قال المازري: " وزعم بعض المبتدعة أن هذا الحديث معارض لقوله تعالى ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ وهذا الاعتراض غلط منه وجهالة بينة لأنه إنما عوقب بفعله ووزره وظلمه فتوجهت عليه حقوق لغرمائه فدفعت إليهم من حسناته فلما فرغت وبقيت بقية قوبلت على حسب ما اقتضته حكمة الله تعالى في خلقه وعدله في عباده فأخذ قدرها من سيئات خصومه فوضع عليه فعوقب به في النار، فحقيقة العقوبة إنما هي بسبب ظلمه ولم يعاقب بغير جناية وظلم منه وهذا كله مذهب أهل السنة. والله أعلم" (١).
الوجه الثاني: إن المؤاخذ بفعل الغير خاص بالدنيا دون الآخرة.
قال القرطبي: " قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ أي: لا تحمل حاملة ثقل أخرى أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها بل كل نفس مأخوذة بجرمها ومعاقبة بإثمها وأصل الوزر: الثقل ومنه قوله تعالى: ﴿ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴾ وهو هنا: الذنب "
- إلى أن قال: " قلت ويحتمل: أن يكون المراد بهذه الآية في الآخرة - وكذلك التي قبلها - (٢) فأما التي في الدنيا فقد يؤاخذ فيها بعضهم بجرم بعض، لاسيما إذا لم ينه الطائعون العاصين كما تقدم في حديث أبى بكر في قوله: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾
- وقال تعالى: u ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ٠٠٠٠٠٠ ﴾.
وقال: ﴿ إِن اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾.

(١) نقله عن النووي في شرح صحيح مسلم (١٦ / ١٣٦)، وانظر تحفة الأحوذي للمباركفوري (٧/ ٨٧) وانظر فيض القدير للمناوي (٤/٢٦).
(٢) يقصد قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ تفسيرالقرطبي (٧ /١٤٠) ومابعدها.


الصفحة التالية
Icon