قال صاحب "التحفة":- " فإن قيل: أليس قد شج رأسه - ﷺ - وكسرت رباعيته يوم أحد - وقد أوذى بضروب من الأذى فكيف يجمع بين ذلك وبين قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ ؟ قلت: المراد منه أنه يعصمه من القتل فلا يقدر عليه أحدٌ أراده بالقتل. وقيل في الجواب عن هذا: إن هذه الآية نزلت بعد ما شُجَ رأسه في يوم أحد؛ لأن سورة المائدة من آخر القرآن نزولاً ". ا هـ(١)
قلت: والذى يعنينا هنا أن حديث العصمة السابق مرتبط بحديث العصمة الذي وردت به آية المائدة - فورود الحديث كان بنزول هذه الآية ونزولها كان بالمدينة كما تبين فيكون بهذا الرسول - ﷺ - كان معصومًا من القتل أو من مجرد الهمّ أو الخاطر - لكن بعد نزول هذه الآية وأما قبلها فلا - وآية الإسراء مكية وعليه تكون الجهة بين الآية والحديث منفكة فلا تعارض.
* الخلاصة:
١- أن الكلام في الآية: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ محمول على المجاز فهو كقولهم: كدت تقتل نفسك، أي كاد الناس أن يقتلوك بسبب فعلك وهو في كلام العرب كثير وعلى هذا فلا تعارض بين الآية والحديث - لا سيما وأن الخطاب في: ﴿ كِدْتَ ﴾ قد يقال له: خطاب الخاص الذي هو رسول الله - ﷺ - و يراد به العام الذي هو آحاد الأمة كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما(٢).
٢- أن التثبيت في الآية قد يراد به نفس العصمة أو هو نتيجتها وعليه نقول: ثبّت الله نبيه - ﷺ - فكان معصومًا من القتل وغيره حتى من الهمّ وهو وجه جيد وهو ما نقول به هنا كما قال به بعض المفسرين. (٣)
وبهذا يزول إيهام التعارض بين الآية والحديث والله تعالى أعلم.
*... *... *
(٢) انظر تفسير القرطبي (١٠ /٣٠٠)، والبرهان للزركشي (٢/٢١٨).
(٣) انظر: تفسير البغوي (٣/ ١٢٧) وما بعدها.