الوجه الثاني: الله أعلم بما لبثوا في الكهف، وهي المدة التي ذكرها عن اليهود، إذ ذكروا زيادة ونقصاناً.
والقول في هذين الوجهين كما قال ابن كثير - رحمه الله -: لا يعلم ذلك إلا هو ومن أطلعه عليه من خلقه (١).
ثانياً: دفع إيهام التعارض بين ظاهر الآية والحديث:
مسالك العلماء لدفع إيهام ذلك التعارض:
لقد سلك العلماء لدفع إيهام ذلك التعارض مسلك الترجيح:
إن نزول عيسى عليه السلام وحجه البيت ثابت في ((الصحيح))، فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - ﷺ - قال: (والذي نفسي بيده لُيهلَّنَّ ابنُ مريم بفجِّ الروحاء، حاجاً أو معتمراً، أو ليُثَنِّيَنَّهُما)(٢).
وأما الأحاديث التي جاء فيها صحبة أهل الكهف لعيسى عليه السلام في حج البيت فهي لا تصح لعدة وجوه:
الوجه الأول: لم نقف له على سند صحيح متصل.
الوجه الثاني: تضعيف الحافظ ابن حجر له(٣).
الوجه الثالث: وكذا تبين أن في طريق الأحاديث التي ذكرت هذه الواقعة من هو متروك، ومن هو ليس بشيء، ومن هو مُجمع على ضعفه، كما سبق قول العلماء.

(١) انظر: تفسير ابن كثير (٩/١٢٥).
(٢) أخرجه مسلم في كتاب: الحج، باب: إهلال النبي - ﷺ - وهديه (١٢٥٢، وأحمد ٢/٢٤٠، ٧٢٧٣)، وابن حبان: كتاب: التاريخ، باب: إخباره - ﷺ - عما يكون في أمته من الفتن والحوادث (١٥/٢٣٢، ٦٨٢٠)، وقوله ((ليهلّن)): من الإهلال وهو رفع الصوت بالتلبية. انظر: غريب الحديث للهروي (١/١٧٢). وقوله: ((فجّ الروحاء)): قال النووي: في شرحه على مسلم (٨/٢٢٤): ((قال الحافظ أبو بكر الحارثي: هو بين مكة والمدينة، قال: وكان طريق رسول الله - ﷺ - إلى بدر وإلى عام الفتح وعام حجة الوداع)).
وقال أيضا في قوله: ((ليثنينهما)): ((بفتح الياء في أوله، معناه: يقرن بينهما، في آخر الزمان)).
(٣) انظر: الفتح (٦/٥٠٤).


الصفحة التالية
Icon