المراد بقوله عليه السلام: (ما أنا حملتكم) أي: أن الله سبحانه وتعالى أتى بما حملتكم عليه؛ ولولا ما ساقه الباري تعالى إليه - ﷺ - لم يكن عنده ما يحملهم عليه ولم يرد بهذا نفي إضافة الفعل إليه (١).
وقال ابن حجر: قوله: (لا أحلف علي يمين) أي: محلوف يمين، فأطلق عليه لفظ يمين للملابسة، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفاً عليه؛ فهو من مجاز الاستعارة، ويجوز أن يكون فيه تضمين... وقوله: (لا أحلف) يميناً جزماً لا لغو فيها ثم يظهر لي أمر آخر يكون فعله أفضل من المضي في اليمين..... فاختلف هل كفَّر النبي - ﷺ - عن يمينه المذكور قولان:
الأول: عن الحسن البصري أنه قال: لم يكفر؛ لأنه مغفور له، وإنما نزلت كفارة اليمين تعليماً للأمة؛ فإن التحلل يقتضي سبق العقد، والعقد هو ما دلت عليه اليمين من موافقة مقتضاها، فيكون التحلّل الإتيان بخلاف مقتضاها، لكن يلزم على هذا أن يكون فيه تكرار، لوجود قوله: (أتيت الذي هو خير) فإن إتيان الذي هو خير تحصل به مخالفة اليمين والتحلّل منها، لكن يمكن أن تكون فائدته التصريح بالتحلّل. وقيل: معنى (تحللتها) خرجت من حرمتها إلى ما يحل منها؛ وذلك يكون بالكفارة...
وقوله: (ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم) المعنى بذلك: إزالة المنة عنهم وإضافة النعمة لمالكها الأصلي، ولم يرد أنه لا صنع له أصلاً في حملهم؛ لأنه لو أراد ذ... لك ما قال بعد ذلك: (لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها)..... الحديث
الثاني: كفَّر، لتكون لمن بعده (٢).
" دفع موهم التعارض:
مسالك العلماء لدفع إيهام ذلك التعارض:
لقد سلك العلماء لدفع إيهام ذلك التعارض بين الآية والأحاديث مسلك الجمع:

(١) المعلم بفوائد مسلم (٢/٨٢).
(٢) الحديث سبق تخريجه، وانظر: فتح الباري (١١/٦١٣-٦١٤) بتصرف.


الصفحة التالية
Icon