فالآية تشير إلى أمر الله تعالى بالوفاء بالعهود والمواثيق، والمحافظة على الأيمان المؤكدة ولهذا قال: ﴿ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾، وأن هذه الأيمان المراد بها: الداخلة في العهود والمواثيق، لا الأيمان التي هي واردة على حث أو منع(١)؛ كما في الحديثين السابقين ومما يؤيد الآية السابقة أحاديث شريفة كثيرة منها:
١- حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ - :(لا حْلِف في الإسلام. وأيما حِلْفٍ كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة) (٢).
قال النووي: فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه (٣).
وقال القرطبي في هذا الحديث: يعني في نصرة الحق والقيام به والمواساة...... فهذا الحلف الذي كان في الجاهلية، هو الذي شدّه الإسلام وخصه النبي عليه الصلاة والسلام من عموم قوله: (لا حلف في الإسلام). والحكمة في ذلك أن الشرع جاء بالانتصار من الظالم وأخذ الحق منه وإيصاله على المظلوم، وأوجب ذلك بأصل الشريعة إيجابا عاماً على من قدر من المكلفين، وجعل لهم السبيل على الظالمين (٤).
٢- حديث أنس رضي الله عنه عن النبي - ﷺ - قال: (لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به)(٥).

(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٨/٣٤٧).
(٢) أخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب: مؤاخاة النبي - ﷺ - بين أصحابه رضي الله عنهم (٢٥٣٠).
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي (١٦/٨٢).
(٤) الجامع لأحكام القرآن (١٠/١٦٩-١٧٠).
(٥) أخرجه البخاري في كتاب: الجزية والموادعة، باب: إثم الغادر للبر والفاجر (٣١٨٦ -٣١٨٧)، ومسلم في كتاب: الجهاد والسير، باب: تحريم الغدر (١٧٣٧). وجاء في الصحيحين أيضاً من حديث ابن عمر.


الصفحة التالية
Icon