الأول: أن العذاب على الميت إنما يقع بسبب فعله هو إذا وصّى بذلك وإلى هذا مال البخاري يدل على ذلك ترجمته لحديث (إن الميت ٠٠٠٠٠٠٠) الحديث. حيث ترجم له فقال: باب قول النبي - ﷺ - :(يعذب الميت ببكاء أهله عليه) إذا كان النوح من سنته(١).
الثاني: أن الميت قد يقع عليه التعذيب لأجل تركه تأديب أهله وتعليمهم أمور الدين يدل عليه قوله تعالى: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: ٦].
هذا وقد ذكر الألوسي(٢) نحوًا من كلام القرطبي فقال: " ولهذه الآية طعنت عائشة رضي الله عنها في صحة خبر ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه - ﷺ - قال: (إن الميت يعذب ببكاء أهله) فإن فيه أخذ الإنسان بجرم غيره وهو خلاف ما أنطقت به الآية.
وأجيب بأن هذا الحديث محمول على ما إذا أوصى الميت بذلك فيكون ذلك التعذيب من قبيل الإضلال وقيل المراد بالميت: المحتضر مجازًا - وبالتعذيب التعذيب في الدنيا أي إن المحتضر يتألم ببكاء أهله عليه فلا ينبغي أن يبكوا ". ا. هـ (٣).
بدا بكل هذا الكلام أن الآية متباينة عن الحديث حتى لقد حمل جماعةٌ من المحدثين والمفسرين إنكار أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على أنها لم تسمع الحديث مع أن الرواة لهذا المعنى كثيرون.

(١) أخرجه البخاري في كتاب: الجنائز باب: قول النبي - ﷺ - :(يعذب الميت ببكاء أهله عليه) إذا كان النوح من سنته، (١ /٤٣٢).
(٢) هو محمود بن السيد عبدالله أفندي آلوسي زاده البغدادي. خاتمة المفسرين ونخبة المحدثين، درس ووعظ وأفتى للحنفية. وكان عالماً باختلاف المذاهب مطلعاً على المل لوالنحل والغرائب، سلفي الاعتقاد شافعي المذهب، ومن مؤلفاته: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، توفي رحمه الله سنة ١٢٧٠هـ.
... انظر: التاج المكلل (ص ٥١٧ - ٥١٩) رقم (٥٣٧).
(٣) روح المعاني للآلوسي (١٥/٣٥).


الصفحة التالية
Icon