قال ابن المرابط(١): " إذا علم المرء بما جاء في النهي عن النوح وعرف أن أهله من شأنهم يفعلون ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن تعاطيه فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره " (٢).
رابعاً: معنى قوله: (يعذب ببكاء أهله) أي بنظير ما يبكيه أهله به وذلك لأن الأفعال التي يعددون بها غالباً تكون من الأمور المنهية فهم يمدحونه بها وهو يعذب بصنيعه ذلك وهو عين ما يمدحونه به - وهذا اختيار ابن حزم الظاهري وطائفة، واستدل له بحديث ابن عمر في قصة موت إبراهيم ابن النبي - ﷺ -، وفيه: (ولكن يعذب بهذا) وأشار إلى لسانه قال ابن حزم: " فصح أن البكاء الذي يعذب به الإنسان ما كان منه باللسان إذ يندبونه برياسته التي جار فيها وشجاعته التي صرفها في غير طاعة الله وجوده الذي لم يضعه في الحق فأهله يبكون عليه بهذه المفاخر وهو يعذب بذلك.
خامساً: معنى التعذيب توبيخ الملائكة بما يندبه أهله به، كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعاً: (الميت يعذب ببكاء الحي، إذا قالت النائحة: واعضداه واناصراه واكاسياه جُبذ الميت وقيل له: أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسيها؟).

(١) هو محمد بن خلف بن سعيد المعروف بابن المرابط، المري فقيه بلده ومفتيه، ولي قضاء مندة، وكان من أهل الفقه والفضل والتفنن، سمع أبا القاسم المهلب، وأجازه أبو عمر الطلمنكي، ومن كبار المالكية، له في شرح البخاري كتاب كبير حسن، ورحل إليه الناس وسمعوا منه، توفي بالمدينة بعد الثمانين وأربعمائة.
... انظر: الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب (٢/٢٧٣ - ٢٧٤)، وسير أعلام النبلاء (١٩/٦٦) رقم (٢٦).
(٢) انظر: فتح الباري (٣/١٥٤)، وشرح الزرقاني على الموطأ (٢/١٠١).


الصفحة التالية
Icon