"إن كل من تحقق بأصول الشريعة فإن أدلتها عنده لا تكاد تتعارض كما أن كل من حقق مناط المسائل فلا يكاد يقف في متشابه لأن الشريعة لا تعارض فيها البتة فالمتحقق بها متحقق بما في الأمر فيلزم أن لا يكون عنده تعارض.
ولذلك لا تجد دليلين البتة أجمع المسلمون على تعارضهما بحيث يجب عليهم الوقوف لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ أمكن التعارض بين الأدلة عندهم"(١).
- فالشاطبي يحيل وجود هذا التعارض الظاهري إلى خطأ الفهم وعدم عصمة المجتهدين لا إلى النص أو الدليل وهذا هو الحق الصراح.
وقد استدل العلماء على هذا الراجح بأدلة كثيرة منها:
١- قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [ النساء: ٨٢].
يقول ابن كثير- رحمه الله تعالى - في تفسيره:
"يقول تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن ومخبراً لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب ولا تضاد ولا تعارض لأنه - تنزيل من حكيم حميد- فهو حق من حق ولهذا قال تعالى:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ ﴾ ثم قال: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ ﴾ أي لو كان مفتعلاً مختلقاً كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم ﴿ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ أي اضطراباً وتضاداً كثيراً أي وهذا سالم من الاختلاف فهو من عند الله" (٢).
قلت: فيفهم من الآية أن الاختلاف عن القرآن ممنوع وبعيد مرفوع - والتعارض نوع من الاختلاف بل هو رأسه فهو منتف ٍلانتفاء عمومه بطريق الأولى.
٢- قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: ٣-٤].
قال ابن حزم - رحمه الله -:
(٢) تفسير ابن كثير (٢/٣٦٦ -٣٦٧).