان أسباب التعارض الظاهري بين القرآن والسنة إن شاء الله تعالى.
- - -
المبحث الثاني
أسباب التعارض الظاهري بين القرآن والسنة
تقدم في المبحث الأول من هذا الفصل أن التعارض الحقيقي غير ممكن وقوعه بحال من الأحوال بين الأدلة الشرعية بوجه عام، وبين نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية على وجه الخصوص، وأن التعارض الموجود بين القرآن والسنة إنما هو ظاهري ومتوهم، يقع في نفس المجتهد وفهمه لأسباب متعددة، وفي هذا المبحث سوف أعرض ما توصلت إليه من أسباب للتعارض الظاهري بين القرآن والسنة.

(١) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ٣/٢٣٧.

أولاً : مسلك الجمع بين الآية والأحاديث، وإليه صار أكثر أهل العلم، فقالوا : إن الآيات عامة في تحريم كل ميتة، واختلفوا في المخصص لهذا العموم في الآيات على قولين :
١- أن عموم الآيات مخصص بالسنة، بإباحة أكل ميتة البحر من الحيتان والأسماك، وإباحة ميتة الجراد، كما جاء ذلك في الأحاديث الصحيحة والصريحة المتقدمة.
ويدل على ذلك قوله تعالى :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ﴾ [المائدة : ٩٦ ] فصيد البحر ما صيد وأخذ منه حياً، وطعامه ما لفظه ميتاً، أو مات فيه وطفا عليه، وغير ذلك(١).
وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم(٢).
(١) انظر : جامع البيان لابن جرير ٨/٧٣٤، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/١٩٧، أضواء البيان للشنقيطي ١/٧٤.
(٢) انظر : جامع البيان ٨/٥٤، أحكام القرآن للجصاص ١/١٣٢، أحكام القرآن للهراسي ١/٣٢-٣٧، معالم التنزيل للبغوي ص ٨٢، أحكام القرآن لابن العربي ١/٧٨، المحرر الوجيز لابن عطية ١/٢٣٩، التفسير الكبير للرازي ٢/١٩٧، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي ٥/٢٢٠، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٢/٢١٧، المجموع شرح المهذب للنووي ٩/٢٤، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي ١/١٠٧، زاد المعاد لابن القيم ٣/٣٩١، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٤٨٥، ٣/١٤، فتح القدير للشوكاني ١/١٦٩، محاسن التأويل للقاسمي٤/١٦، تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص ٢٢٠، التحرير والتنوير لابن عاشور ٢/١١٧، تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين ٢/٢٥٤.

وإذا كان الأمر كذلك فقول من قال بالنسخ موافق للقول بالجمع، وهو أن الآية عامة مخصصة بما جاء في السنة من النهي عن الوصية للوارث.
وبهذا يتبين أن القول بالنسخ في هذه المسألة فيه نظر، والله تعالى أعلم.
- - -
١٤-١٤- قال تعالى :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى ِNن٣ح !$|، خS هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة : ١٨٧].
موهم التعارض من السنة :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - ﷺ - :" إذا نودي للصلاة، صلاة الصبح، وأحدكم جنب، فلا يصم يومئذ "(١).
(١) أخرجه أحمد في مسنده رقم (٨١٤٥) ١٣/٤٩٠ من طريق عبد الرزاق بن همام قال : حدثنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة.
والحديث بهذا الإسناد صححه ابن حبان رقم (٣٤٨٥) ٨/٢٦١، وقال عنه ابن كثير في التفسير ١/٥٢٠ :" حديث جيد الإسناد على شرط الشيخين كما ترى، وهو في الصحيحين عن أبي هريرة عن الفضل بن عباس عن النبي - ﷺ - ".
وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده، رقم (٧٣٨٨) ١٢/٣٤٧، وابن ماجه في الصيام، باب ما جاء في الرجل يصبح جنباً وهو يريد الصيام، رقم (١٧٠٢) ١/٥٤٣، والنسائي في الكبرى، في الصيام، باب صيام من أصبح جنباً، رقم (٢٩٢٤) ٢/١٧٦كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن عبد الله بن عمرو بن عبدٍ القاري عن أبي هريرة.
والحديث بهذا الإسناد قال عنه البوصيري في مصباح الزجاجة ١/٣٠٣ :" هذا إسناد صحيح رجاله ثقات "، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة رقم (١٣٨١) ١/٢٨٤.
وأخرجه البخاري معلقاً في كتاب الصوم، باب الصائم يصبح جنباً، بإثر حديث رقم (١٩٢٦) ٣/٣٠، من طريق همام وابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة :" كان النبي - ﷺ - يأمر بالفطر ".
ورواية همام وصلها أحمد كما تقدم، وابن حبان من طريق معمر عنه، ورواية ابن عبد الله بن عمر وصلها عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن ابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة به، كما في فتح الباري لابن حجر ٤/١٤٦، وتغليق التعليق له ٣/١٤٧................... =
= وأصل الحديث في الصحيحين فقد أخرجه البخاري في الصوم، باب الصائم يصبح جنباً، رقم (١٩٢٥، ١٩٢٦) ٣/٢٩، ٣٠، ومسلم في الصيام، رقم (١١٠٩) ٢/٧٧٩، ٧٨٠.

٢٠-٢٠- قال تعالى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: ٢٢٢].
موهم التعارض من السنة :
١- عن أنس - رضي الله عنه - قال : إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي - ﷺ - النبي - ﷺ - فأنزل الله تعالى :
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ إلى آخر الآية ﴾ [ البقرة : ٢٢٢]، فقال رسول الله - ﷺ - :" اصنعوا كل شيء إلا النكاح "(١).
٢- عن ميمونة رضي الله عنها قالت :" كان النبي - ﷺ - إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه، أمرها فاتزرت وهي حائض"(٢).
٣- عن عائشة رضي الله عنها قالت :" كانت إحدانا إذا كانت حائضاً، فأراد رسول الله - ﷺ - أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها، ثم يباشرها " (٣).
وجه التعارض المتوهم :
اختلف أهل العلم في المراد بالمحيض في قوله تعالى :﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ على قولين هما :
(١) أخرجه مسلم في الحيض، رقم (٣٠٢)١/٢٤٦.
(٢) أخرجه البخاري في الحيض، باب مباشرة الحائض، رقم (٣٠٣)١/٦٨، ومسلم في الحيض، رقم (٢٩٤)
١/٢٤٣.
(٣) أخرجه البخاري في الحيض، باب مباشرة الحائض، رقم (٣٠٢)١/٦٧، ٦٨، ومسلم في الحيض، رقم (٢٩٣) ١ /٢٤٢.

٢- أن القول بالنسخ يحتاج إلى معرفة التاريخ(١)، حتى يعرف المتقدم من المتأخر، وقد ورد التفضيل في الآيات المكية، كما في سورة الإسراء والقلم(٢)، وقصة حديث أبي هريرة وأبي سعيد وقعت في المدينة(٣).
كما يمكن أن يقال : إن بعض أحاديث النهي عن التفضيل من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه -، وهو لم يسلم إلا عام خيبر، فيبعد مع هذا أن تكون أحاديث النهي عن التفضيل منسوخة بآيات التفضيل(٤).
- - -
٢٥-٢٥- قال تعالى :﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ٢٥٦].
موهم التعارض من السنة :
عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قال لرجل :" أسلم "، قال : أجدني كارهاً، قال :" أسلم وإن كنت كارهاً "(٥).
وجه التعارض المتوهم :
(١) انظر : المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٦/٢٢٩.
(٢) انظر : مباحث المفاضلة في العقيدة ل د. الشظيفي ص١٦١.
(٣) المدينة : المقصود بها المدينة المنورة مهاجر النبي - ﷺ -. انظر : معجم الأمكنة الواردة في صحيح البخاري لابن جنيدل ص ٣٩١-٣٩٧.
(٤) انظر : البداية والنهاية ٢/١٤٢.
(٥) أخرجه أحمد في مسنده، رقم (١٢٠٦١) ١٩/ ١١٧.
والحديث صححه ابن كثير في تفسيره ١/٦٨٧، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٥/٣٠٥ :" ورجاله رجال الصحيح "، ورمز له السيوطي بالصحة في الجامع الصغير مع شرحه فيض القدير ١/٦٤٩، كما صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم (١٤٥٤) ٣/٤٣٩.

فالظاهر أن النحاس أراد بالنسخ هنا التخصيص(١)، وقد يكون ذلك مراد بعض من قال بالنسخ في هذه الآية، وإذا كان الأمر كذلك فقول من قال بالنسخ موافق للقول بالجمع، وهو أن الآية عامة مخصصة بما جاء في السنة، من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها.
وبهذا يتبين أن القول بالنسخ بمفهومه الاصطلاحي في هذه المسألة بعيد، والله أعلم.
- - -
٤٠-٦- قال تعالى :﴿ * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء : ٢٤].
موهم التعارض من السنة :
١- عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل الحمر الإنسية(٢).
٢- عن سبرة الجهني(٣)
(١) انظر : تعليق أ. د اللاحم على هذه المسألة في تحقيقه لكتاب الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل للنحاس ٢/١٨٠.
(٢) أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة خيبر، رقم (٤٢١٦) ٥/١٣٦، ومسلم في النكاح، رقم (١٤٠٧) ٢/١٠٢٧.
(٣) هو سبرة بن معبد الجهني، له صحبة، وأول مشاهده الخندق، مات - رضي الله عنه - في خلافة معاوية.
انظر : أسد الغابة لابن الأثير ٢/٣٨٩، تقريب التهذيب لابن حجر ص ٢٢٩.

وغيره : العرب تقول : تمسحت للصلاة فتسمى الوضوء كله مسحاً، ولكن من عادة العرب وغيرهم إذا كان الاسم عاماً تحته نوعان، خصوا أحد نوعيه باسم خاص، وأبقوا الاسم العام للنوع الآخر، كما في لفظ الدابة فإنه عام للإنسان وغيره من الدواب، لكن للإنسان اسم يخصه فصاروا يطلقونه على غيره... فقوله تعالى في آية الوضوء :﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ يقتضي إيجاب مسمى المسح بينهما، وكل واحد من المسح الخاص الخالي عن الإسالة، والمسح الذي معه إسالة، يسمى مسحاً، فاقتضت الآية القدر المشترك في الموضعين، ولم يكن في لفظ الآية ما يمنع كون الرجل يكون المسح بها هو المسح الذي معه إسالة، ودل على ذلك قوله :
﴿ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾، فأمر بمسحهما الى الكعبين "(١).
ويدل على أن المراد بذلك الغسل وليس مجرد المسح ما جاء من تحديد ذلك بالكعبين في قوله :﴿ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ فالتحديد خاص بالغسل، إذ لم يأتِ في شيء من المسح تحديد، قال سبحانه :﴿ #qكs|، ّB$#ur Nن٣إ™râنمچخ/ ﴾، وقال :﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ﴾ [ المائدة : ٦](٢).
وهذا الوجه هو الذي يفهم من كلام الزجاج(٣)، وذهب إليه أبوعبيدة(٤)،
(١) الفتاوى ٢١/١٣٢.
(٢) انظر : معاني القرآن للزجاج٢/١٥٤، المحرر الوجيز لابن عطية ٢/١٦٣، زاد المسير لابن الجوزي ٢/٣٠٢.
(٣) المصدر السابق ٢/١٥٣.
وذكر هذا الوجه النحاس في الناسخ والمنسوخ ٢/٢٦٤، وابن عطية في المحرر الوجيز ٢/١٦٣، وابن الجوزي في زاد المسير ٢/٣٠٢، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم ٣/٥٣، وابن حجر في فتح الباري١/٢١٨، والألوسي في روح المعاني ٦/٧٤.
(٤) انظر : زاد المسير لابن الجوزي ٢/٣٠٢.
وأبو عبيدة هو : معمر بن المثنى التيمي مولاهم اللغوي البصري، هو أول من صنف غريب الحديث، أقدمه الرشيد من البصرة إلى بغداد وقرأ عليه، وتصانيفه تقارب مائتي تصنيف منها غريب القرآن، ومجاز القرآن ومعاني القرآن، توفي سنة (٢١١هـ). انظر : بغية الوعاة للسيوطي٢/٢٩٤، طبقات المفسرين للداودي ص ٥١٨.

قال الشنقيطي :" الذي يظهر رجحانه بالدليل هو ما ذهب إليه الجمهور، من أن كل ما ثبت تحريمه بطريقة صحيحة، من كتاب أو سنة فهو حرام، ويزاد على الأربعة المذكورة في الآيات، ولا يكون في ذلك مناقضة للقرآن ؛ لأن المحرمات المزيدة عليها حرمت بعدها، وقد قرر العلماء أنه لا تناقض يثبت بين القضيتين إذا اختلف زمنهما في وقتهما، وقد اشترط عامة النظار في التناقض اتحاد الزمان ؛ لأنه إن اختلف جاز صدق كل منهما في وقتها، كما لو قلت : لم يستقبل بيت المقدس، قد استقبل بيت المقدس، وعنيت بالأولى ما بعد النسخ، وبالثانية ما قبله، فكلتاهما تكون صادقة... فوقت نزول الآيات المذكورة لم يكن حراماً غير الأربعة المذكورة، فحصرها صادق قبل تحريم غيرها بلا شك، فإذا طرأ تحريم شيء آخر بأمرٍ جديدٍ، فذلك لا ينافي الحصر الأول ؛ لتجدده بعده، وهذا هو التحقيق إن شاء الله تعالى "(١).
وقد سلك بعض أهل العلم في دفع ما قد يتوهم من التعارض بين قوله تعالى :﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ... الآية ﴾ [ الأنعام : ١٤٥] وهذه الأحاديث، مسلكي الجمع والنسخ، وذلك كما يلي :
أولاً : مسلك الجمع بين الآية والأحاديث، وإليه صار طائفة من أهل العلم، وقد تنوعت أوجه الجمع لديهم، ومنها ما يلي :
(١) أضواء البيان ٢/١٨٨.

" مناهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، لعثمان بن علي حسن، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الرابعة، ١٤١٨هـ.
" مناهج العقول شرح منهاج الأصول، لمحمد بن الحسن البدخشي، مطبوع مع نهاية السول للأسنوي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠١هـ،
" مناهل العرفان في علوم القرآن، لمحمد بن عبد الغني الزرقاني، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، الطبعة الثالثة.
" منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، للمجد ابن تيمية، مطبوع مع شرحه نيل الأوطار للشوكاني، دار الجيل، بيروت.
" المنخول من تعليقات الأصول، لمحمد بن محمد الغزالي، تحقيق : محمد حسن هيتو، دار الفكر، بيروت، الطبعة التانية، ١٤٠٠هـ.
" منزلة السنة من الكتاب وأثرها في الفروع الفقهية، لمحمد سعيد منصور، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤١٣هـ.
" منهاج السنة النبوية، لشيخ الإسلام بن تيمية، تحقيق : محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤١١هـ.
" منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث وأثره في الفقه الإسلامي، لعبد المجيد بن محمد السوسوه، دار الذخائر، الدمام، الطبعة الثانية، ١٤١٧هـ.
" المهذب، لإبراهيم بن علي الشيرازي، مطبوع مع شرحه المجموع للنووي، دار الفكر، بيروت.
" موارد ابن القيم في كتبه، لبكر بن عبد الله أبو زيد، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤٠٥هـ.
" الموافقات، لإبراهيم بن موسى الشاطبي، تحقيق : مشهور سلمان، دار ابن عفان، الخبر، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ.
" موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور، لحكمت بشير ياسين، دار المآثر، السعودية، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ.
" الموسوعة الفقهية، تحت إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، دار ذات السلاسل، الكويت، الطبعة الثانية، ١٤١٢هـ.


الصفحة التالية
Icon