٢- أن الآية إنما تنهى عن العمل بالاجتهاد لغير المجتهد فهو الذي يتبع ما ليس له به علم وكذلك الاجتهاد مع وجود النص فإنه داخل في هذا النهي.
٣- أن المجتهد المستكثر من الآراء الاجتهادية بما لا داعى له قد يلحق بهذا النهي - حيث إن الفقهاء إنما يقفون بالاجتهاد عندما تدعو إليه الضرورة فقط - بهذا الكلام يتضح لنا أن الآية افترقت عن الحديث فلا تعارض بينهما، بل يكمل الحديث ما نصت عليه الآية بتخصيص عمومها أو تقييد مطلقها والله أعلم بالصواب.
الوجه الثاني:
قال بعضهم إن معنى الحديث: أن الله تعالى جعل الحق في طرف واحد ثم نصب الأدلة على ذلك، وحمل المجتهدين على البحث فيها فمن صادف العين المطلوبة في المسألة فهو مصيب على الإطلاق وله أجران أجر في الاجتهاد - وأجر في الإصابة ومن لم يصادفها فهو مصيب في اجتهاده مخطىء في أنه لم يصب العين فله أجر معذور.
- وحكي عن جمهور أهل السنة أن الحق في مسائل الفروع في الطرفين سواء - وكل مجتهد مصيب والمطلوب إنما هو الأفضل في ظنه وكل مجتهد أدّاه نظره إلى الأفضل في ظنه.(١)
الوجه الثالث:
قال بعضهم: إن لفظ الحديث: (إذا حكم الحاكم فاجتهد) الحديث، وفيه حيث بدأ بالحكم قبل الاجتهاد، والأمر بالعكس فإن الاجتهاد مقدّم على الحكم فلا يجوز الحكم قبل الاجتهاد بالإجماع، وإنما معنى الحديث:
- أي إذا أراد أن يحكم فليجتهد - كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾ - الآية - أى إذا أردت القراءة - ومن هنا قالوا إن الأجر يكون للحاكم المخطىء إذا كان عالماً بالاجتهاد والسنن والقياس وأما مَن لم يكن محلاً للاجتهاد فهو متكلف لا يعذر بالخطأ في الحكم بل يخاف عليه أعظم الوزر(٢).

(١) انظر تفسير القرطبي (١١ /٣١).
(٢) انظر تفسير القرطبي (١١/٣١١) وفتح الباري (١٣/٣١٩) وشرح النووي لصحيح مسلم (١٢/١٣-١٤) وسبل السلام (٤/١١٧) وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon