وحول هذا المعني يقول صاحب "فيض القدير" حاكياً الخلاف بين العلماء: " قوله: (لا قود إلا بالسيف) وفي رواية للدارقطني: (إلا بالسلاح) وقد تمسك بهذا الكوفيون الي ما ذهبوا إليه مخالفين للجمهور في أن المقتول إذا قتل بعصا أوحجرلا يقتل بما قتل به بل بالسيف ورده الجمهور بأنه حديث ضعيف وبفرض ثبوته فإنه على خلاف قاعدتهم في أن السنة لا تنسخ الكتاب ولا تخصصه - وبالنهي عن المثلة وهو صحيح ولكنه محمول عند الجمهور على غيرالمماثلة في القصاص جمعاً بين الدليلين وهذا مستثني من اعتبار المساواة في القود فمن قَتل بالسحر قُتل بالسيف إجماعاً وكذا بنحو خمر ولواط". ا. هـ(١).
يتضح من كلام هذين العالمين الجليلين الآتي:
أولاً: أن الأصل في القود هو المثلية فمن قتل بشئ إذا جيئ للقصاص منه فإنه يقتص منه بمثل ما قتل به لحديث الجارية وعموم الآيات لكن حديثنا هنا خص هذا العموم فجعل القود يؤخذ بالسيف خاصة حتى لو قتل القاتل بغير آلة السيف.
ثانياً: إن القتل بالسيف هوالذي يدل على العمد، وغيره من أمثال الحجر والخشب لا يدل عليه فقد يدخل القتل في شبه العمد أوالخطأ وعند هذا يختلف الأمر.
ثالثاً: أن الإسراف المنهي عنه في الآية لا يشمله عموم حديث: (لا قود) فالإسراف في القتل شئ والإسراف بالقتل شئ آخر فبين الآية والحديث عموم وخصوص للذي ذكروا فلا تعارض.
تنبيه: أرى أن المعارضة المتوهمة هنا بين آية الإسراء وحديث ابن ماجه قد تكون ظاهرة أكثر مع نفس الحديث ولكن مع آيات أخري من أمثال قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: ١٢٦].
وقوله: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: ١٩٤].

(١) فيض القدير (٦/٤٣٦).


الصفحة التالية
Icon