"قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾، وقولهُ ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ آيتان محكمتان يقتضيهما عدل الرب تعالى وحكمته وكماله المقدس، والعقل والفطرة شاهدان بهما، فالأولى: تقتضي أنه لا يُعاقَب بجرم غيره.
والثانية: تقتضي أنه لا يُفلح إلا بعمله وسعيه.
فالأولى: تؤمن العبد من أخذه بجريرة غيره كما يفعله ملوك الدنيا.
والثانية: تقطع طمعه من نجاته بعمل آبائه، وسلفه، ومشايخه كما عليه أصحاب الطمع الكاذب، فتأمل حُسن اجتماع هاتين الآيتين، ونظيره: قولهُ تعالى: ﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ فحكم سبحانه لأعدائه بأربعة أحكام هي غاية العدل والحكمة:
أحدها: أن هدي العباد بالإيمان، والعمل الصالح لنفسه لا لغيره.
الثاني: أن ضلاله بفوات ذلك وتخلفه على نفسه لا على غيره.
الثالث: أن أحدًا لا يؤاخذ بجريرة غيره.
الرابع: أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه بُرسله.
فتأمل ما في ضمن هذه الأحكام الأربعة من حكمته تعالى وعدله وفضله، والرد على أهل الغرور والأطماع الكاذبة، وعلى أهل الجهل بالله وأسمائه وصفاته....
قال أبو الوفاء ابن عقيل(١):

(١) هو علي بن عقيل بن محمد أبو الوفاء، أحد الأعلام وشيخ الإسلام، ولد سنة ٤٣١هـ، إمام الدنيا وزاهدها، وفارس المناظرة وواحدها، درس وناظر الفحول وصنف، وكان دائم التشاغل بالعلم، له في ذم الكلام وأهله شيء كثير، توفي سنة ٥١٣هـ.
... انظر: التاج المكلل (ص ١٩١ - ١٩٣) رقم (١٩١)، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (١٨/١٩٢ - ١٩٣) رقم (١٤٧).


الصفحة التالية
Icon