قال الحسن: (لقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم؛ وذلك أن الله يقول ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ )(١) [الأعراف: ٥٥].
وروي عن مجاهد: أنه سمع رجلاً يرفع صوته بالدعاء، فرماه بالحصى(٢).
وقال الطبري: (فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة و التابعين)(٣).
أدلة الفريق الثاني:
استدل القائلون بإسرار الدعاء بالآتي:
١- من القرآن: قوله تعالى: ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾ [مريم: ٣].
وجه الدلالة: أن هذه الآية تدل على أن الدعاء والذكر يكون خفية، فيكون الجهر به ممنوعًا إلا فيما ورد به النص، وسائر الآيات التي ذكرت آنفًا تدل على الإسرار والخفية في الذكر والدعاء؛ ليبعد ذلك عن الرياء(٤).
٢- من السنة: استدل القائلون بإسرار الدعاء من السنة بما ورد عن النبي - ﷺ - من أحاديث وردت في (الصحيحين) ومنها:
١- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا إذا أشرفنا على وادٍ هلَّلْنا وكبَّرنا ارتفعت أصواتنا، فقال النبي - ﷺ - :(يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنه معكم إنه سميع قرييب، تبارك اسمه وتعالى جدُّه)(٥).

(١) الأثر رواه الطبري في تفسيره ( ٥/٥١٤، ١٤٧٨٥).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب: الصلوات، باب: في رفع الصوت بالدعاء (٢/٢٣٣، ٨٤٥٨).
(٣) انظر الفتح (٦/١٣٥).
(٤) انظر: سباحة الفكر في الجهر بالذكر (ص٣١).
(٥) أخرجه البخاري في كتاب: الجهاد والسير، باب: ما يُكره من رفع الصوت في التكبير (٢٩٩٢) ومسلم في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: استحباب خفض الصوت بالذكر (٢٧٠٤).


الصفحة التالية
Icon