فكلمة التوقف تعني: التمكث والانتظار والامتناع والكف(١).
- ولذا عد ّالعلماء التوقف هو المسلك الرابع من مسالك دفع إيهام التعارض بين القرآن والسنة وذلك عند تعذر المصير إلى الثلاثة مسالك الأولى الجمع فالنسخ فالترجيح.
لكننا هنا نريد أن نسترعى النظر إلى أن هذا التوقف ليس على التأبيد ولكنه على التأقيت بحيث لو تجدد النظر من المجتهد ونظر في المسألة مرات ومرات قد يستبين له وجه الحق - خصوصاً وأن التعارض في الظاهر - وليس في الواقع أو حقيقة الأمر، لذا جعل بعض أصحاب العلم التوقف أمراً افتراضياً لا يمكن حدوثه - يدل على ذلك أن وجوه الترجيح وطرقه من الكثرة بمكان بحيث لا يبقى معها مجال للجوء إلى مسلك التوقف وترك العمل بالدليلين المتعارضين في الظاهر فعمل أحدهما أولى من تركهما جميعاً(٢).
- ولذلك لا تجد البتة دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما بحيث وجب عليهم الوقوف(٣).
قال تعالى: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الأعراف: ٣].
والاتباع إنما يكون بالاعتقاد والعمل به وليس في التوقف اتباع للمنزل فعرفنا أن العمل بجميع ما أنزل على ما أوجبه(٤).
قال ابن حزم - رحمه الله -: "فحكمه - يعني الإنسان العامي السائل في مسألة من المتعارضات - التوقف والتزيد من الطلب والبحث حتى يلوح له الحق أو يموت وهو باحث عن الحق عالي الدرجة في الآخرة في كلا الأمرين ولا يؤاخذه الله تعالى بتركه أمراً لم يلح له الحق فيه لما قدمنا قبل من أن الشريعة لا تلزم إلا من بلغته وصحت عنده والأصل إباحة كل شئ بقوله تعالى: ﴿ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: ٢٩].
(٢) انظر: البرهان للجويني (٢/ ٧٦٨)، التعارض والترجيح للبرزنجي (١/١٧٧).
(٣) انظر: الموافقات للشاطبي (٥/٣٤١ - ٣٤٢).
(٤) انظر: أصول السرخسي (١/ ١٣٥).