قال القرطبي في تفسيره " مسألة: نزعت عائشة رضي الله عنها بهذه الآية في الرد على ابن عمر حيث قال: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله) قال علماؤنا: وإنما حملها على ذلك أنها لم تسمعه - وأنه معارض للآية - ولا وجه لإنكارها فإن الرواة لهذا المعنى كثير كعمرَ وابنِه والمغيرةَ بن شعبة و قيلة بنتِ مخرمة(١) وهم جازمون بالرواية فلا وجه لتخطئتهم ولا معارضة بين الآية والحديث: فإن الحديث محمله على ما إذا كان النوح من وصية الميت وسنته كما كانت الجاهلية تفعل حتى قال طرفة (٢):
إذا متُّ فانعيني بما أنا أهلُه وشُقِّي علَّي الجَيْبَ يا بنت معبد
وقال (٣):
إلى الحولِ ثم اسمُ السلام عليكُما ومن يبكِ حَوْلاً كاملاً فقدِ اعتذر
وإلى هذا نحا البخاري.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم داود إلى اعتقاد ظاهرالحديث وأنه إنما يعذب بنوحهم لأنه أهمل نهيهم عنه قبل موته وتأديبهم بذلك فيعذب بتفريطه في ذلك وبترك ما أمره الله به من قوله تعالى: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ لا بذنب غيره. والله تعالى أعلم" ا. هـ(٤).
وقد ظهر لي من كلام القرطبي - رحمه الله - وجهان هما:

(١) قيلة بنت مخرمة الغنوية، وقيلك العنزية. وقيل: التميمية. صحابية لها حديث طويل وقد شرح حديثها أهل العلم بالحديث، فهو حديث حسن.
... انظر: الاستيعاب (ص ٩٣٤) رقم (٣٤٣٦)، والتقريب (ص ١٣٦٩)، رقم (٨٧٦٤).
(٢) هو طرفة بن العبد، والبيت في ديوانه (١٠) وطرفة لقب غليه عليه، ولد في البحرين سنة ٥٤٣م، وقتل في عهد عمرو بن هند ملك الحيرة سنة ٥٦٩م. ينتمي لأسرة عرفت بكثرة شعرائها، وكان في صباه عاكفاً على حياة اللهو يعاقر الخمر. وكان معجباً بنفسه. له معلقة ضمن المعلقات السبع الشهيرة.
انظر: مقدمة شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها لأحمد بن الأمين الشنقيطي (١٤ - ١٨).
(٣) هذا البيت للبيد، وهو لبيد بن ربيعة العامري، انظر ديوانه (٤٢).
(٤) تفسيرالقرطيى (١/٢٣١).


الصفحة التالية
Icon