وأما الحديث فظاهره يدل على تعجيل العذاب إذا أراد الله بقوم عذابًا أو يخسف بهم ويبعثوا على نياتهم يوم القيامة، وهذا لا يتعارض مع ظاهر الآية الكريمة؛ لأن العذاب الأشد في الآخرة، وإنما يصيب الله من يشاء في الدنيا، كما أنه لو عذب أو عجَّل العذاب للناس ما ترك على ظهرها من دابة.
أما المراد بالدابة في قوله: ﴿ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ فعلى أقوال:
الأول: جميع ما يدبّ على وجه الأرض، وهو قول ابن مسعود.
والثاني: أراد الناس خاصة.
والثالث: من الإنس والجن، قاله ابن السائب، والزجاج(١)٤) وعين بالدابة.
ولكن من حلمه تأخيره إلى يوم القيامة، مع عذاب البعض في الدنيا، والذي لا يقارن بعذاب الآخرة؛ لذا فلا تعارض بين الآية الكريمة والحديثين، ولكنه تعارض ظاهري فبالبحث في ثناياه لا يظهر أي تعارض على الإطلاق بينهما كما وضح من كلام الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.
" مسالك العلماء لدفع إيهام التعارض بين ظاهر الآية والحديثين:
لقد سلك العلماء لدفع إيهام ذلك التعارض مسلك الجمع:
أنه لا تعارض بين ظاهر الآية والحديثين إذ أن الله تعالى أبان في الآية أن حلمه بعباده أن لا يؤاخذهم بظلمهم ولو آخذهم بظلمهم ما ترك على ظهر الأرض من دابة، وفي ظاهر الحديثين أنه يحل العذاب بالظالمين ويعم من معهم من غيرهم وإن لم يكونوا في درجة ظلمهم، إذ الظلم وارد من كل أحد، فحلول العذاب مغفرة للصالح وعذاب للظالم وقد ينال ذلك العذاب غير المكلّفين أصلاً فيكون ما حل بهم من هلاك أو عذاب نهاية لأجلهم المسمى الذي نص عليه في الآية، وكل على حسب نيته.
* الخلاصة:
لا تعارض بين ظاهر الآية والحديثين وذلك لإمكان الجمع بينهما فإن الله تعالى لو آخذ الناس بظلمهم لعذبهم جميعاً وإذا عذب قوماً فنال غيرهم هذا العذاب فإنهم يحشرون على نياتهم يوم القيامة ويكون ما أصابهم تكفيراً لذنوبهم والله تعالى أعلم.
*... *... *