الوجه الأول: هذه الآية الكريمة: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ فهذه تدل على جواز القصاص بالمثل دون زيادة؛ وذلك إنصاف(١). والحديث الشريف (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) فعلى فرض صحته لا ينهض الاستدلال به لأن من أخذ قدر حقه ولم يزد عليه لم يخن من خانه، إنما أنصف نفسه ممن ظلمه (٢). ومما يؤيد الآية الكريمة وما ذهب إليه الشنقيطي في كلامه على الحديث؛ وهو أن أخذ حقك دون زيادة، إنصاف له(٣): حديث أنس رضي الله عنه قال: عدا يهودي في عهد رسول الله ﷺ على جارية فأخذ أوضاحاًَ كانت عليها، ورضخ رأسها، فأتى أهلُها وهي في آخر رمق، وقد أصمتت، فقال لها رسوله الله - ﷺ - :(من قتلك؟ فلان) لغير الذي قتلها فأشارت. أن لا، فقال: (ففلان) لقاتلها، فأشارت: أن نعم، فأمر به رسول الله - ﷺ - فرُضح بين حجرين(٤).
فهذا الحديث واضح الدلالة. فما دام الحديث يعني عدم الزيادة على الحق وأخذه أو أنه ضعيف كما قيل فيه، والآية الكريمة تدل أيضاً ما يدل على أخذ الحق فقط بالمثل دون زيادة، وهذا إنصاف؛ فلا تعارض بينهما.

(١) أحكام القرآن لابن العربي (٣/١١٩٠)، والجامع لأحكام القران (١٠/٢٠٢)، وأضواء البيان (٣/٣٨٨).
(٢) أضواء البيان (٣/٣٨٨).
(٣) المرجع السابق.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب: الخصومات، باب: ما يذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم واليهود ( ٢٤١٣) وكتاب: الطلاق، باب: الإشارة في الطلاق والأمور (٥٢٩٥)، ومسلم في كتاب: القسامة والمحاربين والقصاص، باب: ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره من المحددات والمثقلات وقتل الرجل بالمرأة (١٦٧٢).


الصفحة التالية
Icon