فإن قال قائل: وما يدل على أن ذلك كذلك؟ قيل: الدال على ذلك أنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عن قدر لبثهم في كهفهم ابتداء، فقال: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ ومن يضع دليلاً على أن ذلك خبر منه عن قول قوم قالوه، وغير جائز أن يضاف خبره عن شيء إلى أنه خبر عن غيره بغير برهان؛ لأن ذلك لو جاز جاز في كل أخباره، وإذا جاز ذلك في أخباره جاز في أخبار غيره أن يضاف إليه أنها أخباره، وذلك قلب أعيان الحقائق وما لا يخيل فساده.
فإن ظن ظانٌّ أن قوله: ﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ دليل على أن قوله: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ y ﴾ خبر منه عن قوم قالوه، فإن ذلك كان يجب أن يكون كذلك لو كان لا يحتمل من التأويل غيره، فأما وهو محتمل ما قلنا من أن يكون معناه: قل الله أعلم بما لبثوا إلى يوم أنزلنا هذه السورة، وما أشبه ذلك من المعاني فغير واجب أن يكون ذلك دليلاً على أن قوله: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ خبر من الله عن قوم قالوه، إذا لم يكن دليلاً على ذلك ولم يأت خبر بأن قوله: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ خبر من الله عن قوم قالوه، ولا قامت بصحة ذلك حجة يجب التسليم لها، صح ما قلنا، وفسد ما خالفه (١).
وكذا قال ابن عطية في تفسيره: قال المحققون: بل قوله تعالى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾
الآية خبر من الله تعالى عن مدة لبثهم (٢).
وقد اختلف في قوله تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ على وجهين(٣):
الوجه الأول: بما لبثوا بعد مدتهم إلى نزول القرآن فيهم، وهو قول مجاهد، أو إلى أن ماتوا، على قول الضحاك.

(١) تفسير الطبري (٨/٢١١).
(٢) انظر: المحرر الوجيز (٩/٢٨٣).
(٣) انظر: تفسير الماوردي (٣/٣٠٠)، والمحرر الوجيز (٩/٢٨٣-٢٨٤)، وتفسير القرطبي (١٠/٣٨٧).


الصفحة التالية
Icon