ويتضح من كلام الشوكاني أنه يري أن لا معارضة بين النهي عن الإسراف في القتل المذكور في الآية ومن الإسراف أن يمثل بالقاتل حال أخذ القصاص منه وبين الحديث: (لا قود ولاقصاص إلا بالسيف) لأن القصاص يجب عنده بالقتل بحجر أو بالسيف أو بأي شئ آخر وما ورد من النهي عن المثلة في القصاص لا يدخل فيه الرضخ بالحجر وغيره عند الاقتصاص وحديث الجارية أوّله بأنه في واقعة مخصوصة أو يكون ذلك الفعل لمن وقع منه القتل على هذه الصفة. وحول الآيات التي تأمر بالمعاقبة في القصاص بالمثل في القتل فإنه قال عنها: "وأما الاستدلال بمثل قوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ وقوله: ﴿ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ وقوله: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ وما ورد في معنى هذه الآيات فهو الاستدلال بالعام مع وجود الخاص الصالح لتخصيصه ولو سلمنا لكان ذلك دالاً على أنه يفعل بالقاتل كما فعل بالمقتول إلا أن يكون في القتل مثلة فلا يجوز أن يقتص منه بمثل ما فعل لأن النهى عن المثلة أخص مطلقاً من هذه الآيات". ا. هـ(١).
فالشوكاني يرى أن حديث: (لا قود) وما في معناه مخصص لعموم الآية والذى ورد بالنهى عن الإسراف في القتل، ومن الإسراف: أن يمثل بالقاتل بأن يقتل بغير السيف.
ولا علاقة بين تنبيه الآية هنا وما نبّه عليه الحديث وإن كان في أسانيده مقال من حيث أخد القصاص بالسيف فقط أو لا قصاص إلا إذاكان المستخدم في القتل هوالحديد مثل السيف أو المسطح وغيرهما وهو ما دل عليه الحديث وما وقع بين العلماء من خلاف في هذه المسألة ليس في هذه النقطة ولكن في هل يجوز أخذ القصاص بغير السيف وهل غير السيف في القتل يوجب القصاص كالحجر والخشب وغير ذلك أم أن القتل حينئذ يكون شبه عمد لا عمد ويختلف حينئذ الأمر؟

(١) المرجع السابق (٤ / ٤٠٦).


الصفحة التالية
Icon