فمعنى الآية الكريمة على كلامه: أى لا تتبع الظنون والشكوك التي هي مجرد الرجم بالغيب والقول بالتشهي - لا الأشياء المدلل عليها - المبنية على الاستقراء الجيد، والقياس الصحيح الذي يلحق الشبيه بشبيهه، والنظير بنظيره وإلا فعامّة فروع العقيدة ثابتة بالاجتهاد والقياس لذلك نرى صاحب "فتح القدير" ذكر أن الآية وإن كانت قد نهت عن جواز العمل بما ليس لنا علم به - إلا أنه دخلها التخصيص - فقال: " ولكنها - يعني الآية - عامة مخصصة بالأدلة الواردة بجواز العمل بالظنّ كالعمل بالعام وبخبر الواحد، والعمل بالشهادة، والاجتهاد في القبلة، وفي جزاء الصيد، ونحو ذلك فلا تخرج من عمومها ومن عموم: ﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ إلا ما قام دليل جواز العمل به فالعمل بالرأي في مسائل الشرع إن كانت لعدم وجود الدليل في الكتاب والسنة فقد رخص فيه النبي - ﷺ - كما في قوله - ﷺ - لمعاذ لما بعثه قاضيًا: (بم تقضي؟) قال: بكتاب الله - قال: (فإن لم تجد؟) قال: فبسنة رسول الله - ﷺ -. قال: (فإن لم تجد؟) قال: أجتهد رأيي إلى أن قال: " وأما التوثب على الرأي مع وجود الدليل في الكتاب أو السنة ولكنه قصر صاحب الرأي عن البحث فجاء برأيه فهو داخل تحت هذا النهي دخولاً أولياً لأنه محض رأي في شرع الله وبالناس عنه غنى بكتاب الله سبحانه - وبسنة رسول الله - ﷺ - ولم تدع إليه حاجة على أن الترخيص في الرأي عند عدم وجود الدليل إنما هو رخصة للمجتهد يجوز له أن يعمل به، ولم يدل دليل على أنه يجوز لغيره العمل به ". ا. هـ(١)
نخلص من كلام صاحب "فتح القدير" إلى:
١- أن الآية عامة وخصصها هذا الحديث: (إذا حكم الحاكم) وأمثاله من الأحاديث التي تدعو إلى الاجتهاد وإعمال العقل فيما ليس فيه نص من الشرع.