إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى ذكر في القرآن هذه المعجزات الستة عشر لموسى عليه الصلاة والسلام وقال في هذه الآية ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ وتخصيص التسعة بالذكر لا يقدح فيه ثبوت الزائد عليه؛ لأنا بينا في أصول الفقه أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد، بل نقول إنما يتمسك في هذه المسألة بهذه الآية ثم نقول: أما هذه التسعة فقد اتفقوا على سبعة منها وهي: العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، وبقي الاثنان، ولكل واحد من المفسرين قول آخر فيها، ولما لم تكن تلك الأحوال مستندة إلى حجة ظنية فضلاً عن حجة يقينية، لاجرم تركت تلك الروايات، وفي تفسير قوله تعالى: ﴿ تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ أقوال، أجودها: ما روى صفوان بن عسال أنه قال: إن يهودياً قال لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله عن تسع آيات فذهبا إلى النبي - ﷺ - وسألاه عنها، فقال: هن أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا الفرار يوم الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن [لا تعتدوا] في السبت فقام اليهوديان فقبلا يديه ورجليه، وقالوا: نشهد أنك نبي ولولا نخاف القتل وإلا اتبعناك(١).
" مسالك العلماء لدفع إيهام التعارض بين ظاهر الآية والحديث:
لقد سلك العلماء لدفع إيهام ذلك التعارض مسلك الترجيح: وذلك من وجهين:
الوجه الأول: قال الإمام الطحاوي: والآيات أيضاً فقد تكون عبادات، ومن ذلك: ما ذكره الله تعالى عن عبده ونبيه زكريا عليه السلام من قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً ﴾.
ومن قوله تعالى له: ﴿ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ﴾.

(١) انظر التفسير الكبير للرازي (٢١/٦٣-٦٥).


الصفحة التالية
Icon