هذا وقد جمع كثير من أهل العلم بين حديثى عمر وعائشة - يعني استدلالها بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ - بضروب من الجمع منها:
أولاً: ما ذكره البخاري من أن العذاب إنما يكون للميت إذا كان من سنته النوح وشق الجيوب ولطم الخدود وغير ذلك من أفعال الجاهلية يدل على ذلك ترجمة البخاري لحديث الباب كما ذكرته آنفاً،. وقوله تعالى: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾.
ثانياً: ما إذا كان الميت قد أوصى أهله بذلك وبهذا الرأي قال المزني(١) و إبراهيم الحربي وآخرون من الشافعية وهو رأي النووي ونقله عن الجمهور. وقال أبو الليث السمرقندي(٢): إنه قول عامة أهل العلم. قالوا: وكان معروفًا للقدماء حتى قال طرفة بن العبد:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشُقِّي عليَّ الجَيْبَ يا ابنة معبد (٣)
ثالثاً: يقع ذلك أيضاً لمن أهمل نهي أهله عن ذلك وهذا قول داود وطائفة - ولا يخفى أن محله ما إذا لم يتحقق أنه ليست لهم عادة ولا ظنّ أنهم يفعلون ذلك.

(١) هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني المصري تلميذ الشافعي، ولد سنة ١٧٥هـ، نشأ في أسة محبة للعلم وأهله، وكانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، وكان زاهداً عالماً مناظراً غواصاً على المعاني الدقيقة، فقيه الملة، وعلم الزهاد، وكن مجاب الدعوة متقللاً من الدنيا، وكان في غاية الورع، توفي سنة ٢٦٤هـ.
... انظر: سير أعلام النبلاء (١٢/٤٩٢)، وطبقات الفقهاء (٧٩)، وطبقات الشافعية (١/٣٤).
(٢) أبو الليث السمرقندي، هو الإمام الفقيه المحدث الزاهد، أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي الحنفي، له كتاب تنبيه الغافلين، وله كتاب الفتاوى، مات سنة ٣٧٥هـ.
... انظر: سير أعلام النبلاء (١٦/٣٢٢ - ٣٢٣)، رقم (٢٣٠)، وكشف الظنون (٢/١٩٨٠).
(٣) انظر: النووي لشرح مسلم (٦/٢٢٨)، وشرح الزرقاني على الموطأ (٢/١٠١) والبيت تقدم ذكره (ص١٥٠).


الصفحة التالية
Icon